اتفاق حماس-واشنطن.. نحو صفقة أوسع؟
سلكت واشنطن طريقاً مشهوراً في علم التفاوض، يطلق عليها بالطريق المختصر، متجاوزة حكومة نتنياهو، ومثل هذا الاتفاق شكّل زلزالاً سياسياً كشف عن حالة عجز إسرائيلي استراتيجي غير مسبوق.
-
التطوّر اللافت في العلاقة بين حماس وواشنطن يمثّل تحوّلاً نوعياً واستراتيجياً.
إبرام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاقاً مباشراً وغير مسبوق مع حركة حماس للإفراج عن الأسير أميركي الجنسية عيدان ألسكندر متجاوزة حكومة نتنياهو بشكل كامل شكّل صفعة سياسية مدوّية لنتنياهو الذي لطالما روّج لقدرته على احتكار قنوات الاتصال والتأثير في مواقف الإدارة الأميركية والقوى الدولية، وهذا دليل واضح وصريح على بداية تأكّل مكانة ودور "إسرائيل" في المعادلة الإقليمية وحتى لدى أقرب حلفائها الولايات المتحدة الأميركية.
هذا التطوّر اللافت في العلاقة بين حماس وواشنطن يمثّل تحوّلاً نوعياً واستراتيجياً في طريقة تعامل واشنطن مع حماس كطرف مؤثّر وأساسي في الحرب الدائرة في قطاع غزة، وعلى الزاوية الأخرى من الصورة يعدّ إنجازاً محسوباً للرئيس ترامب الذي يختصر لزيارة المنطقة، وفشلاً ذريعاً لنتنياهو الذي ما زال يتهرّب في المضي قدماً لإبرام صفقة تبادل شاملة للأسرى حفاظاً على عدم سقوط ائتلافه ومستقبله السياسي.
أميركا سلكت طريقاً مشهوراً في علم التفاوض، يطلق عليها بالطريق المختصر، متجاوزة حكومة نتنياهو بعد إدراكها حال التلاعب بمصير الأسرى، ومثل هذا الاتفاق شكّل زلزالاً سياسياً كشف عن حالة عجز إسرائيلي استراتيجي غير مسبوق في ملف الأسرى لدى حماس، وفتح الباب أمام معادلات جديدة في المنطقة قد تقلب الموازين في أيّ لحظة.
ما يزيد من خطورة وتأثير هذا الاتفاق والتطوّر في العلاقة المباشرة بين حماس وواشنطن أنه جرى بغياب واضح لدور حكومة نتنياهو التي تلاعبت مراراً وتكراراً بملف الأسرى لاعتبارات سياسية مكشوفة، وهذا ما أكده الصحافي الإسرائيلي البارز باراك رافيد الذي صرّح قائلاً: "إسرائيل لم تكن على علم بهذه المحادثات أصلاً"، ما دفع الإعلام الإسرائيلي والقنوات الإخبارية تحديداً إلى وصف الحدث بالزلزال في وجه نتنياهو، وأنّ ما جرى شكّل صفعة من العيار الثقيل تلقّاها نتنياهو، وأنّ هذه الخطوة منحت حركة حماس انتصاراً سياسياً معنوياً لا مثيل له منذ بداية الحرب بل وغير مسبوق، وعلّقت القناة 12 الإسرائيلية على الاتفاق قائلة: "بهذا الاتفاق المباشر وغير المسبوق بين حماس والإدارة الأميركية لم يكتفِ ترامب بصفع نتنياهو فحسب بل منح حماس شرعيّة لا مثيل لها منذ بداية الحرب.
ثمّة سؤال يطرح لدى أوساط عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وجه الاتفاق، أين "إسرائيل" مما يجري؟ وجعلها تصدر بياناً صارخاً في وجه نتنياهو جاء فيه: "مرة أخرى تحمل الولايات المتحدة أخبار إطلاق سراح الرهائن وليس الحكومة الإسرائيلية، لقد فشلت الحكومة في واجبها الأخلاقي والوطني ولم تعد تحظى بثقة الشعب".
