ماذا وراء زيارة الرئيس الأسد إلى الصين، وهل تحققت توصية وليد المعلم؟

تبدو الصين التي تواجه محاولات أميركية لاحتوائها، مهتمةً بالرد على تلك الخطوات الأميركية من خلال تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي على الدرجة نفسها في منطقة الشرق الأوسط.

  • الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته إلى الصين (أ ف ب).
    الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته إلى الصين (أ ف ب).

في عام 2011، قال وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم "سننسى أن أوروبا على الخارطة، وسأوصي قيادتي بتجميد عضويتنا في الاتحاد من أجل المتوسط»، مشيراً حينها إلى أن سوريا جمّدت «اتفاقية الحوار من أجل الشراكة الأوروبية". وأضاف الراحل المعلم حينها: "سنتجه شرقاً وجنوباً وإلى كل اتجاه يمد يده إلى سوريا، العالم ليس أوروبا فقط، وسوريا ستصمد كما صمدت في عام 2003 وكما كسرت العزلة آنذاك وهي قادرة على تخطيها".

كما دعا وزير الخارجية السوري الراحل فرنسا إلى التوقف عن إعادة إنتاج استعمارها القديم. واليوم، وبعد 12 عاماً على توصية الراحل المعلم، يزور الرئيس بشار الأسد الصين في زيارة تشكل فرصة لإحداث نقلة جديدة في العلاقات الثنائية، لا سيما بعد سلسلة أحداث أكدت اهتمام الصين بتعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط في سياق التنافس مع الولايات المتحدة الأميركية.

وتعدّ هذه الزيارة هي الأولى للرئيس الأسد إلى الصين منذ العام 2004، وهي تأتي في ظل اشتداد التنافس الصيني -الأميركي مع إعلان الولايات المتحدة عن مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط الهند بأوروبا منافساً لمشروع "الحزام والطريق" الصيني.

لقد قدمت الصين دعماً دبلوماسياً غير مسبوق لسوريا في المحافل الدولية، ولا سيما مجلس الأمن الدولي، منذ بدء الحرب الإرهابية والغربية عليها عام 2011، لكنها حرصت في الوقت نفسه على عدم التدخل بشكل أكبر في الحرب، تجنباً لأي احتكاك مع الولايات المتحدة قد يغيّر التفاهمات غير المعلنة بين البلدين.

واليوم، يبدو الوضع مختلفاً عما كان عليه عام 2011، والصين تعلن خططها لتعزيز وجودها ومشروعاتها في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي كانت تقليدياً ضمن دائرة النفوذ الأميركي حتى اليوم، كما أن سوريا أصبحت تشكل أهمية جيواستراتيجية بالنسبة إلى الصين، فضلاً عن كون البنية الفكرية للنظام السياسي السوري متناغماً مع نظيره الصيني، لجهة وجود حزب سياسي حاكم أو قائد، ونظام اقتصادي يعتمد على القطاع الخاص بإشراف الدولة.

لقد تبلورت رغبة الصين في تعزيز التقارب مع سوريا بعد الحرب، في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى العاصمة السورية دمشق يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا في 17 تموز/يوليو 2021، وكان الوزير الصيني أول المهنئين للرئيس الأسد بفوزه في تلك الانتخابات. كما قام الرئيس الصيني شي جين بينغ، بإرسال برقية تهنئة إلى الرئيس الأسد بمناسبة انتخابه قائلاً "إن الصين تدعم بقوة سوريا في حماية سيادتها الوطنية واستقلالها وسلامة أراضيها، وستقدّم كلّ ما تستطيع".

وبعد زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق، طرحت الصين مبادرة سياسية لتسوية الأزمة في سوريا، تتكوّن من أربعة بنود، من بينها احترام السيادة الوطنية، ووحدة الأراضي السورية، من خلال ترك الشعب السوري هو الذي يحدّد مصير بلاده وبشكل مستقل.

من جهة أخرى، تبدو الصين التي تواجه محاولات أميركية لاحتوائها، مهتمةً بالرد على تلك الخطوات الأميركية من خلال تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي على الدرجة نفسها في منطقة الشرق الأوسط، ومن البديهي أن تكون سوريا هي إحدى بوابات الصين إلى المنطقة، لا سيما بعد توقيع الحكومة السورية على انضمام سوريا إلى مشروع "الحزام والطريق" في كانون الثاني/يناير من عام 2022 والتي تعمل بكين من خلاله على توسيع نفوذها في المناطق النامية من خلال مشاريع البنية التحتية.

