ترامب مع إردوغان.. ما الذي يريده كل طرف من الآخر؟

ترى الأوساط السياسية في لقاء ترامب - إردوغان وما جرى في البيت الأبيض العديد من العناصر التي ستحدد مسار العلاقة الشخصية بين الرئيسين بانعكاسات ذلك على العلاقات بين البلدين.

0:00
  • يعقد الرئيس ترامب آمالاً كبيرة على علاقته الشخصية مع الرئيس إردوغان.
    يعقد الرئيس ترامب آمالاً كبيرة على علاقته الشخصية  بالرئيس إردوغان.

يعقد الرئيس ترامب آمالاً كبيرة على علاقته الشخصية بالرئيس إردوغان، لما لتركيا من أهمية بالغة في مجمل الحسابات الأميركية الإقليمية منها والدولية.

فبعد ثمانية أشهر من تصريحاته التي تحدث فيها عن "الدور التركي المباشر في أحداث سوريا الأخيرة وإيصال الشرع والفصائل الموالية له إلى السلطة في دمشق، وبشكل غير لبق، " عاد الرئيس ترامب وتحدث عن هذا الدور خلال لقائه (الخميس) إردوغان في البيت الأبيض.

وقال ترامب "هذا الرجل لا يتحدث عن ذلك إلا أنه المسؤول الأول عن تغيير النظام في سوريا وإيصال الشرع ورجاله إلى السلطة، وهذا إنجاز عظيم له؛ لأنه سيطر على سوريا. لقد حاول الأتراك السيطرة على سوريا منذ ألفي عام، وها هو حقق ذلك، وهذا نصر له ولتركيا؛ لأن الفصائل التي تحكم سوريا موالية له ". 

ومع أن المراقبين اختلفوا في ما بينهم حول "إيجابيات أو سلبيات" هذا الكلام، إلا أن الرئيس ترامب لم يتأخر في إحراج إردوغان وأمام الملايين من الذين كانوا يتابعون اللقاء على الهواء مباشرة.

فعندما كان يتحدث عن تزوير انتخابات 2020 التي خسرها أمام بايدن، قال "لقد قام الديمقراطيون بتزوير هذه الانتخابات، وأنت يا إردوغان أدرى بعمليات التزوير في الانتخابات"، في إشارة إلى الاتهامات التي توجهها المعارضة إلى إردوغان في الانتخابات الرئاسية واستفتاء 2017 عندما قام بتغيير النظام من برلماني إلى سياسي، وأصبح الحاكم المطلق للبلاد، وقيل آنذاك إن نتائج الاستفتاء كانت مزورة. 

وقبل العودة إلى ما قاله ترامب في المؤتمر الصحفي، فقد سبقه سفيره في أنقرة، توم براك، إذ قال قبل يوم من لقاء البيت الأبيض "إن تركيا ديمقراطية ولكنها استبدادية قليلاً" ليضيف "لقد تحدثنا كثيراً مع الرئيس ترامب عن العلاقة مع تركيا والرئيس إردوغان، وقررنا أن نساعده مقابل أن يساعدنا، فمنحناه الشرعية التي يحتاج إليها". 

وأما وزير الخارجية روبيو الذي كان ينتقد مواقف الزعماء الأجانب الذين يهاجمون سياسات واشنطن فقد قال "هؤلاء الزعماء ومنهم الرئيس إردوغان (ذكر إردوغان فقط) عندما يخاطبون شعوبهم يهاجموننا بشدة، ولكن عندما يأتون إلى هنا يتوسلون إلينا كي نسمح لهم بلقاء الرئيس ترامب، ولو لخمس دقائق ". 

أقوال برّاك والوزير روبيو أثارت ردود فعل عنيفة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية في تركيا، وعدّها زعيم حزب "الشعب" الجمهوري أوزكور أوزال "إهانة مباشرة لتركيا ورئيسها"، ودعا الرئيس إردوغان إلى الرد على هذه الإهانات، وتلك التي تعرض لها في البيت الأبيض عندما سعى ترامب لتسويق المنتجات الحربية الأميركية له، ووعده "بإلغاء كل العراقيل أمام بيع طائرات إف -35 الأميركية لتركيا، ولكن شريطة أن ينفذ ما سيطلب منه".

ما جرى في المؤتمر الصحفي الذي استمر قرابة الساعتين، ولم يستطع الرئيس إردوغان خلاله الرد المباشر على أقوال الرئيس ترامب، والتي استهدفته شخصياً، بسبب انعدام الترجمة المباشرة، يبدو أنه سيحدد ملامح المرحلة القادمة في العلاقة المباشرة بين ترامب وإردوغان على الصعيد الشخصي، بعد أن بات واضحاً أن واشنطن تعقد آمالاً كبيرة على هذه العلاقة، التي سبق أن تعرضت لانتقادات عنيفة في الشارع الشعبي التركي، خلال الولاية الأولى لرئاسة ترامب للفترة 2016-2020.

