الاتهامات الأميركية لإيران بتزويد روسيا بالصواريخ؟

إيران طلبت فيما مضى من كييف تزويدها بالأدلة التي بحوزتها حول قيام روسيا باستخدام الطيران المسير الإيراني في الحرب الأوكرانية وفقاً لادعاءاتها، وبقي الطلب الإيراني بدون ردّ من قبل اوكرانيا.

0:00
  • ما هي خلفيات الإتهامات الأميركية و الغربية وأهدافها؟
    ما هي خلفيات الإتهامات الأميركية و الغربية وأهدافها؟

على مدى الأسبابيع الأخيرة أطلقت الولايات المتحدة حملة اتهامات سياسية مكثفة ضد إيران على لسان كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وركّزت الحملة على اتهام واشنطن للجمهورية الإسلامية بتزويد روسيا الإتحادية بالصواريخ البالستية لاستخدامها في حربها المستمرة مع أوكرانيا.

ليست المرة الأولى التي تتهم فيها واشنطن طهران بتزويد روسيا بالسلاح، فقد سبق لواشنطن أن روّجت لاتهامات مشابهة مدّعية قيام طهران بتزويد روسيا بسلاح الطائرات المسيرة، وإرسالها خبراء عسكريين لتدريب الجنود الجنود الروس، لكن اللافت هذه المرة هو أن واشنطن تولّت بنفسها إطلاق وقيادة هذه الحملة على عكس المرات السابقة التي كانت توعز فيها لحليفتها أوكرانيا بإطلاق تلك الإتهامات و الترويج لها، قبل ان يأتي الدور الأميركي على شكل تحذيرات سياسية، وتهديدات بالعقوبات.

وبدأت واشنطن حملتها المنسقة و المعدّة مسبقاً عبر البيت الأبيض الذي اتهم طهران بالقيام بتدريب جنود روس على استخدام الصواريخ البالستية القصيرة المدى، ثم تولى الناطق باسم مكتب الامن القومي "جون كيربي" إطلاق التهديدات بفرض إجراءات عقابية ضد طهران، قبل أن ينتقل ملف الحملة لوزارة الخارجية بقيادة الوزير "بلينكن" الذي أعلن عن امتلاك واشنطن لمعلومات استخباراتية تؤكد وصول الصواريخ الإيرانية لروسيا، وأنه جرى تبادل تلك المعلومات مع العديد من دول الإتحاد الأوروبي الذي انضم لحملة الإتهامات الأميركية، ثم تولى الوزير بلينكن بنفسه القيام بجولة أوروبية منذ أسبوعين بدأها من بريطانيا تزامنت مع قيام كل من الولايات المتحدة وعدد من دول الأوروبية "بريطانيا و فرنسا و ألمانيا" بفرض عقوبات على إيران شملت بالدرجة الأولى قطاع الطيران.

الموقف الإيراني

نفت إيران بشدة الاتهامات الغربية بتصدير أسلحة الى روسيا لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، كما رفضت الإتهامات الموجهة لها بأن يكون لها اي دور في تصدير أسلحة الى أيٍّ من طرفي الحرب الروسية-الأوكرانية.

ووصف الناطق باسم الخارجية الإيرانية "ناصر كنعاني" تلك الإتهامات بالدعاية القبيحة، وقال بأن من يوجّهون هذه الاتهامات الى طهران هم من بين أكبر مصدّري الأسلحة الى أحد طرفي الحرب، في أشارة للدعم الغربي العسكري المفتوح واللامحدود لأوكرانيا، كما حرصت طهران على التأكيد بأن تلك الإتهامات تقف خلفها دوافع و أسباب سياسية.

وكانت إيران قد طلبت فيما مضى من كييف تزويدها بالأدلة التي بحوزتها حول قيام روسيا باستخدام الطيران المسير الإيراني في الحرب الأوكرانية وفقاً لادعاءاتها، وبقي الطلب الإيراني بدون ردّ من قبل اوكرانيا التي عجزت عن تقديم ما يثبت ادعاءاتها.

وكان الرئيس الإيراني شديد الوضوح في تبيين موقف الجمهورية الإسلامية حين أكد بأن إيران تواصل تعاونها مع روسيا وكذلك في مجال التجارة، لكنها لم تزودها بالسلاح، وبيّن ان موقف بلاده الثابت يتمثل بتأييد التسوية السلمية للصراع الأوكراني.

