مقتل "إسرائيل"... اقتصاديّ!

اليمين الإسرائيلي الحاكم بكلّ قادته وذبابه الإلكتروني في حالة صدمة غير مسبوقة منذ قيام الكيان، يلعق جراحه ويحاول جاهداً تركيز الجهد على طيّ الصفحة والهرب من مفاعيلها الكارثية.

  • أزمة
    أزمة "إسرائيل" اقتصاديّة أولاً.

بحكم صفعة "الهدهد" وتوابعها المُزلزلة، نجحت المقاومة في ضبط "إسرائيل" عارية مكشوفة تماماً، طوبوغرافياً وبالتالي أمنياً وعسكرياً ومجتمعياً، في عقر دارها، وجعلتها فريسة غبّ الطلب لأهل الحقّ والأرض والمستقبل. فضاع توازنها وتمّ تكبيلها أمام جدار مسدود.

اليمين الإسرائيلي الحاكم بكلّ قادته وذبابه الإلكتروني في حالة صدمة غير مسبوقة منذ قيام الكيان، يلعق جراحه ويحاول جاهداً، ومعه الإعلام الغربي ودبلوماسيّيه كافة، بمختلف أذرعتهم على مستوى البروباغندا والإعلام، تركيز الجهد على طيّ الصفحة والهرب من مفاعيلها الكارثية، من خلال رفع عتبة التهديد بحرب شاملة تتوسّع لتشمل لبنان ومعه الشرق الأوسط برمّته. 

أزمة "إسرائيل" اقتصاديّة أولاً

إلّا أنّ أزمة "إسرائيل" الوجودية الحقيقية لا يمكن اختصارها بهذه الكارثة المستجدّة. ذلك أنها تتفاعل عميقاً في مسطّح آخر يجري العمل على تغييب حقيقته ووقائعه الكارثية، ويتمثّل بوضعها الاقتصادي الملتهب والمتهافت، حيث يتفاقم انهيارها الواسع الذي يبدو عصيّاً على المعالجة، ولا سيما في حال إقدام نتنياهو على تثقيل حمله والمضي في هروبه الطائش إلى الأمام بتوسيع عدوانه وشنّ حرب جديدة إضافية واسعة على لبنان تحمل في طيّاتها بذرة حرب عالمية تنذر بأسوأ العواقب.

بالإضافة إلى الهزّة القاتلة التي أحدثتها عملية الهدهد داخل الدوائر العميقة لـ "الدولة"، يدرك القادة السياسيون والعسكريون والأمنيون قبل غيرهم التبعات الخطيرة على مفاصل اقتصادهم المترنّح، وما تستجرّه "حماقة" فتح الحكومة مواجهة إضافية واسعة في الشمال الفلسطيني، بينما الكيان غارق من دون آمال حقيقية في رمال غزة من جهة، ورازح بتثاقل من الجهة الثانية تحت وطأة عشرات ألوف الإسرائيليين الذين أجلتهم مشاغلة "حزب الله" عن مستوطناتهم وبيوتهم وأعمالهم المدمّرة في الشمال، وعطّلت بالتالي جزءاً أساسياً من مقوّمات البلد الاقتصادية المتوقّفة عن النمو والإنتاج. فالمواسم الزراعية ولا سيما في الشمال الفلسطيني كما في مناطق غلاف غزة، باتت في حالة "كوما"، وكذلك حال الشركات السياحية والاستثمارية، ومثلها الأنشطة الوظيفية التي لا غنى عنها في دوائر الدولة.

وفوق ذلك كشف تقرير صدر عن معهد الأبحاث "رايز إسرائيل" أنّ الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وهو المحرّك الأساسي للاقتصاد، انخفض 30% منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة. وهذا ليس مجرد خبر عابر، فهذا القطاع يعتمد أولاً على الاستثمار الأجنبي، وهذا يتضاءل بفعل قلق المستثمرين من حالة عدم الاستقرار الناتجة عن تصرّفات حكومة رئيس الوزراء بنيامين بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

أعباء مالية إضافية

البصمة العامّة لكلّ ذلك على اقتصاد "الدولة" تبدو كارثيّة بالمعنى الواقعي، ولا سيما أنّ الشمال يمثّل الركيزة الاقتصادية الأولى للكيان على مستويات الإنتاج الزراعي والمردودات السياحية. وبالإضافة إلى ضخامة الخسائر، تتحمّل مالية "الدولة" نفقات الإقامة في الفنادق للهاربين من المستوطنات، وفوقها تكاليف عمليات الدعم المالي للمواطنين التي تضطرّ الحكومة إلى تحمّل أعبائها الباهظة، وهي الرازحة أساساً تحت عجز مالي تتنامى أرقامه باطراد.  

