واشنطن في "الحفرة" ونتنياهو يواصل الحفر

الإدارة الأميركية تروّج لبضاعة غير قابلة للتسويق، وهي تدرك أن نتنياهو يريد إطالة الحرب من دون أسباب موجبة.

  • رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو (أرشيف).
    رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو (أرشيف).

لا تزال واشنطن تحاول "شراء الوقت" لـ "إسرائيل" كي تحقّق صورة "انتصار" تخرجها من دوامة التصعيد الدموية في غزة، وتحاول حماية خاصرتها الرخوة في الشمال من خلال الضغط لمنع اشتعال الجبهة مع حزب الله. 

لكنها تبدو في ورطة في عام الانتخابات الرئاسية، فمن جهة حكومة اليمين المتطرفة تستغلّ هذا الاستحقاق على نحو واضح، ونتنياهو المكروه في البيت الأبيض يواصل ابتزاز إدارة الرئيس بايدن التي اندفعت على نحو أعمى في دعم حرب لا أفق للانتصار فيها، فيما يبقى خطر توسّع الحرب والانتقال إلى المواجهة الشاملة قائماً. 

واليوم تجد واشنطن نفسها في حفرة وإلى جانبها حكومة "إسرائيلية" يمينية تواصل الحفر! فهل نشهد قريباً "طوفان الشمال"؟

إذا كانت التقديرات الاستخباراتية الأميركية تشير إلى أنّ حزب الله غير معنيّ بحرب إقليمية، إلّا أنّ تواتر الأحداث وخطورتها يقلّل هامش المناورة لدى جميع الأطراف، ولم يعد مؤكداً بالنسبة لواشنطن أنّ الاستمرار بالضغط على "كابينيت" الحرب للحدّ من التصعيد مجدياً، بعدما لمس وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في زيارته الأخيرة إلى "تل أبيب" ارتفاع منسوب التوتر لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي لا يملك أيّ تصوّر حول "اليوم التالي" في غزة، فيما يحاول المناورة بالنسبة إلى "اليوم التالي" على الجبهة الشمالية من خلال تقديم إجابات مبهمة حيال نقاط جوهرية تتعلّق بالحدود البرية مع لبنان، وحول "الثمن" المستعدة "إسرائيل" لدفعه في مقابل الحصول على ترتيبات أمنية مرضية مع حزب الله تعيد سكان المستوطنات إلى مستوطناتهم. 

ولهذا جاء النعي المسبق لجولة مستشار شؤون الطاقة للرئيس بايدن آموس هوكستاين إلى بيروت حيث وصفت مصادر دبلوماسية حراكه بأنه كالسير في "حقل ألغام"، كونه يحمل أفكاراً للتداول وليس للاتفاق، ويحاول مجدّداً الحصول على أجوبة من الجانب اللبناني، لن تمنح له قبل وقف العدوان على غزة، فيما المطلوب أجوبة من الجانب الإسرائيلي.

ولهذا عندما تكون المنطقة متوترة جداً، والأفق السياسي شبه مسدود، وتحدث كلّ بضع ساعات حادثة شديدة الخطورة، فلا يقين عند الأميركيين بألّا تنتهي بمواجهة شاملة، ولهذا تتواضع أهداف هوكستاين من الحديث عن تسوية شاملة إلى مجرّد ضبط لإيقاع المواجهات، لأنّ النقاشات بشأن تثبيت ترسيم الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان مؤجّل إلى ما بعد وقف الحرب على غزة.

هذا الترسيم المفترض يؤشّر أصلاً على هزيمة إسرائيلية جديدة مع لبنان، وهو بمثابة "فخ" حذّرت منه صحيفة "إسرائيل اليوم" التي أشارت إلى أنّ "حسن نصر الله كان وسيبقى فناناً عظيماً في إدارة الصراع والقتال حتى النهاية، وهو يركّز أساساً على ضربة معنويةلدولة إسرائيل، وإهانة كرامتها، وفي هذا السياق، يسعى هذه الأيام، لاتفاق حدودي يستعيد من خلاله مزارع شبعا، أما الوسيط الأميركي آموس هوكستاين الذي يسعى لتسوية نقاط الخلاف، فيبدو بعيداً عن فهم آلية الابتزاز". 

وتضيف الصحيفة "فـإسرائيل مطالبة بتنازل عن أشياء حقيقية ودائمة، مناطق إقليمية، مقابل إنجازات سائلة عديمة القيمة، مثل الاتفاقات السياسية، أو إبعاد مؤقت لحزب الله عن خط الحدود. وما يحصل اليوم يشبه التوقّعات الإسرائيلية العابثة قبيل الانسحاب من لبنان في أيار/مايو 2000، بفرضية كاذبة تقول إن حزب الله سيضع سلاحه مع الانسحاب من كلّ أراضي لبنان، ومنذ ذلك الوقت وتهديدات الحزب تتعاظم".

في الخلاصة، الإدارة الأميركية تروّج لبضاعة غير قابلة للتسويق، وهي تدرك أن نتنياهو يريد إطالة الحرب من دون أسباب موجبة، ويعمل على التصعيد مع حزب الله لاعتبارات سياسية تتعلّق ببقاء ائتلافه وبقائه الشخصي. فإدارة بايدن لا تثق بنتنياهو ولا تعتبره حليفاً، وتندهش مما تعتقد أنه نكران فظ للجميل من جانبه، وتشكّك بدوافعه، وهي على قناعة بأن هدفه هو المواجهة الإقليمية.

لكن وعلى الرغم من نكران الجميل ورغم استخفافه وإفشاله لأيّ فكرة أميركية، فإنّ الإدارة الضعيفة المتخبّطة في عام انتخابي مضطرب، ستستمرّ في دعم "إسرائيل" وهذا يهدّد جدياً بـ"طوفان" هائل في الشمال وقد يكون "طوفان الأقصى" أمامه مجرد نزهة.

 وللدلالة على ذلك، لا بدّ من اقتباس ما كتبه الجنرال "الإسرائيلي" المتقاعد إسحاق بريك الذي يسمّونه في "إسرائيل" نبي الشؤم، حين جدّد  قناعته بأنّ حزب الله قادر على اختراق الحدود الشمالية في أيّ حرب محتملة، وقال إنّ "الجيش الإسرائيليّ يقول لجنوده عند الحدود اللبنانية إنّه يوجد خطر حقيقيّ لهجوم بريّ ينفّذه آلاف من مقاتلي الحزب، وغايتهم الاستراتيجيّة السيطرة على مواقع عسكرية ومستوطنات محاذية للحدود، ومع ذلك، فإنّ الجيش الإسرائيليّ لم يفعل الحدّ الأدنى الأساسي من أجل إحباط هذه الإمكانية، ولا يوجد لدينا اليوم عند الحدود ما يمنع حصول هذا السيناريو"!.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.