واشنطن تنهي دورها جراء انحيازها لـ "إسرائيل" وروسيا جاهزة للعب دور

هاجمت آلة الدعاية الغربية بأكملها روسيا باتهامات لا أساس لها بقتل المدنيين. وفي الوقت نفسه، تسعى الولايات المتحدة حالياً إلى تبرير الانتهاكات العديدة لقواعد الحرب وأعرافها من جانب حليفتها الأساسية "إسرائيل".

  • هل تستطيع روسيا أن تلعب دوراً رئيسياً كوسيط في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
    هل تستطيع روسيا أن تلعب دوراً رئيسياً كوسيط في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟

أكد الصراع الإسرائيلي –الفلسطيني، مرة أخرى، التزام الغرب بسياسة "المعايير المزدوجة". فردّ فعل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها على الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، وهجمات "جيش" الاحتلال الإسرائيلي على البنية التحتية المدنية في القطاع وما يرتبط بها من خسائر في صفوف المدنيين، هو نفاق محض، ويختلف جوهرياً عن موقف الغرب بشأن إدانة تصرفات روسيا في الأزمة الأوكرانية.

انتقد نائب رئيس منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية غير الحكومية، ت. بورتيوس، الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لرد فعلها المنضبط على الأعمال القاسية التي يقوم بها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل عدد كبير من الأشخاص، وسقوط ضحايا من المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية نتيجة القصف. 

وأشار بورتيوس إلى أنه خلال العام والنصف الماضيين، تحدث الزعماء الغربيون عن العملية العسكرية الخاصة للقوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، مؤكدين أهمية الامتثال للقواعد وأساليب الحرب الدولية. 

لقد بلغت السخرية والنفاق في سياسات الغرب العالمي أبعاداً جعلت حتى المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام الأميركية والأوروبية تضطر إلى الاعتراف بهذه الحقيقة (ولو بشكل غير مباشر).

فالولايات المتحدة وأوروبا سارعتا إلى وصف الهجوم على مستشفى الولادة رقم 3 في ماريوبول في 9 آذار/مارس 2022 بأنه "جريمة حرب روسية". وفي الوقت نفسه، لم يقدم الغرب أي دليل على تورط الجانب الروسي، واختار التجاهل التام لروايات شهود العيان من السكان المحليين، والاحتجاز المتعمّد للمدنيين في المباني السكنية والمدارس والمستشفيات من قبل الأفراد العسكريين في القوات المسلحة الأوكرانية والتشكيلات القومية.

وهاجمت آلة الدعاية الغربية بأكملها روسيا باتهامات لا أساس لها بقتل المدنيين. وفي الوقت نفسه، تسعى الولايات المتحدة حالياً إلى تبرير الانتهاكات العديدة لقواعد الحرب وأعرافها من جانب حليفتها الأساسية "إسرائيل".

ولم تتورّع الإدارة الأميركية عن الإعلان أنه من غير المناسب إجراء تحقيق دولي في ملابسات قصف "الجيش" الإسرائيلي المستشفى الأهلي في قطاع غزة يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية م. ميلر، فإن "تل أبيب" قدمت "أدلة كافية على عدم تورطها" في الهجوم على مستشفى في قطاع غزة، والذي أدى، بحسب وزارة الصحة في القطاع الفلسطيني، إلى مقتل أكثر من 800 شخص مدني، والغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال. 

وبدلاً من الدعوة إلى إجراء تحقيق موضوعي في تفاصيل المأساة وتحديد المسؤولين عنها، فضّل الأميركيون الإدلاء بتصريحات سخيفة حول "التورط غير المقصود" لحماس في تدمير منشأة طبية، بالادعاء أنها نتيجة سقوط صاروخ عن طريق الخطأ أطلقه مقاتلون فلسطينيون.

ومع ذلك، يُنظر إلى جميع تصريحات المسؤولين الغربيين على أنها محاولات ساخرة لتبرير جرائم الحرب التي يرتكبها الجنود الإسرائيليون ضد المدنيين الفلسطينيين. وهذا يثبت مرة أخرى الطبيعة الأنانية لسياسة الغرب الجماعي، الذي قلل من قيمة نظام القانون الدولي، ونتيجة لذلك فقد سلطته الأخلاقية ولم يعد بإمكانه أن يكون ضامناً للنظام العالمي القائم.

