ما الحد الأدنى من الاستحقاقات التي تكافئ تضحيات الشعب الفلسطيني والمقاومة؟

أي استحقاقات، مهما عظُمت، لا تعني، في حال من الأحوال، المكافئ لمقدار بطولات المقاومة وإنجازاتها العبقرية والإعجازية، ولا يمكن عدّها المعادل لشلالات دماء الشعب الفلسطيني العظيم الزكية.

  • الحرب على غزة.
    الحرب على غزة.

تساؤل يُطرح من كثب في نقاشاتنا ومجالسنا وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في برامج الحوار والتحليل السياسي: ما الحد الأدنى من الاستحقاقات التي تكافئ شلالات الدم الفلسطيني وإنجازات المقاومة الفلسطينية وبطولاتها؟!

لن نخوض في الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية وإنجازاتها وانتصاراتها، والتي يقر بها القاصي والداني، مع ضرورة تأكيد حقيقة دامغة: إنه، بحسب سير مجريات المعركة البرية حتى تاريخ الهدنة الإنسانية، نجزم يقيناً بأن المقاومة الباسلة ستحقق، في أقل تقدير، أضعاف ما حققته إذا تم استئناف الحرب، وكلما طال أمدها.

وفي سياق الاستحقاقات التي يجب أن تكافئ ما حققته المقاومة الفلسطينية الباسلة من انتصارات ميدانية جليّة بالتماهي مع التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى، نستطيع القول إن الحد الأدنى منها يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الآتي:

أولاً: عدم المساومة على تهجير المقاومة الفلسطينية إلى خارج حدود الوطن، وعدّ هذا الأمر من الخطوط الحمر، والتي لا يمكن، في حال من الأحوال، الاقتراب أو المساس بها.

ثانياً: عدم المهادنة والمساومة على تهجير الشعب الفلسطيني الغزي إلى سيناء، وفلسطينيي الضفة إلى الأردن. يجب أن يتم إغلاق هذا الملف بصورة قطعية وعدم السماح بالخوض فيه في أي مفاوضات تجري مستقبلاً مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية.

ثالثاً: تبييض السجون الصهيونية من جميع المعتقلين الفلسطينيين، مع وجوب وجود ضمانة دولية بعدم ملاحقتهم أو اعتقالهم لاحقاً. ومن واقع سابق خبرتنا بنكوص الكيان الصهيوني بالاتفاقات والمواثيق وخرقه لها، يجب احترازياً تأمين القيادات المؤثرة وتوفير إقامتها مبدئياً في قطاع غزة.

لا شك في أن القيادات الفاعلة والمؤثرة من الأسرى المحررين سيكون لها الأثر الجسيم في تشكيل جبهة وطنية وثورية مناوئة للسلطة الفلسطينية، وسيكون لها التأثير القوي في إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الوحيد والشرعي للقضية الفلسطينية، وإعادة هيكلة الحركات التحررية في الضفة الغربية وتقوية شوكتها، وفي مقدمتها كتائب شهداء الأقصى والفهد الاسود وكتيبة جنين.

رابعاً: تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية، على أن يتم الاتفاق على مدتها، وتكون من جميع الأحزاب والحركات في منظمة التحرير الفلسطينية، على أن تضطلع الحكومة الموقتة بتسيير شؤون السلطة والعمل على تهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات فلسطينية نزيهة تحت إشراف دولي مستقل. 

خامساً: يجب على المكاتب السياسية لحركات المقاومة الفلسطينية تكثيف جهودها الدبلوماسية والعمل على التنسيق مع القوى العالمية الفاعلة والمؤثرة والمؤيدة للقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها روسيا والصين ودول البريكس، والمطالبة من خلال هذه المنظومة بتفعيل القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى "دولتين" متجاورتين.

وإعادة المطالبة بتفعيل قرار التقسيم هو الشرك الذي سيضع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية في مواجهة القانون والشرعية الدوليين. وفي حال رفضهما، وهو المتوقع، سوف تصبح معارك المقاومة الفلسطينية بهدف تطبيق الشرعية الدولية، داحضةً بذلك البروباغندا والسردية الصهيونيتين، واللتين تزعمان أن "إسرائيل" تحارب حركات "إرهابية" تهدف إلى القضاء على اليهود وإزالتهم من الخريطة البشرية.

سادساً: وجوب وجود ضمانة دولية تقضي برفع الحصار الشامل عن قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وبصورة فورية. 

سابعاً: إعادة إعمار قطاع غزة. 

وبشأن إعادة الإعمار، وبحسب خبرتنا السابقة بشأن عدم امتثال الدول المانحة لالتزاماتها المالية، فالأولى والأجدر هذه المرة، وعملاً بالحديث الشريف "لا يُلدغ المؤمن من جٌحر مرتين"، أن يتم رصد المبلغ مسبقاً في حساب بنكي وتحت إشراف دولي.

كان الأولى والأجدر الإشارة إلى إعادة إعمار القطاع بأموال "إسرائيلية"، لكننا لم نفعل، لعلمنا ويقيننا بعدم وجود قوة، غير قوة السلاح، يمكن لها أن ترغم الكيان الصهيوني المتعجرف على التزام مواثيقه والتزاماته.

ختاماً: الخوض في هذا المعترك الجسيم لا يُقصد به الإشارة إلى الاستحقاقات المكافئة لصمود المقاومة وإنجازاتها وتضحيات الشعب الفلسطيني، وإنما يُقصد به تسليط الضوء على الخطوط الحمر و" اللاءات " المرفوضة فلسطينياً، ويأتي في مقدمتها: لا لوأد المقاومة أو تهجيرها؛ لا لمشروع تهجير الشعب الفلسطيني؛ لا لعدم وجود دولة فلسطينية مستقلة؛ لا لقيادة فلسطينية تأتي على ظهر الدبابات الصهيونية...

وعلاوة على ذلك، أي استحقاقات، مهما عظُمت، لا تعني، في حال من الأحوال، المكافئ لمقدار بطولات المقاومة وإنجازاتها العبقرية والإعجازية، ولا يمكن عدّها المعادل لشلالات دماء الشعب الفلسطيني العظيم الزكية.

أمّا عرضنا لقرار التقسيم فلا يعني، في حال من الأحوال، المساومة على أي من حقوقنا الشرعية، والاعتراف بـ"شرعية" كيان الاحتلال الصهيوني، إنما يُقصد به تضييق الخناق دبلوماسياً على الاحتلال الصهيوني ومحاصرته تحت طائلة الشرعية الدولية، ودحض البروباغندا والسردية الصهيونيتين والإجهاز عليهما.