إسرائيلياً، وبما أنّ مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيبلغ أو أنه أبلغ "إسرائيل" رسمياً، فإنّ الاتفاق يعدّ ملزماً لها لن تستطيع الاعتراض عليه أو رفضه، وهذا ما كشفت عنه صحيفة "إسرائيل هيوم" التي أكّدت موافقة "إسرائيل" على فتح الممرات الإنسانية للإغاثة مقابل هذا الاتفاق، سبقته رسالة أميركية لنتنياهو أشارت إلى معارضة أميركية لتوسيع العملية البرية في غزة، وهذا معناه خضوع سياسي أمام ضغوط إدارة ترامب ومناورة بارعة من حماس في وقت كانت تتجهّز فيه "إسرائيل" لتوسيع نطاق العملية العسكرية في قطاع غزة.
ما هو مثير في هذا الاتفاق هو ما كشفت عنه القناة 12 الإسرائيلية من أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان على اطلاع مباشر بل وأدّى دوراً مباشراً فيه، وبهذا يكون ترامب قد صفع نتنياهو صفعة أخرى بعد اتفاقه الأخير مع اليمن، وفي الوقت نفسه منح حماس شرعيّة سياسية، وهزيمة استراتيجية لواحدة من أقوى الحكومات اليمينية في تاريخ "إسرائيل".
نجحت حماس في أن تبعث برسالة للرئيس ترامب تعرب فيها عن استعدادها البدء الفوري في اتفاق نهائي لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى مع الترتيبات اللازمة كافة للقضايا الأخرى، وهذا الاتفاق أسس لجملة من القضايا، على رأسها وقف جريمة التجويع الإسرائيلية في قطاع غزة وإفشال خطة المساعدات التي كان يعدّ لها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي واستغلال الغذاء كورقة ابتزاز إسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة. والقضية الثانية والمهمة سياسياً أنّ هذا الاتفاق يدشّن لمرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عنوانها أنّ "إسرائيل" لم تعد اللاعب الوحيد والقوي في الساحة السياسية الدولية تحديداً في تقرير مصير القضايا المركزية للصراع، وأنّ المقاومة مؤثّرة ولاعب سياسي قويّ كما هي لاعب عسكري ومؤثّر على الأرض لها ثقل وقادرة أن تفرض نفسها على الطاولة الدولية في أيّ وقت كان.
مع كلّ يوم يمضي في ظلّ مماطلة نتنياهو حلّ قضية الأسرى وإنهاء الحرب على غزة لاعتبارات سياسية مكشوفة، وفي ظلّ تنامي الأزمات الداخلية والانقسامات وحال التشرذم في "إسرائيل" تثبت الوقائع أنّ حكومة نتنياهو باتت أكثر هشاشة من أيّ وقت مضى، وأنّ العلاقة المضطربة مع إدارة ترامب تتصاعد في ظلّ الحديث عن قطيعة بين الرئيس ترامب ونتنياهو ستكون له تداعيات، وأكثر ما يعزّز هذا الواقع رسالة توماس فريدمان لترامب بشأن نتنياهو والتي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية والتي جاءت بعنوان: "هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا"، في إشارة إلى استشعار سلوك هذه الحكومة على المصالح الأميركية، وأبرز ما قاله فريدمان في رسالته لترامب: "هناك مبادرات قليلة جداً اتخذتها منذ تولّيك المنصب اتفق معها، باستثناء ما يتعلّق بالشرق الأوسط، زيارتك إلى هناك ولقاؤك بقادة السعودية والإمارات وقطر وعدم وجود خطط لديك للقاء نتنياهو في إسرائيل يوحي بأنك بدأت تدرك حقيقة جوهرية، أنّ هذه الحكومة الإسرائيلية تتصرّف بطرق تهدّد المصالح الأميركية الأساسية في المنطقة، نتنياهو ليس صديقنا".
صفقة عيدان ألسكندر لن تكون الأخيرة ومن المرجّح وفق معلومات خاصة قد يتبعها مزيد من الاتفاقيات التي قد تشهد الإفراج عن عدد من الأسرى مقابل تهدئة تمهّد الباب نحو اتفاق شامل وصفقة كبرى تنهي الحرب على غزة، كما أنّ إنجاز اتفاق ألسكندر يمنح الإدارة الأميركية قدرة تجاه تحقيق هذا الهدف، في وقت يفكّر فيه نتنياهو في استمرار الحرب لأهدافه الشخصية لضمان مستقبله السياسي ولتحقيق أهداف شركائه في اليمين الإسرائيلي المتطرّف المتمثّلة بتهجير سكان قطاع غزة وإنهاء الملف الفلسطيني للأبد.