ما هي خلفيات الإتهامات الأميركية و الغربية وأهدافها؟

يمكننا بداية ان نلاحظ بأن دوائر القرار السياسي و ليس العسكري في واشنطن والعواصم الغربية هي من تولت إطلاق الحملة و الترويج لها بشكل متناسق و منظم، وهو ما يؤكد بأن تحضيراً مسبقاً ومنسقاً قد جرى إعداده وصولاً لفرض العقوبات على طهران من دون تقديم أدلة علنية على تلك الإدعاءات، وهذا بحد ذاته يشكّل دليلاً واضحاً بأن تلك الإتهامات تقف خلفها غايات سياسية تسعى واشنطن والغرب لتحقيقها، ونستطيع الحديث عن العديد من تلك الأهداف و الغايات الأمريكية بهذا الخصوص:

أولاً: أرادت واشنطن قطع الطريق على أي حوار أو تقارب بين إيران وأوروبا في ظل الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة الرئيس الجديد "مسعود بزشكيان" و الذي أبدى رغبة في الإنفتاح على أوروبا و تفعيل الحوار معها.

ثانياً: تسعى واشنطن من خلال فرض المزيد من العقوبات إلى عرقلة اية محاولة إيرانية لرفع العقوبات السابقة عن طهران في إطار ما يمكن ان تنتجه سياسات الإنفتاح و الحوار التي ينتهجها الرئيس الإيراني الجديد وحكومته بكل الإتجاهات الإقليمية و العالمية , وهو الذي أعلن صراحة بأن العمل على رفع العقوبات سيكون من أولويات حكومته الجديدة.

ثالثاً: تعمل واشنطن على خلق حالة من التمحور الإقليمي والعالمي في الشرق الأوسط و أوروبا بهدف إعادة خلط الأوراق التي تمنع أي تقارب بين إيران و دول الجوار وخاصة في الشرق الأوسط، وكذلك بين روسيا و دول الشرق الأوسط، وذلك عبر الإيحاء بوجود حلف عسكري روسي-إيراني يجب على دول الإقليم مواجهته عبر التخندق في محور معاكس تقوده واشنطن وتل أبيب.

رابعاً: تعتقد واشنطن أن الترويج لسياسات التمحور و الأحلاف الإقليمية سيسهم في تخريب التقارب الإيراني مع دول إقليمية عديدة كالسعودية ومصر و تركيا وباكستان، وصولاً لآسيا الوسطى وجنوب آسيا ودول الخليج.

خامساً: تريد واشنطن دق إسفين في العلاقة بين روسيا ودول الخليج خصوصاً عبر الإيحاء بقيام تحالف عسكري إيراني-روسي يستهدف أمنها الإقليمي، وبالتالي الدفع بها للتخلي عن التقارب مع روسيا وبالتالي دفع تلك الدول إلى التمنع عن التفكير بالتشبيك خارج العلاقات الإستراتيتيجية و التبعية المطلقة للولايات المتحدة.

سادساً: تنظر واشنطن بعين القلق إلى قمة بريكس التي ستعقد الشهر القادم في قازان عاصمة إقليم تترستان في روسيا، وتسعى جاهدةً لإفشال هذه القمة وخاصة أنها باتت تتحسس بقوة خطر منظومة بريكس على الهيمنة الأمريكية وتضغط على الرياض لإبعادها عن بريكس، من خلال التسويق لهكذا اتهامات، وأخرى رديفة حول تزويد موسكو للحوثيين بالسلاح و الصواريخ.

سابعاً: ينطبق التكتيك الأميركي المتبع من خلال هذه الإتهامات على تركيا أيضاً التي أعلنت رغبتها بالإنضمام إلى بريكس حيث من المقرر أن تناقش قمة قازان ملف عضوية تركيا، وترى واشنطن بأن تظهيرها لتحالف عسكري روسي_إيراني سيشكل عامل نفور وقلق من قبل تركيا.

ثامناً: تريد واشنطن من وراء ذلك أيضاً التغطية على الدعم اللامحدود والمفتوح الذي تقدمه لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي تقودها ضد الشعب الفلسطيني في غزة و الضفة الغربية.

تاسعاً: تريد إدارة بايدن من هذه الإتهامات خلق المبررات السياسية على الصعيد الداخلي لاستمرارها بتبني سياسات الدعم المالي و العسكري التي تقدمها لأوكرانيا خاصة في ظل تحول الموضوع إلى أحد العوامل المؤثرة في السباق الرئاسي الأمريكي باعتباره مادة سجال انتخابي طرحها الجمهوريون.

عاشراً: تسعى واشنطن والغرب للتغطية على قراراتهم الأخيرة بتزويد أوكرانيا بالسلاح القادر على استهداف العمق الروسي، وخاصة سلاح الصواريخ، وبالتالي التغطية لاحقاً على قيام النظام النازي في كييف بضرب الأراضي الروسية.

أخيراً، لا بد من التأكيد بأن واشنطن قد فضحت نفسها وغاياتها من تلك الحملة الدعائية الكاذبة و المضللة وذلك على لسان الناطق باسم البيت الأبيض عندما قال "أن التعاون العسكري بين إيران وروسيا يشكل خطراً على أوروبا والشرق الأوسط"، وهو ما يمثل اعترافاً صريحاً من قبل واشنطن بحقيقة نواياها وانكشافاً لسياساتها.