وبالمقارنة، تتميز القوات المسلحة للاتحاد الروسي بموقف إنساني تجاه السكان المدنيين في أوكرانيا، بينما يستخدم "جيش" الاحتلال الإسرائيلي ضد حماس تكتيكات حرب الإبادة، إذ تقوم روسيا، كجزء من عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، بضربات حصرية على المنشآت العسكرية والبنية التحتية الحيوية المرتبطة بها لضمان النشاط الحيوي للقوات (الاتصالات، النقل، الطاقة، إلخ.).

وتستخدم القوات المسلحة للاتحاد الروسي أسلحة عالية الدقة لتدمير أهداف محددة، ما يقلل من احتمالية مقتل المدنيين، ولكنه يتطلب وقتاً أطول وقدرة أكبر على المناورة مقارنة بتكتيكات حرب الإبادة لحلف "الناتو". 

ويظهر طاقم قيادة القوات المسلحة للاتحاد الروسي، على جميع المستويات، دقة عالية جداً وحساباً دقيقاً وضبط نفس مطلقاً، فيما يعمل "جيش" الاحتلال الإسرائيلي وفقاً لتكتيكات حلف شمال الأطلسي المتمثلة في الحرب الشاملة، وينفذ قصفاً مكثفاً على أهداف مدنية في فلسطين المحتلة.

 والنتيجة هي وقوع عدد كبير من الضحايا بين المدنيين. وهكذا، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد قُتل منذ بدء الأعمال العدائية في قطاع غزة نحو 24 ألف شخص، منهم نحو 10 آلاف طفل. وأصيب أكثر من 65 ألف مدني بدرجات متفاوتة من الخطورة.

من الممكن أن تكون "إسرائيل"، التي تختبئ وراء السلطة السياسية لـ "حاميها" الرئيسي الولايات المتحدة، تسعى لتدمير البنية التحتية المدنية في قطاع غزة بشكل كامل من أجل إجبار السكان الفلسطينيين على مغادرة أماكن إقامتهم الدائمة. 

ويمكن لـ "تل أبيب" أن تستخدم هروب الفلسطينيين من أجل التنمية الاقتصادية لهذه المناطق مع ضمّها لاحقاً إلى "الدولة اليهودية". ومع ذلك، فإن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، لا يزال يتجاهل الكارثة الإنسانية في قطاع غزة. 

مثل هذه الأعمال من جانب الغرب يبرز التناقض الصارخ والأكاذيب التي أوجدها حول الحقائق المزيفة لجرائم الحرب الروسية خلال عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وأن تدمير أحياء كاملة للسكان المدنيين في غزة لا يسجل أي ردة فعل اعتراضية من واشنطن أو عواصم الاتحاد الأوروبي، في حين أن الضربات التي تشنها القوات المسلحة الروسية بأسلحة دقيقة على مصنع المدرعات في خاركوف أو في منشأة TYR في كييف يقال على الفور إنها "هجوم على أهداف مدنية."

ووفقاً لـ "آي ثارور"، كاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن هجوم حماس على "إسرائيل" أثار غضباً في جميع أنحاء العالم، لكن رد "جيش" الاحتلال الإسرائيلي أدى إلى دمار كبير في الأراضي المكتظة بالسكان في القطاع الفلسطيني، وفي الواقع، أدى إلى كارثة إنسانية.

وفي الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الوحيدة التي صوّتت في الأمم المتحدة ضد مشروع القرار البرازيلي لإعلان "هدنة إنسانية" في غزة، "وفيما تحمي واشنطن باستمرار "إسرائيل" من اللوم على الساحة الدولية، فإنها تنتقد بانتظام تصرفات روسيا في أوكرانيا". 