لقد دعمت الصين سوريا سياسياً وبشكل غير مسبوق في مجلس الأمن الدولي وغيره من المنظمات الدولية، فامتنعت مرات عديدة عن التصويت على قرارات مسيّسة تدين الحكومة السورية، واستخدمت حق النقض (الفيتو) إلى جانب روسيا التي تدعم سوريا أيضاً وبقوة، لمنع تمرير هذه القرارات.

كما شاركت الصين في منصة أستانة للمفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة، وفي أيلول/سبتمبر 2017، صنفت الحكومة السورية الصين إلى جانب روسيا وإيران، كحكومات صديقة ستُمنح الأولوية لمشاريع إعادة الإعمار.

بعد ذلك، أظهرت الصين اهتماماً تجارياً بسوريا، وحضرت أكثر من ألف شركة صينية المعرض التجاري الأول حول مشاريع إعادة الإعمار السورية في بكين، بينما تعهدت باستثمارات بقيمة ملياري دولار.

كما حضرت 200 شركة أخرى معرض دمشق التجاري الدولي عام 2018، وكانت هناك أيضاً استثمارات في قطاع السيارات السوري، كما وافقت الصين على إرسال مساعدات إلى سوريا بما في ذلك 150 ألف جرعة لقاح سينوفارم Covid-19.

كذلك تجلى الدعم الصيني لسوريا بعد زلزال 6 شباط/فبراير، عندما امتنعت الصين عن التصويت على قرار طالبت به الأمم المتحدة وغالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي بتمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا من دون إذن الحكومة السورية لمدة سنة على الأقل، وهو القرار الذي استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) لمنع صدوره وأيّدته 13 دولة.

أيضاً أعلنت الصين بعد الزلزال إرسال مساعدات بقيمة 5.9 ملايين دولار، وعمال إغاثة متخصصين في المناطق الحضرية وفرق طبية ومعدات طوارئ.

كما تدعم الصين جهود الحكومة السورية التي تسعى اليوم إلى الحصول على دعم الدول الحليفة لمرحلة إعادة الإعمار، في الوقت الذي تفرض فيه دول غربية عقوبات اقتصادية وحيدة الجانب تعد سبباً أساسياً للتدهور المستمر في اقتصاد سوريا.

لقد سعت الصين إلى استثمار التغيرات السياسية على الساحة الدبلوماسية السورية، التي تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عديدة على رأسها المملكة العربية السعودية وتونس والدول العربية قاطبةً باستثناء قطر والمغرب، وكذلك استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، ثم مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية في جدّة في أيار/مايو الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاماً.

ولقد تسارعت هذه التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية بعد إعلان الاتفاق السياسي والدبلوماسي بين السعودية وإيران الذي هندسته ورعته الصين، والذي أُعلن عنه في آذار/مارس الماضي وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران، وطي مرحلة الخلافات.

من جانب آخر، يبدو أن الطرفين الصيني والسوري لديهما مصلحة مشتركة في تعزيز التعاون، وتشمل هذه المصلحة تعزيز التضامن الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية لكي تحل محل علاقات البلدين التجارية الآخذة في التناقص (بالنسبة إلى الصين) والمتوقفة (بالنسبة إلى سوريا) مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء الغرب.

يضاف إلى ما سبق، سعي الحكومة السورية إلى الحصول على المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية، ومحاولة تأمين مصادر عدة للمساعدة في إعادة الإعمار. ومن جانبها، تسعى الصين لفتح أسواق جديدة لاستثماراتها من خلال الإقراض والاستثمار الصناعي والتكنولوجي، كما تسعى إلى تعزيز صورتها كميسر دبلوماسي في الشرق الأوسط كما هي الحال مع توسطها في المحادثات السعودية -الإيرانية.

في الختام، نتمنى أن تتمكن الصين من تقديم وعود اقتصادية فعلية للاستثمار في سوريا، وفي حال قررت الاستثمار في البنية السورية، فإننا نعتقد بأنها ستكون قادرة على التعامل مع كوارث البلاد التي سببتها الحرب وبسهولة، نظراً إلى المقدرات الاقتصادية السورية، والإمكانات التقنية الصينية الكبيرة.

وقد تكون استثمارات الصين في سوريا رابحة حتى في ظل حالة عدم استقرار الوضع السياسي في بعض مناطق سوريا.