وغرّد الرئيس ترامب آنذاك في حسابه على"إكس"، وهدّد وتوعّد إردوغان بتدمير اقتصاد تركيا إذا لم يخلِ سبيل القس الأميركي برونسون، وهو ما كان كافياً لخروجه من السجن فوراً (12 أكتوبر 2018) وبعد يوم من هذا التهديد.  

وعاد وافتخر ترامب خلال مؤتمره الصحفي الأخير "بانتصاره " هذا، وقال إنه لو لم يفعل ذلك لبقي برونسون في السجن 35 عاماً. كما بعث ترامب في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 رسالة خطية إلى الرئيس إردوغان، وطلب منه وقف العمليات الحربية فوراً شرق الفرات ضد المليشيات الكردية السورية، وقال له " لا تكن غبياً، واجلس مع مظلوم عبدي، واتفق معه على خطة مشتركة لإنهاء المشكلة ". 

هذا على الصعيدين السياسي والاستراتيجي في العلاقة الشخصية بين إردوغان وترامب الذي لم يهمل الجانبين الاقتصادي والمالي في العلاقة بإردوغان، إذ اتفق وإيّاه على خفض التعرفة الجمركية على العديد من المنتجات الأميركية التي تستوردها تركيا التي وقعت على اتفاقية مدتها عشرون عاماً لشراء الغاز المسال من أميركا، وقال ترامب إنها "مستعدة لبيع تركيا طائرات إف - 16 ولاحقاً إف -35".

كما وقعت شركة الخطوط الجوية التركية مع شركة "بوينغ" على عقد شراء أكثر من 200 طائرة، مع عقود أخرى تم التوقيع عليها بين الطرفين، بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة النووية.

ومن دون أن يهمل الرئيس ترامب دعوة الرئيس إردوغان إلى "الابتعاد عن روسيا، ليس فقط في علاقاته الاقتصادية والتجارية بل السياسية أيضاً، باعتبار أن تركيا البلد الأهم في الحلف الأطلسي" . 

وترى الأوساط السياسية في لقاء ترامب - إردوغان، وما جرى في البيت الأبيض العديد من العناصر التي ستحدد مسار العلاقة الشخصية بين الرئيسين بانعكاسات ذلك على العلاقات بين البلدين.

وقال زعيم حزب "الشعب" الجمهوري أوزكور أوزال" إن إردوغان رضخ لكل المطالب والشروط الأميركية، السياسية منها والاقتصادية، مقابل استمرار الدعم الأميركي له للبقاء في السلطة، ومهما كلّفه ذلك".

فيما قال نائبه البروفسور إلهان أوزكال "يمكن تلخيص كل ما جرى في البيت الأبيض بأنه صفقة شخصية بين ترامب وإردوغان، وموضوعها الرئيسي هو سوريا بتفاصيلها الداخلية والإقليمية، وفي مقدمة ذلك لقاء الشرع بنتنياهو، ومن ثم المصالحة التركية -الإسرائيلية وهي الهمّ الأهم بالنسبة إلى الرئيس ترامب".

وفي جميع الحالات، إذا كان الرئيس ترامب جاداً في الحديث عن "مسؤولية إردوغان في سوريا وتزويره الانتخابات في تركيا وحاجة إردوغان إليه"، فالأيام والأسابيع القليلة القادمة ستحمل في طياتها الكثير من المفاجآت على صعيد الدور التركي في سوريا، والمنطقة عموماً، وبشكل يتفق والمخططات والمشاريع الأميركية التي يقول ترامب إنها كانت وستبقى أبداً في خدمة "إسرائيل". وعلى الرغم من الملاحظات التي يبديها بين الحين والحين في ما يتعلق بسلوك نتنياهو في غزة فقط من دون لبنان وسوريا وإيران واليمن بل وحتى قطر. 

وهو ما يفسر اهتمام الإعلام العالمي باعتراف بعض الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، بهدف إبعاد أنظار العالم عن الحقيقة الأهم، وهي مشاركة الرئيس أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن دون أن يتذكر أحد أن الشرع كان مصنفاً وتنظيمه "النصرة" و"هيئة تحرير الشام" في لوائح الإرهاب الأميركية والدولية (مجلس الأمن الدولي) وهو الآن يتحدث بصفته رئيساً لسوريا.

واحتضنه ترامب في 14 مايو/ أيار الماضي في الرياض، وبوساطة إردوغان ومحمد بن سلمان، وطلب منه أن يلتقي وباسم "الإسلام المتطرف" صديقه العقائدي الجديد اليهودي المتطرف". نتنياهو الذي لا يخفي نواياه الدينية والعقائدية والاستراتيجية ليس فقط في سوريا بل المنطقة عموماً بما فيها تركيا التي سنرى قريبا جداً ما الذي يريده ترامب منها ومن رئيسها إردوغان على المدى القريب، ثم المتوسط والبعيد مقابل أن يضمن له بقاءه في السلطة لأطول فترة زمنية تساعده على مطالبه!