وتأتي تقارير مكتب الإحصاء المركزي لتكشف أعباءً إضافية استجدّت على الحكومة في محاولاتها غير المُجدية لزيادة الإنفاق داخل السوق المحلية المترنّحة تحت تبعات الحرب في غزة والغليان في الضفة، وفوقهما الدمار والخسائر والتوترات في الشمال مع حزب الله، إضافة إلى ما تجد الحكومة نفسها مُلزمة بتوفيره من مبالغ هائلة لتلبية الجهد الحربي.

فقد سجّل الإنفاق العام ارتفاعاً بلغ 7.1% في الربع الأول الماضي من هذا العام، بعد ارتفاع غير مسبوق بنسبة 86% في الربع الأخير من العام المنصرم، مما يعود بشكل أساسي إلى أعباء الإنفاق الدفاعي الذي تعمل واشنطن على تلبيته.

أزمة "جيش" الاحتياط

بعد كلّ ذلك ومعه تأتي حقيقة عسكرية ـــــ اقتصادية ثقيلة تحرص الحكومة على إخفائها خلف دخان الحرب، وهي المتمثّلة في 465 ألف ضابط وجندي يشكّلون قوام قوات الاحتياط في "الجيش". فهؤلاء في غالبيتهم إما من الموظفين الرسميين في دوائر الإدارة ممن يجري استدعاؤهم إلى الخدمة العسكرية الإجبارية، وإما من أصحاب الأعمال والمستثمرين ممن يحرّكون عجلة الإنتاج. وبحسب صحيفة "غلوبز" الاقتصادية الإسرائيلية يضغط أصحاب الأعمال على جنود الاحتياط للعودة إلى العمل، بينما قيادة "الجيش" تُلزمهم بالقتال، الأمر الذي يضاعف حراجة أوضاع أسر المواطنين وأصحاب الأعمال على حدّ سواء. 

تحت هذه الظروف المتعسّرة يضطرّ جنود الاحتياط إلى تقسيم ما تبقّى لهم من أعمار بين خدمة عسكرية إجبارية لا يجدون منها فكاكاً من جهة، وأعمال الإدارات والمؤسسات العامة أو أنشطة الاستثمار في الشركات والمؤسسات الخاصة، من الجهة المقابلة.

في هذا السياق تنتبه صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى ارتفاع عتبة الإنفاق الحكومي والاقتراض في "إسرائيل" بشكل استثنائي، بينما تنخفض عائدات الضرائب ومُدخلات التصدير في جميع القطاعات، ما يهدّد بانحدار التصنيف الائتماني لـ "إسرائيل".  

كذلك تتداعى أنشطة الإنتاج في حقول الغاز الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط التي ما عادت تعمل بأكثر من جزء ضئيل من طاقتها. هذا في حين يدرك الجميع أنّ حزب الله بات قادراً على تحييد منظومة الكهرباء الإسرائيلية بالكامل، بما يعني شلّ الصناعة عموماً وإغراق الكيان في ظلام دامس.

وسط هذه الأزمة يعلن بنك "إسرائيل"، (المتحفّظ على الإنفاق الحكومي الواسع)، تشاؤمه المتصاعد بخصوص وضع "الدولة" الاقتصادي والمالي، بينما تبزّه تشاؤماً توقّعات صندوق النقد الدولي الصادرة في نيسان/أبريل الماضي، بشهادة ما نقلته "رويترز" عن حاكم البنك المركزي الإسرائيلي أمير يارون الذي لا يتوقّف عن التحذير من زيادة الإنفاق، في حين تحذّر واشنطن بوست إياها من "تصاعد تكلفة الحرب على اقتصاد إسرائيل".

أما القناة الـ 13 العبرية فتتفرّغ لنكئ جراح رئيس حكومة الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو، فتنشر مقطع فيديو يستهزئ به، مُعيدة إلى الذاكرة كلّ تصريحاته التي كان يطلقها قبل أيّ عملية عسكرية على قطاع غزة، والتي انتهت بالفشل.

وإذ تعترف قناة "الحرّة" بأنه وسط التداعيات الصعبة لنفقات حرب غزة "الأعلى تكلفة في تاريخ البلاد"، فإنّ أيّ تصعيد مع حزب الله سيشكّل "عبئاً إضافياً" على اقتصاد "إسرائيل". ومن هنا ينتهي الكاتبان شاي اغمون ونافو شبيغل في مقالة مشتركة في هآرتس أنه "ليس من الحكمة أن تشنّ إسرائيل حرباً على حزب الله في الأوضاع الحالية". وهذا استنتاج منطقي تماماً بالنظر إلى ما أنتجته صفعة "الهدهد" وتوابعها من حقائق شديدة الإيلام.