فرنسا تغادر ساحل العاج بهدوء

منذ نهاية 2022، بدأت علاقات باريس تتوتر مع عدد من دول غرب أفريقيا وخاصة منطقة الساحل، الأمر الذي جعل الجيش الفرنسي يضطر للمغادرة بعد إنهاء الاتفاقيات العسكرية التي كانت تشرّع وجوده.

  • عام 1843 أصبحت ساحل العاج تحت الحماية الفرنسية.
    عام 1843 أصبحت ساحل العاج تحت الحماية الفرنسية.

ساحل العاج عضو في الاتحاد الأفريقي تقع في غرب أفريقيا، مساحتها الإجمالية 322,462 كم يبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة، في عام 1843 أصبحت ساحل العاج تحت الحماية الفرنسية وفي عام 1893 أصبحت مستعمرة فرنسية، وأصبحت دولة مستقلة في 7 آب/أغسطس 1960.

شكّلت ساحل العاج (petit paris) حالة "استثنائية" في علاقتها مع فرنسا من بين الدول الأفريقية الأخرى التي سحبت منها جنودها، حيث تمّت عملية الانسحاب بطريقة سلسة من دون احتجاجات شعبية ضدّ باريس ليتمّ الخروج من البلاد نهائياً في الـ 20 من شهر شباط/فبراير الفائت.

- فرنسا تخلي قاعدتها العسكرية في ساحل العاج بعد 47 عاماً

خلال حفل رمزي تمّ تنظيمه، قرب مطار أبيدجان، سلّمت القوات الفرنسية قاعدتها العسكرية (بيما) التي كانت تضمّ كتيبة المشاة 43 إلى جيش ساحل العاج، منهية بذلك وجودها الذي استمر منذ عام 1978.

وتمّ تسليم القاعدة التي تقع في مدينة (بورت بويه) قرب مطار العاصمة في احتفال بسيط حضره وزير الدفاع تيني إبراهيما واتارا ونظيره الفرنسي سيباستيان لوكورنوغ.

وخلال عملية التسليم تمّ إنزال العلم الفرنسي ورفع العلم الإفواري مكانه، وأعيدت تسمية القاعدة باسم "توما داكين واتارا" أول رئيس لأركان الجيش في دولة ساحل الحاج. وأثنى وزير الدفاع والقوات المسلحة في ساحل العاج على عملية التسليم السلسة، وقال إنها تشكّل مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المثمر بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات استراتيجية، بحسب تعبيره.

فرنسا لا تختفي!

من جانبه، قال وزير القوات الفرنسي لوكورنو إنّ العالم يتغيّر والعلاقات الدفاعية الفرنسية يجب أن تتطوّر، وأضاف أنّ فرنسا تغيّر وجودها لكنها لا تختفي.

وسيصل إلى أبيدجان 80 عنصراً من المدرّبين الفرنسيين للإشراف والتدريب على تكوين الضباط في الأكاديمية العسكرية لأنظمة المعلومات والاتصال التابعة لجيش ساحل العاج.

وكان الرئيس الإيفوري الحسن واتارا قد أعلن في نهاية العام الماضي أنّ بلاده اتفقت مع فرنسا على إخلاء قواعدها العسكرية، ورحيل جنودها في نهاية كانون الثاني/يناير الماضي. ودعا المواطنين للافتخار بتحديث قدرات قواتهم المسلحة وبأنّ هذا الانسحاب منسّق مع القوات الفرنسية.

باريس تنسحب

منذ نهاية 2022، بدأت علاقات باريس تتوتر مع عدد من دول غرب أفريقيا وخاصة منطقة الساحل، الأمر الذي جعل الجيش الفرنسي يضطر للمغادرة بعد إنهاء الاتفاقيات العسكرية التي كانت تشرّع وجوده في مستعمراته السابقة.

النفوذ الفرنسي في أفريقيا إلى أفول، فالانسحاب الجديد يأتي ضمن سلسلة تغيّرات ضدّ باريس في القارة السمراء، حيث أخرج الجيش الفرنسي من مالي وبوركينا فاسو والنيجر بعد قرارات من السلطات العسكرية الحاكمة هناك، كما خرجت فرنسا من تشاد عقب إلغاء نجامينا اتفاقية التعاون العسكرية مع فرنسا منذ ثلاثة أشهر.

في حين قرّرت السنغال إنهاء الوجود الفرنسي في أراضيها بحلول نهاية العام الجاري (2025) وتظلّ جيبوتي القاعدة العسكرية الفرنسية الأخيرة في أفريقيا وتنشر فيها 2500 جندي بشكل دائم.

فرنسا انسحبت رسمياً من ساحل العاج (كوت ديفوار) كما فعلت في بعض الدول الأخرى في غرب أفريقيا، ويعود ذلك إلى عدة أسباب رئيسية:

1- تغيّر الأوضاع السياسية في ساحل العاج: رغم أنّ الرئيس الحالي الحسن واتارا يحافظ على علاقات جيدة مع فرنسا، إلا أنّ هناك توجّهاً متزايداً لدى الدول الأفريقية نحو تقليل الاعتماد على القوى الاستعمارية السابقة.

2-تنامي المشاعر المناهضة للوجود الفرنسي: في السنوات الأخيرة، شهدت عدة دول في غرب أفريقيا احتجاجات ضدّ الوجود العسكري الفرنسي، متهمين باريس بعدم تحقيق الاستقرار الفعلي، هذه المشاعر أثّرت على سياسة فرنسا في المنطقة.

3- التغيّرات الجيوسياسية في غرب أفريقيا: مع انسحاب فرنسا من دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر بعد الانقلابات العسكرية، وصعود أنظمة تفضّل التعاون مع روسيا (عبر مجموعة فاغنر)، تراجع النفوذ الفرنسي إقليمياً.

4- إعادة هيكلة الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: بعد إنهاء عملية "برخان"، بدأت فرنسا في إعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة، وهو ما قد يشمل تخفيض عدد قواتها في ساحل العاج وتركيزها على عمليات محدّدة.

5- تحسّن قدرات الجيش الإيفواري: مع مرور الوقت، زادت كفاءة القوات المسلحة في ساحل العاج، ما جعل البلاد أقلّ اعتماداً على الدعم العسكري الفرنسي المباشر.