يوم النصر العظيم

يوم النصر في الحرب الوطنية العظمى ليس مجرد حقبة تاريخية وتذكير بالثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوفياتي من أجل تحقيق السلام والتقدّم الاجتماعي، وإنما هو أيضاً بمثابة تحذير للبشرية جمعاء بعدم خوض حرب عالمية جديدة.

  • مراسم ترسيم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد الحكم.
    مراسم ترسيم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد الحكم.

(ليس للزمن سلطان على عظمة كلّ ما مررنا به خلال الحرب... والشعب الذي اجتاز المحن والشدائد، سيظل يستمدّ قوته من هذا النصر). هذا ما قاله واحد من أعظم القادة العسكريين في القرن العشرين المارشال غيورغي جوكوف، بعد الانتصار العظيم الذي حقّقه الجيش الأحمر والحلفاء في حرب دفع ثمنها باهظاً الشعب السوفياتي فقط بما يزيد عن 27 مليون شهيد.

تحتفل روسيا الاتحادية هذا العام بالذكرى الـ 79 بالنصر على النازية والفاشية، التي رفعت الراية البيضاء معلنة الاستسلام بعد معركة دموية بين قوى الخير وقوى الشر، دامت أكثر من 4 سنوات، حينها اعتقد العالم واهماً بأنّ هذه الآفة هلكت ولن تقوم لها قائمة، وأن البشرية أدركت أن مثل هذه الحروب ذهبت من غير رجعة. 

غير أن العالم كان على موعد مع عودة النازية الجديدة، وأن تتحمّل روسيا على عاتقها خوض معركتها مجدداً ومواجهة النازيين ومن يقف خلفهم، وتفكيك واحدة من أخطر أذرع الغرب والتي شكّلت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، السلاح الأشد فتكاً لتدمير الدول وتفكيك الشعوب.

هناك حقيقة قليل من العامة يعرفونها وهي أنه تمّ التوقيع على الوثيقة التي تؤكّد الهزيمة الكاملة لألمانيا في الحرب العالمية الثانية مرتين.

التوقيع الأول على وثيقة الاستسلام جرى في 7 أيار/مايو في مدينة ريمس، وحمل توقيع الفريق الأميركي والتر سميث واللواء السوفياتي إيفان سوسلوباروف، بحضور شاهد على هذه الحادثة التاريخية وهو العميد الفرنسي فرانسوا سيفيز.

بحلول ذلك الوقت، لم يكن سوسلوباروف قد تلقّى أوامر واضحة من رؤسائه، لذلك تمّ التوقيع على الوثيقة مع إمكانية تكرار الإجراء إذا طلبت الدول الحليفة ذلك. ونصت الوثيقة على اعتراف ألمانيا بشكل نهائي بأنها الجانب الخاسر، كذلك نص البروتوكول على أن الوثيقة لا تعتبر اتفاقاً شاملاً بشأن استسلام ألمانيا وقواتها المسلحة.

الاتحاد السوفياتي طالب في ذلك الوقت بالتوقيع على المحضر الثاني للاستسلام غير المشروط لألمانيا ـــــ وهذا كان الشرط الوحيد لإنهاء الحرب. إضافة إلى ذلك، لم يكن جوزيف ستالين سعيداً حيال توقيع الوثيقة الأولى في فرنسا، وليس في عاصمة ألمانيا المهزومة، كما أن القوات الألمانية لم تستوفِ الشروط المطلوبة، في إشارة إلى إنها لم توقف القتال.

وبالفعل فقد تمّ التوقيع على الوثيقة الثانية لاستسلام ألمانيا غير المشروط في مدينة كارلهورست الألمانية في الـ 8 من أيار/مايو، حيث قبل المارشال غيورغي جوكوف استسلام النازيين. 

ولهذا تحتفل بعض البلدان بيوم النصر في الثامن من شهر أيار/مايو، أما روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق وبعض الدول الأخرى فتحتفل في التاسع من شهر أيار/مايو من كل عام. 

بعد التوقيع على الاستسلام، تمّ حلّ الحكومة الألمانية، وألقت القوات الألمانية أسلحتها بشكل نهائي. علاوة على ذلك، لم تنتهِ الحرب مع ألمانيا من الناحية القانونية إلا في 25 كانون الثاني/يناير 1955، في تنويه إلى أن أسرى الحرب الألمان حتى ذلك الحين قدّموا المساعدة في إعادة بناء مدن روسيا المدمّرة.

لماذا العرض العسكري؟

في 9 أيار/مايو من كل عام، يقام عرض عسكري مهيب احتفاءً بالنصر في الساحة الحمراء. في بداية العرض يجوب وزير الدفاع الروسي على متن سيارة خاصة مهنئاً بعيد النصر جميع الأفراد والضباط المشاركين في العرض من مختلف فئات الجيش والأسطول الروسي. وبعد ذلك يقدّم تقريره للقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، رئيس البلاد، الذي يلقي كلمة يهنّئ فيها الشعب الروسي برمّته، وخاصة المحاربين القدامى.

بعد ذلك تسير أرتال القوات المشاركة من مختلف اختصاصات الجيش من الأفراد وطلاب الضباط، بما في ذلك السرايا النسائية، أمام المنصة الرئيسية التي تضم مجموعة من المحاربين القدامى والضيوف الأجانب وكبار المسؤولين في روسيا الاتحادية، وفي طليعتهم الرئيس فلاديمير بوتين.

من ثم تسير المدرّعات بقيادة الدبابة التي شاركت في الحرب الوطنية العظمى، وتليها مجموعة متنوّعة من مختلف أنواع العربات والمركبات والصواريخ والمعدات العسكرية المتطورة، ويختم العرضَ العسكري تحليقٌ لطائرات القوات الجوية والفضائية. 

في يوم النصر، الـ 9 من أيار/مايو 1967، افتتح ليونيد بريجنيف ضريح الجندي المجهول في حديقة ألكسندر بالقرب من جدار الكرملين، ووضع عليه لأول مرة أكاليل الزهور. هذا التقليد موجود حتى يومنا هذا، إذ يقوم رئيس روسيا، إلى جانب المحاربين القدامى وكبار الضيوف المشاركين في العرض، على سبيل المثال، القادة الأجانب، بوضع الزهور على وقع أنغام الموسيقى العسكرية.

إن يوم النصر في الحرب الوطنية العظمى ليس مجرد حقبة تاريخية وتذكير بالثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوفياتي من أجل تحقيق السلام والتقدّم الاجتماعي، وإنما هو أيضاً بمثابة تحذير للبشرية جمعاء بعدم خوض حرب عالمية جديدة قد تصبح الأخيرة.

إن الهدف من العرض العسكري هو الحفاظ على ذكرى إنجاز الشعب الذي ضمن السلام والحرية والاستقلال بوحدته وتماسكه وعمله الجاد وتفانيه وحبه العميق للوطن الأم. وبالتالي فإن يوم النصر هو يوم يوحّد الأجيال.