غفعاتي وغولاني: هيبة المشاة تتحطم في غزة

كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى لا تميز بين قبعة بنية وأخرى أرجوانية، خاصة عندما تشتبك مع مرتديها من مسافة صفر، فكلاهما سيلقيان المصير نفسه "الموت في جحيم غزة". 

  • هيبة المشاة تتحطم في غزة.
    هيبة المشاة تتحطم في غزة.

منذ اليوم الأول للعملية البرية في غزة، يتعاظم نزيف جنود الاحتلال ليس فقط من حيث العدد الذي تجاوز 425 جندياً منذ ملحمة "طوفان الأقصى"، بل وصل الأمر إلى نوعية الجنود. أغلبية قتلى جنود الاحتلال هم من أهم لواءين لطالما تم تقديمهما على أنهما يتكوّنان من نخبة "جيش" الاحتلال، اللواءين "غولاني" و"غفعاتي".

عند صدور قرار الدخول برياً إلى قطاع غزة، توجّه رئيس أركان "جيش" الاحتلال هرتسي هاليفي إلى قادة لواء "غولاني" ليكلفهم بمهمة غزو قطاع غزة، إذ يعدّ هذا اللواء أكبر الألوية وأهمها، ولكن في الوقت عينه، الأسوأ سمعة في "جيش" الاحتلال بسبب تاريخه المليء بالمجازر وجرائم الحرب التي ارتكبها على مدى 70 عاماً، في وقت يُعدّ لواء "غفعاتي" أكثر التزاماً لكنّ تاريخه ليس أقل دموياً.

"غولاني": أسطورة اللواء الرقم واحد

يُصوّر الكيان المحتل جنود لواء "غولاني" على أنهم "قوات جهنم جيشه"، على الرغم من خسارته الكثير منهم خلال الحروب على قطاع غزة. ولعلّ اليوم خير مثال على ذلك، إذ اعترف إعلام العدو بمقتل أكثر من مئة عسكري في لواء "غولاني"، منهم قائد أهم فرقة فيه النقيب ليرون سنير الذي لقي حتفه في شمال غزة.

"غولاني" المعروف بـ"لواء الشعب" و"قوات الصدمة"؛ نظراً إلى استدعاء جنوده إلى العملية البرية المباشرة، وُصف بأنه أقوى وحدات المشاة النخبة التي تأسست منذ قيام الكيان. ما يميّز ألوية "غولاني" عن غيرها قبعاتهم ذات اللون البنيّ وشعارهم الذي يحمل شجرة زيتون خضراء (ترمز إلى ادعاء إسرائيل بالارتباط العميق بالأرض، وخاصة لتلال زيتون الجليل)، تمتد جذورها على خلفية صفراء، ويعكس الشعار دور اللواء في الجنوب عام 1948 عند احتلاله أم الرشراش (إيلات).

 يُشاع في "إسرائيل" عن قوة تكتيك جنود "غولاني"؛ بسبب تولّيهم مهمات صعبة تتطلب مهارات مشاة متطورة، وكان لا بد من تجهيزهم بأعتى التجهيزات والعتاد من بينها ناقلات جند مدرعة ذات تطور عالٍ ومجهزة بتقنيات معدلة من دبابات (T 54 وT 55) السوفياتية الصنع.  "غولاني" هو اللواء الوحيد الذي يمتلك السيارة المدرعة "نمر"، فضلاً عن تجهيز الجنود بأسلحة أميركية متطورة.

يتكوّن اللواء من كتيبة "باراك" التي تُسمّى "غدود 12"، وكتيبة "غيديون" غدود 13، إضافة إلى "براعم غولاني" التي تضم فصائل مدرّبة وسرية استطلاع وكتيبة المبشرين الأوائل (غدود 51). أما أقوى فرقة في "غولاني" فهي سرية الاستطلاع التي تعدّ أهم وحدات القوات الخاصة في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي على الإطلاق، إذ تتميّز بالتدريبات العالية على الأسلحة الفتاكة وتعمل في منطقة 100 في الجليل الأعلى.

