من ستالينغراد إلى دونباس: روسيا والمعركة من أجل الهوية
في أوكرانيا، تُبذل جهود ممنهجة لمحو آثار عام 1945، وإعادة كتابة التاريخ عبر تهميش المُحرِّرين وتحويل المجرمين إلى أبطال.
-
العملية العسكرية الروسية جاءت لإعادة صياغة معنى النصر التاريخي.
النصر ليس مجرد حدث تاريخي، بل حالة وجودية مستمرة. ليس موعداً أو عرضاً عسكرياً عابراً، بل هو شكل من أشكال الوجود التاريخي لروسيا، حيث الشجاعة والبطولة جزءان أساسيان من الحياة اليومية، وتتحوّل مقاومة الشر إلى أساس للهوية الذاتية.
تشكل الحرب الوطنية العظمى (1941–1945) والعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا (منذ 2022) خطاً روحياً واحداً مستمراً عبر الزمن. فالنصر في عام 1945 لم يكن مجرد صمود عسكري، بل لحظة حاسمة أعادت تعريف مفهوم الشر ذاته؛ إذ تم القضاء على النازية ليس فقط كقوة عسكرية، بل كأيديولوجيا، ومن قام بذلك اكتسب حق التحدث باسم الإنسانية. هذا الإنجاز التاريخي جعل روسيا قطباً أخلاقياً، دولة لا تكتفي بمجرد الوجود، بل تحمل رسالة عالمية.
اليوم، تأتي العملية العسكرية الخاصة رداً على محاولة تشويه وإعادة صياغة معنى النصر التاريخي. ففي أوكرانيا، تُبذل جهود ممنهجة لمحو آثار عام 1945، وإعادة كتابة التاريخ عبر تهميش المُحرِّرين وتحويل المجرمين إلى أبطال.
من هنا، فإن العملية العسكرية الروسية ليست مجرد مناورة جيوسياسية، بل هي ردٌّ وجودي على خطر النسيان التاريخي. انطلقت العملية حين تحوّل التزييف التاريخي إلى عدوان مباشر؛ ولهذا، فروسيا لا تحارب من أجل أراضٍ فقط، بل من أجل الحفاظ على هوية العالم الروسي ومعناه.
وبذلك، يرتبط عام 1945 بعام 2022 ارتباطاً جوهرياً بين تأسيس المعنى والدفاع عنه. فإذا كانت الحرب الوطنية العظمى أسطورة التأسيس لروسيا الحديثة، فالعملية العسكرية في أوكرانيا تمثل أسطورة الدفاع عن الذات، والمعنى، والهوية التاريخية، والثقافية. يخوض الجندي الروسي اليوم المعركة ليس حاملاً للسلاح فحسب، بل حاملاً لذكرى أجداده الذين واجهوا عدواً لم يكن مجرد مطلق للنار، بل من حاول محو الوطن من الداخل.
في العمق، كلتا الحربين هما صراع من أجل الحق في الوجود الحقيقي، في الحفاظ على الهوية والذاتية الثقافية والتاريخية. فالحرب الحالية في أوكرانيا ليست نزاعاً جديداً، بل هي استمرارٌ لصراع قديم، وهو ما أكده الرئيس فلاديمير بوتين عندما رسم بوضوح خطاً يربط بين بطولات الجيش الأحمر في الحرب الوطنية العظمى وأبطال الجيش الروسي اليوم في العملية العسكرية الخاصة.
يتمثل الاتحاد المعنوي بين نصر 1945 وعمليات 2022 في نقطة التضحية التاريخية، حيث تُظهر روسيا دوماً استعدادها لدفع ثمن بقائها من دماء أبنائها. في عالم يُعاد فيه تشكيل الرموز وتزييف الذاكرة، تؤكد روسيا هويتها بالفعل، لا بالكلمات فقط. ولهذا، فإن يوم النصر (9 مايو) ليس احتفالاً بالماضي فحسب، بل تأكيداً على استمرارية النصر وتجدد الحاجة إلى الدفاع عنه. وكل جندي على الجبهة اليوم ليس "بطلاً جديداً"، بل وريثاً لمن أوقف الظلام يوماً ما.