الاتفاق مع اليمن: "إسرائيل" قلقة من "دبلوماسية الانسحاب" الأميركية

جسّد اتفاق ترامب مع جماعة أنصار الله اليمنية، تكريساً حقيقياً لدبلوماسية الانسحاب الأميركي من الالتزام بمصالح وأمن الحلفاء، وكرّس أولوية المصالح الأميركية على حساب الجميع.

0:00
  • الاستراتيجية الأميركية الجديدة تشكّل تهديداً لمستقبل وأمن
    الاستراتيجية الأميركية الجديدة تشكّل تهديداً لمستقبل وأمن "إسرائيل".

على وقع توقيع اتفاق ثنائي مع جماعة أنصار الله الحوثيّة في اليمن، والذي شكّل مفاجأة للطرف الإسرائيلي الذي بقي خارج هذا الاتفاق ولم يعرف به مسبقاً، ولم يتمّ إدراج التهديد اليمني لـ "إسرائيل" ضمنه، يتحضّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجولة شرق أوسطية، يزور فيها كلّاً من السعودية والإمارات وقطر، والتي من المتوقّع أن يعقد فيها صفقات كبرى، ويوقّع العديد من العقود الاستثمارية. 

في ولايته الثانية، أعاد دونالد ترامب إحياء وتعزيز سمة مميّزة طبعت الدبلوماسية المعتمدة في رئاسته الأولى: الانسحاب من الالتزامات. ويمثّل نهج ترامب في تلك الدبلوماسية انفصالاً حقيقياً عمّا اعتمدته الإدارات الأميركية السابقة والتي قامت على بناء التحالفات الثابتة والحرص على تأمين مصلحة الحلفاء، والمشاركة المستدامة في المعاهدات الدولية.

 يمكن تعريف هذه الاستراتيجية بتطبيق ترامب الانسحاب الاستراتيجي من الالتزامات ضمن معايير ثلاثة:

- الأول: الانسحاب الأحادي من الاتفاقيات العالمية (خاصة تلك المتعدّدة الأطراف) لتحقيق ما يسمّيه مصلحة أميركا في عالم يستغلّ الولايات المتحدة ويحصل على أموال طائلة من دون تحقيق مكاسب للأميركيين.

- الثاني: التهديد بالانسحاب من المفاوضات كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب.

- الثالث: الانسحاب من الالتزامات الأميركية السابقة بالتحالفات ومن العمل على تأمين مصلحة الحلفاء والشركاء الاستراتيجيّين.

تعتمد هذه الاستراتيجية على سياسة "حافة الهاوية"، وهي سياسة براغماتية تهدف إلى الضغط على الخصوم والحلفاء، لتقديم تنازلات ومكاسب ولتغيير شروط معاهدات يراها الأميركيون غير عادلة.

طبّق ترامب هذه الاستراتيجية الدبلوماسية في ولايته الأولى، فانسحب من اتفاقيات المناخ، ومن العديد من المعاهدات الاستراتيجية مع الروس، كما انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ توقيعه خلال عهد أوباما عام 2015، وهدّد بالانسحاب من حلف الناتو في حال لم يقم الحلفاء بالمساهمة العادلة في تحمّل الأعباء.

في ولايته الثانية، جدّد ترامب التزامه بدبلوماسية الانسحاب من الالتزامات التي ـــــ برأيه ـــــ لا تفيد المصالح الأميركية، فأكّد أنّ المساعدات الأميركية لأوكرانيا ليست مجانية، وبالفعل علّق حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار في آذار/مارس 2025، وهدّد بالانسحاب من الحملة العسكرية وتقديم الدعم لأوكرانيا، إلا في حال وافق الأوكرانيون على توقيع صفقة المعادن، والتعهّد بالتوصّل الى اتفاقية سلام مع الروس.

وقد نجحت هذه الاستراتيجية، حيث توصّل الأميركيون وحكومة زيلينسكي إلى توقيع اتفاقية المعادن التي منحت مكاسب استثمارية كبرى للأميركيين في الأراضي الأوكرانية من دون أن تقدّم أيّ ضمانات أمنية لأوكرانيا كما كان الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي يشترط لتوقيع الصفقة.

 وفي أيار/مايو 2025، فاجأت إدارة ترامب الجميع بتوقيع اتفاق مع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن. وقالت الخارجية العمانية في بيان، إنّ اتصالات أجرتها مسقط مع الأطراف المعنية أسفرت عن تفاهم سيتوقّف بموجبه كلّ طرف عن استهداف الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية.

ووفقاً للبيان، فإنّ الاتفاق يضمن سلامة السفن الأميركية وليس كل السفن من ضربات الحوثيين، كما أنه لا ينصّ على وقف ضرب "إسرائيل" من الأراضي اليمنية.

وشكّل هذا الاتفاق صدمة في "إسرائيل"، إذ نقلت هيئة البثّ الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين أنهم "فوجئوا بإعلان ترامب". كما نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤول إسرائيلي كبير أنّ إدارة ترامب "لم تخطر تل أبيب بهذه الخطوة".

جسّد اتفاق ترامب مع جماعة أنصار الله اليمنية، تكريساً حقيقياً لدبلوماسية الانسحاب الأميركي من الالتزام بمصالح وأمن الحلفاء، وكرّس أولوية المصالح الأميركية على حساب الجميع، الخصوم والحلفاء، على حدّ سواء، ومنهم "إسرائيل".

لا شكّ أنّ هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة تشكّل تهديداً لمستقبل وأمن "إسرائيل". لقد اعتمدت "إسرائيل" دائماً على الدعم الأميركي غير المشروط، والذي أمّن لها مظلة بحيث عملت الإدارات الأميركية على تحقيق مصالح "إسرائيل" حتى لو أضرّت بمصلحة أميركا العليا. أما الآن، فالسياسة التي يعتمدها ترامب في العالم باتت تعتمد على منطق "الربح" ـــــ

"الكلفة" للأميركيين من دون احتساب الكلفة على الحلفاء، وبالتالي بات على "إسرائيل" كما أوروبا أن تتكيّف مع فكرة أنّ الدعم الأميركي ليس مضموناً دائماً.