ما هي "إسرائيل"؟ الفلسطينيون يعرّون الكيان ويزيدون غرقه

ما فعلته المقاومة في "طوفان الأقصى" هدفه مستقبلي، ولخمس سنوات قادمة، فهي تريد الآن فرض واقع جديد يتعلق بإنهاء وجود اليمين في كِيان الاحتلال، وإطلاق سراح المعتقلين، وخصوصاً المحكومين حكماً مؤبداً، وحل الدولتين.

  • معركة طوفان الأقصى وإجرام
    معركة طوفان الأقصى وإجرام "إسرائيل".

ما هي "إسرائيل"؟ لكل شيء في العالم تعريف، فإذا أردنا تعريف "إسرائيل"، ماذا سيكون؟ هل هي دولة؟ هل هي صاحبة أرض فلسطين؟ كلا. ما هي إذاً؟

يمكن تسمية "إسرائيل" بالشركة المساهمة، فالجميع لديه أسهم فيها، بداية من الولايات المتحدة، وصولاً إلى ألمانيا، فالكل مساهم ومستفيد من وجود هذا الكيان. وعلينا هنا أن نتذكر أنه تأسس ليكون حاجز فصل بين العرب والمسلمين في آسيا وأفريقيا، وووسيلة لتفتيت الأمة ونهب ثرواتها.

وبالتالي، إن أكثر ما يؤلم كيان الاحتلال هو الخسائر المادية، فالمال لديه يضاهي أهمية الروح، وعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الماضي ضربت اقتصاد الكيان بمقتل، وربما يحتاج إلى سنوات كي يعود كما كان؛ فاليوم الواحد من الحرب يكلف كيان الاحتلال ربع مليار دولار.

هذه هي الخسائر المعلنة فقط، وما خفي كان أعظم، وخصوصاً إذا علمنا أنَّ هناك عشرات الآلاف من رجال الأعمال غادروا الكيان فعلياً بعدما فقدوا الأمل به وبالاستثمار فيه، وهي أمور تؤرق الولايات المتحدة وحلفاءها (فرنسا وبريطانيا وألمانيا).

إنهم يعدون "إسرائيل" صندوق استثمار أو كما سمّيتها بالشركة المساهمة التي تفيدهم، سواء بالقلق الذي تحدثه في الشرق الأوسط أم بالشركات في داخله، وخسائر الكيان في هذه الشركات كبيرة أيضاً. 

مثلاً، شركات التجسس، مثل "إن إس" أو التي أنتجت برنامج "بيغاسوس" الذي تجسست من خلاله على عدد كبير من المسؤولين والسياسيين والصحافيين في العالم، فشلت في رصد أي إشارة إلى عملية "طوفان الأقصى"، وفشلت وغيرها الآن في رصد شبكة اتصالات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وشركات تطوير الأسلحة وإنتاجها، كما أن القبة الحديدية الإسرائيلية سقطت أمام صواريخ المقاومة محلية الصنع أيضاً.

ضباط الكيان وقادته العسكريون فشلوا في التخطيط للعملية البرية، وهم الآن في تشوش وصدمة كبيرة، إذ يخرج رئيس وزراء الاحتلال بنيامين ‏نتنياهو ليقول إن هناك خسائر في صفوف قواته، ويعلنها بصدمة وذهول، في حين يخرج وزير حربه يوآف غالانت، ليعلن أن جيشه يقاتل أشباحاً في قطاع غزة، وليقول إن قواته تدفع ثمناً باهظاً في المعارك، ويقول وزير حرب الكيان السابق وعضو المجلس العسكري الحالي بيني ‏غانتس إن الصور القادمة من المعركة مؤلمة، وإن الدموع تتساقط عند رؤية الجنود يسقطون.

جميع ما سبق هو خسائر اقتصادية ولوجستية وأمنية وفشل للقادة في المكاتب العسكرية، لكن على الأرض هناك فشل آخر هو الفشل والخسارة في رصد المقاومة ونقاط إطلاق الصواريخ وخطوط المقاومين، والجميع شاهد كيف نفذ مقاوم واحد عملية مواجهة مع دبابة إسرائيلية من نقط الصفر، فهذا الشاب بالعلم العسكري نفذ عملية سرية كاملة.

في البداية، أجرى عملية تمويه، ثم رصد تحرك العدو، واستطلع مكانه، وتسلل إلى الدبابة وفخَّخها، وعاد إلى موقعه ورماها بالقذيفة الموجودة معه، وانسحب من المكان وهو يصور العملية، أي أن الإعلام الحربي كان حاضراً أيضاً.