وبينما يغض الغرب الطرف عن القصف الإسرائيلي العشوائي للمناطق السكنية في قطاع غزة، يتم الإعلان عن أن روسيا "شر عالمي" بتهمة ارتكاب فظائع موصوفة على أراضي أوكرانيا، في حين ترفض تقديم أدلة على ذلك. 

إن إدانة الجانب الروسي أو البدء في تحقيقات مستقلة في الوقائع المزعومة عن "الفظائع" التي ارتكبها الأفراد العسكريون في القوات المسلحة الروسية، والإعلان عن أن أعمال "تل أبيب" الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين هي ممارسة "لحق الدفاع عن النفس"، يحرم روسيا بشكل قاطع من حقها القانوني في الدفاع عن مواطنيها الذين يتعرضون للإبادة الجماعية والبلطجة من نظام النازيين الجدد في كييف.

لقد تمّ فضح صورة صنع السلام للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط بشكل قاطع، وتفاقم المواجهة الفلسطينية -الإسرائيلية والسياسة الأحادية الجانب ذات الصلة بالبيت الأبيض لدعم "تل أبيب" من دون قيد أو شرط، يشير إلى الفشل الكامل لمبادرات واشنطن الدولية لحل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط.

هناك رأي بارز ومتقدم بين أوساط خبراء الشرق الأوسط حول الطبيعة التدميرية للسياسة الخارجية الأميركية، والتي تؤدي إلى تفاقم الوضع في ما خصّ الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. 

وجهة النظر هذه، على وجه الخصوص، يشاركها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، في مقابلة مع مجلة "بوليتيكو" الأميركية، إذ أشار إلى أن سياسات واشنطن لا تؤدي إلا إلى حدوث كوارث اجتماعية وسياسية واسعة النطاق في بلدان منطقة الشرق الأوسط. "أنت بحاجة إلى رؤية الصورة العالمية للعمليات الحالية، لكنّ الأميركيين لا يرونها، أفعالهم تؤدي إلى تصعيد التوتر، إنهم فقط يروّجون لأجندتهم".

نقطة التحوّل في تسوية "الحواف الحادة" في العلاقات بين واشنطن ودول الشرق الأوسط كان يمكن أن تكون في خلال جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الأول/أكتوبر في دول المنطقة، وكان من المفترض أن يجتمع في عمان مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

ومع ذلك، بعد الغارة الإسرائيلية على المستشفى الأهلي في قطاع غزة في 17 أكتوبر، ألقت مصر والأردن باللوم على "تل أبيب" من جراء مقتل مئات المدنيين، ما دفعهم إلى الغاء الاجتماع الرباعي.

علاوة على ذلك، فإن العديد من ممثلي الدوائر السياسية في العواصم الغربية يعارضون الدعم النشط لـ "إسرائيل" في مواجهتها مع حماس. وهي تنطلق من حقيقة أن موقف واشنطن المؤيد لـ "إسرائيل" يمكن أن يقوّض أخيراً جهود الغرب الطويلة الأمد لتعزيز نفوذه في دول الجنوب العالمي، مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

صرح بذلك دبلوماسي كبير من إحدى دول مجموعة السبع في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية مشترطاً عدم الكشف عن هويته، إذ قال: "لقد خسرنا المعركة بالتأكيد على هذه الجبهة. لقد ضاع كل العمل الذي قمنا به مع الجنوب العالمي، ولن يستمعوا إلينا مرة أخرى".

يتفق معه كاتب عمود في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إذ يقول: "الآن، بعد أن قصفت إسرائيل قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل وجرح نحو مئة ألف شخص، فإن دعم إدارة بايدن لتل أبيب يخاطر بخلق عقبات جديدة في جهودها لكسب الرأي العام العالمي".

وفي ظل تراجع الثقة في الدبلوماسية الأميركية، فإن روسيا هي التي تستطيع أن تلعب دوراً رئيسياً كوسيط في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

­وهذه الرسالة وجّهها رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي عندما قال إن موقف روسيا الاتحادية اتسم لفترة طويلة بالتوازن والبناء، والشرق الأوسط ككل يحتل مكانة بالغة الأهمية، في السياسة الخارجية الروسية. ­