مفارقات "معركة الطوفان": كيان مهزوم يفرض شروطه على المنتصر وسلطة تفتك بمناضليها

المتابع لتصريحات قيادة الاحتلال الصهيوني بشقيها السياسي والعسكري يدرك مدى حالة التخبط وعدم الاتزان التي ما زالت تخيم على صانع القرار الصهيوني.

  • غارة على قطاع غزة.
    غارة على قطاع غزة.

مفارقات عدة تفرزها كل يوم معركة الطوفان المجيدة، ولكن قد يكون أكثرها غرابةً وعبثيةً هو حديث المعسكر الصهيو-أميركي ومفاضلته بين الخلفاء المحتملين لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، في الوقت الذي تُدك حصون العدو الصهيوني وتعاني قواته الأمرين في المعارك البرية التي تخوضها ضد المقاومة الفلسطينية، والمفارقة الثانية التي لا تقل غرابة هي توحش قوات الأمن الفلسطيني في الملاحقة والاعتقال والتنكيل بالمناضلين الفلسطينيين في الضفة الغربية المنتفضة ضد آلة الدمار والبطش الصهيونية.

المتابع لتصريحات قيادة الاحتلال الصهيوني بشقيها السياسي والعسكري يدرك مدى حالة التخبط وعدم الاتزان التي ما زالت تخيم على صانع القرار الصهيوني، وأنه لم يستفق بعد من تداعيات السابع من تشرين الأول/أكتوبر المظفر، ويدرك أن من أكبر خطايا القيادة السياسية في الكيان الصهيوني الغاصب، والتي لا تُغتفر، أنها قيادة رعناء وغبية، ولا تتعلم من أخطائها، فهل يُعقل أن تجمح قيادة سياسية وعسكرية مهزومة بخيالها وتتحدث عن الخليفة المحتمل لحركة المقاومة الفلسطينية التي أذلّتها وكسرت شوكتها وأجهزت على ما تبقى لديها من "هيبة" مزيفة في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، فأعطبت قبتها الحديدية، واخترقت خطوط دفاعها الأكثر فاعلية في العالم، وقتلت ما لا يقل عن 1400 جندي، وحررت لبضعة أيام ما لا يقل عن 50 مغتصبة، وأسرت زهاء 250 صهيونياً، جلهم من الجنود في مختلف الرتب العسكرية.

وتبلغ المفارقة ذروتها في ظل استمرار حديث القيادة الصهيونية عن الخليفة المحتمل لحماس، وكأنها الطرف المنتصر في المعركة الذي يستطيع فرض شروطه وإملاءاته، في حين أن قواتها، وعلى مرأى من العالم أجمع، تعيش أهوال الجحيم في أتون الحرب البرية الشرسة وشديدة الوطيس، فبالرغم من تحفظ جيش الاحتلال على الإدلاء عن الرقم الحقيقي لجنوده الصرعى، فإن الإحصاءات تشير إلى أن الحد الأدنى من قتلى جنود جيش الاحتلال بلغ 350 جندياً، والرقم قابل للزيادة، وقرابة 700 مفقود، وخسائر كبيرة في الآليات العسكرية بلغت على أقل تقدير 64 دبابة وناقلة جنود، وفي مقدمتها فخر الصناعة العسكرية الصهيونية دبابة الميركافا وناقلة النمر.

وبعيداً من الغوص والبحث عن البعد السيكولوجي والمسوغات التي أحدثت مثل هذه المفارقة في معسكر الأعداء، يغلب الظن أنَّ التفسير الأكثر ترجيحاً لهذه المفارقة هو رعونة الكيان الصهيوني وغباؤه وعنجهيته وعدم تعلمه من أخطائه بالتزامن مع تداعيات تطبيعه مع الدول العربية العميلة، إذ اكتسب قادته من الأعراب الخيلاء والأحلام الوردية والانسلاخ عن الواقع. أليس كذلك؟!

وفي الجهة المقابلة، وحول المفارقة التي لا تقل عبثيةً عن سابقتها، يشهد العالم تخلي قوات الأمن الفلسطيني عن دورها في الدفاع عن الوطن وأبنائه. على النقيض من ذلك، تقوم بدور الدركي الذي يحمي مشروع المحتل الصهيوني، ويعمد إلى الملاحقة والتنكيل واعتقال الجماهير الفلسطينية المنتفضة في معركة الكرامة والعزة في وجه المحتل الصهيوني المستبيح لدمائنا وأراضينا ومقدساتنا، في وقت تعيش سلطة رام الله "خالية الدسم والشرعية" في وهمَين قاتلين، أولهما أنها ما زالت تعتقد أنها تمثل إرادة الشعب الفلسطيني، وثانيهما المقامرة على تأسيس دولة فلسطينية من خلال التفاوض والحلول السلمية.

ومع تكرار تواطؤها واستمرار تنسيقها الأمني مع قوات الاحتلال وإجهاضها أي مشروع تحرري فلسطيني وزجّها الآلاف من المناضلين الفلسطينيين في غياهب سجونها ومعتقلاتها، وفي ظل تعنتها وعدم رجوعها إلى ثوابت الشعب الفلسطيني وعدم رضوخها لإرادته الوطنية، يبدو أننا وصلنا إلى ضرورة ثورية لا بد من وضعها في مقدمة أولوياتنا، وإلى نقطة مفصلية لا يمكن في حال من الأحوال الانعطاف عنها أو تخطيها باستمرار التغاضي عنها، إذ بدا جلياً أن تحرير فلسطين، وللأسف، أصبح منوطاً بداية بتحرير رام الله من العصابة الصهيونية التي تحتلها، والتي تهين كل يوم كرامة الشعب الفلسطيني المناضل وتغتصب إرادته.

ختاماً، إن قرار الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948 في مقارعة العدو الصهيوني واستمرار نضاله ضده وصمود أبنائنا الأسطوري في غزة والتفافهم حول المقاومة الفلسطينية ومؤازرتهم وتأييدهم لها بأرواحهم وبكل ما يملكون يشي بحقيقة واحدة لا ثاني لها: أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بغير خيار المقاومة، ولن يقبل ببديل منها، وسيتفرغ يوماً لسلطة أوسلو العميلة، وسيقضي عليها حتى يتسنى له اجتثاث الكيان الصهيوني من كامل تراب أراضيه التاريخية.

أما فيما يخص أماني الحلف الصهيو-أميركي السوريالية والبعيدة كل البعد عن العقل والمنطق في فرض شروطه وإملاءاته، فنقول إن الأولى والأجدر بالمعسكر الغربي الإمبريالي أن يستفيق من أحلامه الوردية. 

وعوضاً عن البحث عن بديل لحركة المقاومة الفلسطينية المتجذرة في قطاع غزة والمدعومة من جميع مكوناته وأطيافه، عليه أن يشغل نفسه بالبحث عن بديل لإدارة نتنياهو التي لم تغدُ عبئاً على المعسكر الغربي فحسب، بل أضحت أيضاً خطراً حقيقياً يهدد وحدة الداخل الصهيوني ووحدة مؤسساته الأمنية والعسكرية.