اليوان الصيني يصعد… صراع عالمي على الاقتصاد الرقمي

يمرّ الاقتصاد الصيني بمرحلة انتقالية حاسمة، من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد متكامل يرتكز على الإنتاج، التصدير، الابتكار، والاستهلاك المحلي.

0:00
  • الاقتصاد الصيني.. من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد متكامل.
    الاقتصاد الصيني.. من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد متكامل.

اليوان الصيني المعروف عالمياً بـ RMB ويرمز إليه بـCNY، هو العملة الوطنية لجمهورية الصين الشعبية، وإحدى أبرز العملات الصاعدة في النظام المالي العالمي.

منذ انطلاقه عام 1948، مرّ اليوان بمراحل عدة مع تطور الاقتصاد الصيني، بدءاً من كونه أداة داخلية خاضعة لرقابة الدولة وصولاً إلى كونه عملة تطمح الصين لجعلها منافساً أو مشاركاً أو بديلاً عالمياً للدولار في التجارة والتمويل.

مع التحوّلات الجيواقتصادية في العالم، ازداد الحديث عن تدويل اليوان، خصوصاً بعد انضمامه إلى سلة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي عام 2016. كذلك، يلعب اليوان دوراً محورياً في النزاعات التجارية، والاتفاقيات الثنائية، والمبادلات التجارية ضمن تكتلات كبرى مثل "البريكس" ومبادرة "الحزام والطريق."

ويمثل اليوان الصيني أداة استراتيجية تعكس طموحات الصين في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي.

مراحل تكوين اليوان الصيني كانت على الشكل الآتي:

1. مرحلة التأسيس

تأسس اليوان الصيني RMB عام 1948 على يد الحكومة الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ، قبيل إعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

كان الهدف من إصدار اليوان توحيد النظام النقدي بعد سنوات من الحروب والفوضى المالية، واستخدامه كأداة لإعادة إعمار الاقتصاد الوطني تحت النظام الاشتراكي، حيث تم التحكم بسعره داخلياً واعتماد نظام صرف مغلق.

في البداية، لم يكن اليوان عملة قابلة للتداول دولياً، بل مقيداً بالاستخدام المحلي فقط. ومع مرور الوقت، بدأت الصين بتنفيذ إصلاحات جذرية بدءاً من أواخر السبعينيات، لتعزيز مكانة اليوان لاحقاً في النظام المالي العالمي.

2.  مرحلة التثبيت والانعزال

خلال هذه الفترة، كانت الصين تعتمد على نظام اقتصادي مغلق، وكان اليوان مداراً بشكل صارم من الدولة بلا ارتباط مباشر بالأسواق المالية.

واعتمدت الصين على أول خطة خمسية عام 1953، وركزت على الصناعات الثقيلة والزراعة مع تقييد شديد للتجارة الخارجية.

عام 1958، كان هناك محاولة لتسريع التحوّل إلى اقتصاد صناعي، لكنها أدت إلى كارثة اقتصادية ومجاعة كبرى نتيجة الإدارة المركزية المفرطة وسوء التخطيط، ما دفع الحكومة إلى تغيير شامل في هذه الاستراتيجية.

تميزت هذه المرحلة ببناء الدولة ومركزية القرار الاقتصادي، لكنها اتسمت بجمود شديد حال دون اندماج الصين في الاقتصاد العالمي حتى انطلاقة الإصلاحات عام 1978.

3. مرحلة الإصلاح والانفتاح والاستقرار (عام 1994):

مع سياسات دينغ شياو بينغ، بدأت الصين بإصلاح اقتصادها، وخضع اليوان لتخفيضات عدة، وتم توحيد سعر صرفه عام 1994، ما مهد لتحريره تدريجياً وربطه بالتعامل التجاري العالمي.

وكانت أهم نتائجه:

-  تضاعف الناتج المحلي الصيني مرات عدة.

-  انخفاض نسبة الفقر بشكل كبير.

-  بدأت الصين تنتقل تدريجياً من اقتصاد زراعي مغلق إلى اقتصاد صناعي منفتح ومتنوّع.

- انتشار مناطق اقتصادية خاصة (SEZs)، مثل شانتو وشينزن وزوهاي، مفتوحة للاستثمارات الأجنبية بتسهيلات خاصة.

- شكلت هذه المناطق منصات لتجريب الرأسمالية ضمن حدود الاشتراكية الصينية.

- في الصناعة، أعطيت المؤسسات المملوكة للدولة مزيداً من الاستقلالية المالية، إذ سمح لها بتخفيف الأرباح وبيع جزء من إنتاجها في السوق الحرة.

-  إصلاح النظام المالي وإعادة هيكلة البنوك لتعمل كبنوك تجارية حقيقية.

4. مرحلة الازدهار الأخيرة (2015 - حتى اليوم):

سعت الصين لتعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية وتمويل الطاقة، خصوصاً مع دول "البريكس"، ومحاولة خفض الاعتماد على الدولار. كما عززت البنوك المركزية احتياطياتها من اليوان، وارتفع حجم تداول العملة عالمياً.

أهمية اليوان اليوم:

- إحدى أكثر العملات تداولاً عالمياً.

-  يستخدم في اتفاقيات الطاقة والذهب بين الصين وشركائها.

-  أداة رئيسة في استراتيجية فك الارتباط بالدولار والصراع معه.

- التحوّل نحو الاقتصاد الرقمي ودعم قطاعات التكنولوجيا والابتكار مثل الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى صعود شركات مثل "علي بابا" و"هواوي" كرمز لقوة التكنولوجيا الصينية.

- دعم الاستهلاك الداخلي كقوة دفع للنمو بدل الاعتماد على التصدير فقط، وإطلاق سياسة الازدواجية السياسية عام 2020.

-    توسع مبادرة "الحزام والطريق" وتوسيع النفوذ الاقتصادي للصين عبر تمويل مشاريع بنية تحتية في آسيا وأفريقيا وأوروبا.

- تعزيز الصناعات الخضراء مثل الاستثمار بالطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، وتقليل الاعتماد على الفحم.

-  إنشاء البورصات الناشئة ومبادرات للحد من المخاطر المالية.

- نمو مستقر رغم التحديات العالمية مع تراجع الفقر.

بالمحصّلة، يمرّ الاقتصاد الصيني بمرحلة انتقالية حاسمة، من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد متكامل يرتكز على الإنتاج، التصدير، الابتكار، والاستهلاك المحلي.

وحتى مع النجاحات الملموسة التي تحققت، يبقى السؤال الأكثر أهمية: من سيحكم زمام الاقتصاد الرقمي والمالي العالمي في المستقبل، الدولار الأميركي أم اليوان الصيني؟