تاريخ لواء "غولاني" الأسود

 تكللت أولى مشاركات "غولاني" الرسمية عام 2004 بعمليات داخل الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وجنين والضفة الغربية. ولكن أوجّ مشاركاته جاءت عام 2006 في عدوان تموز في معارك شرسة مع حزب الله في بنت جبيل (خسرت حينها وحدته الخاصة 15 جندياً). اللافت في لواء "غولاني" امتلاكه تاريخاً أبعد بكثير عن أي جيش نظامي في العالم، فهو اللواء الإسرائيلي الوحيد الذي خاض كل حروب الكيان منذ تأسيسه. كان أولها حرب 1948 ضد المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية ثم معركة القدس عند احتلاله رفح، وفتحه مدخلاً لقوات دعم "جيش" الاحتلال. لم تكن مشاركته محدودة في المواجهات المسلحة فقط، بل ارتكب عدداً كبيراً من المجازر ضد المدنيين العزل الفلسطينيين، من أشهرها مجزرة عيلبون قرب طبريا عام 1948. 

تراوحت مهمات هذا اللواء من عام 1956 إلى عام 67 (النكسة)، واستمر دورها إلى حين حرب أكتوبر 73. وبعد انتهاء حروب الكيان مع العرب، برز الدور الأكبر لـ"غولاني" خلال حروب القرن 21، حيث كان اللواء رأس الحربة في مواجهة حزب الله. حينها، كبّد حزب الله "غولاني" خسائر كبرى ليس فقط في الجنود بل في المدرعات بما لا يتناسب مع الدعاية الإسرائيلية حول قوة جنود أهم لواء عسكري. منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، تم تكليف "غولاني" بالمشاركة في حراسة الحدود الشمالية، فضلاً عن عملياته في الداخل الفلسطيني خلال الانتفاضة الثانية (عملية الدرع الواقي) واستيلائه على رام الله ونابلس، ومؤخراً تركز دوره على عملية اقتحام غزة.

من "الهاغاناه" إلى "غفعاتي"

أول ما يقفز إلى ذهن الإسرائيليين في كل مرة يتم الحديث فيها عن لواء "غفعاتي"، صفات القوة، الشراسة، الانضباط والنضال، وذلك نتيجة الدعاية الإسرائيلية التي تقدّمه كالوجه الآخر لـ"غولاني"، لكن بطريقة أكثر نظافة وانضباطاً وأقل دموية. في وقت يختلف جوهر الأمر تماماً، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن لواء المشاة هذا أُنشئ في أواخر عام 1947 على يد منظمة "الهاغاناه" الشهيرة بارتكاب المجازر.

فمع اقتراب الإعلان عن قيام "دولة إسرائيل" كانت "الهاغاناه" قد أنشأت "جيشاً" منظماً ومسلحاً بالتعاون مع بريطانيا. تضمن "جيشها" قوات خاصة عُرفت بـ"سرايا الصاعقة"، كما أنشأت منظمة "هاغاناه" ستة ألوية تابعة لها وكان منها لواء "رقم 5" في منطقة "تل أبيب"، وهو الاسم السابق للواء "غفعاتي". وحين تم الإعلان عن تكوين "الجيش" الإسرائيلي في "تل أبيب" بعد إعلان قيام "الدولة العبرية" أصبح اللواء "رقم 5" أحد ألوية "الجيش"، وقد شارك في حرب عام 1948 ولكن ليس باسم "غفعاتي". 

كما شارك في المعارك التي هدفت إلى احتلال يافا والقرى المحيطة بها، واشتبك مع مقاتلي الجيش العربي في معركة "هاتكفا"، وكان له الدور الأكبر في صد هجوم القوات المصرية ومنعها من السيطرة على مستوطنة نيجيا (منذ ذلك الحين أخذوا الثعلب كرمز للواء). وفي شمال النقب، كانت مهمته في حرب 1948 السيطرة على مناطق عدة بينها مفترق طرق عُرف لاحقاً باسم "مفترق غفعاتي".

وبعد ما يقارب عشر سنوات من تأسيسه صدر قرار بحلّه، وعقب ثلاثة أشهر، قررت قيادة "الجيش" الإسرائيلي إعادة تشكيله تحت اسم "اللواء 17" وحمل حينها اسم "غفعاتي"، قبل أن يتم تحويله إلى اللواء الخامس ليكون ضمن ألوية الاحتياط التي شاركت في حرب عام 1967. حينها، تركّزت مشاركته في منطقه جبال نابلس والتلال المحيطة وصولاً إلى نهر الأردن. 