السينما نفسها فشلت في تخيل هذا المشهد، ولكن فعله مقاوم شاب واحد. وإلى اليوم، ما زالت المقاومة تضرب في شمال قطاع غزة الذي دخله الاحتلال منذ ما يزيد على 20 يوماً، ودمر أبنيته قبلها، وهجَّر الأهالي والسكان، وبالتالي إلى اليوم ما زال الكيان يقف على أرض غير ثابتة في القطاع، ويسير على رمال متحركة قد تبتلعه في أي لحظة.

أكبر إنجاز حققه "جيش" الاحتلال حتى الآن هو دخوله مستشفى الشفاء، فمنذ يوم العملية البرية الأول، وضع جيش الاحتلال هدفاً أمامه، وهو المستشفى. وخلال ما يزيد على 40 يوماً، ظل يتحدث عنه، وأعلن أنه يريد الدخول إليه أو تدميره، وبالتالي حتى لو كانت هناك عناصر للحركة أو أسرى، فسيكون قد جرى إجلاؤهم منذ أسابيع، وبالتالي إن دخوله إلى المبنى إنجاز، لكنه من دون أي قيمة حقيقية، وهو في هذا الدخول أثبت مرة أخرى أنه عصابة وليس جيشاً.

"طوفان الأقصى" وبعده العدوان على غزة نسفا أي أمل لنتنياهو في البقاء بالسلطة، واليمين المتطرف كله سيذهب من الصورة السياسية في كيان الاحتلال. وقد عاد حل الدولتين إلى الطاولة من جديد بعدما حاول نتنياهو منذ التسعينيات نسف أي محاولة لحل الدولتين، تارة بالمماطلة، وتارة أخرى بالتخويف من المقاومة الفلسطينية، ولكن بعد "طوفان الأقصى"، سيقول الشارع الإسرائيلي نفسه لنتنياهو إنك لم تستطع حمايتنا من هذا الطوفان الذي تزعم أنك في وجهه، وبالتالي عليك الذهاب. 

ما فعلته المقاومة في "طوفان الأقصى" هدفه مستقبلي، ولخمس سنوات قادمة، فهي تريد الآن فرض واقع جديد يتعلق بإنهاء وجود اليمين في كِيان الاحتلال، وإطلاق سراح المعتقلين، وخصوصاً المحكومين حكماً مؤبداً، وحل الدولتين.

 الهدف الأول تحقق، والثاني سيكون قريباً جداً، وأهم من سيطلق سراحهم هو مروان البرغوثي، العدو اللدود لأبي مازن وصاحب الشعبية الكبيرة في فتح وعند جميع الفلسطينيين، وبالتالي سيكون هو الرئيس المستقبلي للسلطة.

وبما أن الهدف الأول تحقّق، والثاني أيضاً، فسيكون من السهل تحقيق الثالث، وذلك بسبب الضغوطات الأميركية والغربية على الكيان لتفيذ خطوات نحو حل الدولتين ونزع فتيل التوتر في المنطقة لعقدين على أقل تقدير، ومن الممكن أن تحكم حماس السلطة الفلسطينية بشرط أن يبقى سلاح المقاومة وأن لا تتدخّل فيه.

"إسرائيل" لا تحتمل الهزيمة العسكرية، لأنها تؤثر في بنيتها الداخلية وصورتها الخارجية. لذلك، تحاول جاهدة البحث عن أي انتصار عسكري على جثث المدنيين، لكن معادلة المواجهة التي فرضتها المقاومة، وخصوصاً نقطة الصفر، أظهرت أن جيش الاحتلال هو جيش مفكك، وهو جيش "تيك توك" وصور "إنستغرام"، وليس جيشاً حقيقياً يريد أن يكون الأقوى في المنطقة.

هذه الحرب أعادت الشاب العربي إلى نبض المقاومة والنضال بعدما أخذته مواقع التواصل الاجتماعي وسمومها إلى زاوية الطيش ومحاولة نسيان القضية، لكن شباب المقاومة الذين يظهرون بملابس مدنية رياضية مثل أي شاب عربي، ويمشون بهدوء نحو الدبابة الإسرائيلية ويفجرونها، جعلوا هذا الشاب يعجب بهم، ليصبحوا هم قدوته، بعدما كان ميسي ورونالدو قدوته، وبالتالي على كل أب عربي أن يشكر المقاومة الفلسطينية و"طوفان الأقصى".