كتائب الثعلب الأحمر 

 لم تتغير هيئة "غفعاتي" إلا بعد اجتياح لبنان عام 1982، إذ اتخذت قيادة الأركان قراراً بحاجة "الجيش" إلى قوة مشاة إضافية. وكانت مهمته تتركز على العمليات الأمنية ودوريات الحراسة على الحدود وتأمين مواقع "الجيش" الإسرائيلي في لبنان. وهو ما جعل اللواء منقسماً بين الحدود اللبنانية وقطاع غزة، لكن بعد انسحاب "إسرائيل" من لبنان عام 2000، أصبح جزء من القيادة الجنوبية يتمركز في منطقة القطاع فقط. أي أن مهمته الأساسية اجتياح غزة عند الطلب، وهو ما يتضح في مشاركاته في كل الاجتياحات البرية لقطاع غزة في أعوام 2008، 2009 و2014 وصولاً إلى حرب 2023.

 ينقسم لواء "غفعاتي" اليوم إلى مجموعة من الوحدات والكتائب، وتتميّز وحداته وكتائبه عن بقية الألوية بأنها تحمل أسماء وليس أرقاماً، ومن أشهرها "كتيبة شاكيد" 11 وحدة النخبة في "الجيش" الإسرائيلي و"كتيبة تسابار" المستمد اسمها من نبات الصبار الصحراوي، إضافة إلى كتيبتَي "روتم وشولاي شيمشون".

ويمكن تمييز أي جندي من لواء "غفعاتي" بمجرد رؤيته، وكان جنوده في السابق يرتدون القبعات السوداء والأحذية البنية لكن تغيّر لون لباسهم فأصبحوا يرتدون أحذية سوداء وقبعة لونها أرجواني أو بنفسجي بعد أن اختارت اللون ابنة قائد اللواء "يهودا دوفدفاني" حين سألها والدها عن لونها المفضل.

أما شعار اللواء فهو صورة لنبتة الصبار في الصحراء وفي منتصفها سيف يحيط به ثعلب أحمر، في إشارة إلى أن اللواء كالصبار يعيش في الصحراء وأنه كالثعالب قادر على المراوغة والخديعة. لكن، لم تكن حال هذا اللواء كالثعلب، ليس فقط اليوم في معارك غزة بل منذ الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو عام 2006، وتحديداً عملية موقع كرم أبو سالم العسكري، التي باتت أشهر عمليات استهداف لواء "غفعاتي" حين تسلل مقاتلون من فصائل المقاومة الفلسطينية عبر نفق حفر تحت النقطة العسكرية الحدودية وباغتوا قوة إسرائيلية مدرعة من لواء "غفعاتي" كانت تحرس ليلاً. أدت العملية إلى مقتل جنديين وإصابة 5 آخرين وأسر الجندي جلعاد شاليط الذي حرر بعد 5 سنوات بصفقة تبادل كبرى سُميت بصفقة "وفاء الأحرار".

نزيف "غفعاتي" و"غولاني" مستمر

يبدو اليوم في حرب "إسرائيل" على غزة أن حال لواء "غولاني" مشابهة كثيرة لحال لواء "غفعاتي". كلاهما يعانيان من نزيف كبير في الجنود والعتاد، بيد أن "غفعاتي" نال حصة الأسد. ففي أول أيام العملية البرية، أعلن "جيش" الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل تسعة من جنوده منهم سبعة من لواء "غفعاتي" كانوا في مدرعة "النمر" إثر استهدافها من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية بصاروخ موجه من طراز "كورنيت". لم يمر سوى يومين حتى عاد الاحتلال ليعلن عن مقتل ثلاثة جنود من لواء "غفعاتي" أيضاً من دون توضيح كيفية استهدافهم.

 وعلى الرغم من أن لواء "غفعاتي" يُصنّف أكثر انضباطاً من "غولاني"، فإن ما يرتكبه الآن في حرب غزة من تجاوز كل المحظورات وارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل والأطفال يثبت أنهما وجهان لعملة واحدة.

كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى لا تميز بين قبعة بنية وأخرى أرجوانية، خاصة عندما تشتبك مع مرتديها من مسافة صفر، فكلاهما سيلقيان المصير نفسه "الموت في جحيم غزة".