تركيا تتموضع في البحر الأحمر عبر اتفاقيتها مع الصومال

الدور التركي المتصاعد في أفريقيا يهدف إلى جعل تركيا رقماً صعباً في السياسة الدولية، ولاسيما أنها تموضعت انطلاقاً من مصالحها في أوكرانيا والقوقاز والشرق الأوسط، واليوم تتموضع في أفريقيا وفي البحر الأحمر.

  • أين مصر من الاتفاقية التركية الصومالية؟ 
    أين مصر من الاتفاقية التركية الصومالية؟ 

وقعت تركيا والصومال اتفاقاً في مجال التعاون الدفاعي لمدة عشرة أعوام، يسمح للجيش التركي بحماية السواحل البحرية للصومال، ويمنح أنقرة حق استغلال 30 في المئة من ثروات الساحل الصومالي، الأطول في القارة الأفريقية، وتضمّن توقيع اتفاقية للتعاون، دفاعياً واقتصادياً، ومكافحة جرائم القرصنة، ومنع التدخلات الأجنبية، والصيد غير القانوني، وتهريب السلاح، وتدريب القوات البحرية الصومالية وبناءها وإمدادها بالمعدات.

تعود علاقة تركيا بالصومال إلى زمن تأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك عام 2011، وتبلغ قيمة المساعدات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي قدمتها أنقرة إلى مقديشو نحو مليار دولار، وقامت ببناء مطارات وطرق ومستشفيات ومبانٍ حكومية، ومنحت آلاف الطلاب الصوماليين إمكان الدراسة في جامعاتها ودرّبت الجيش الصومالي، تحت عنوان مكافحة الإرهاب. ومن خلال سياستها في الصومال حاولت الانتشار في أفريقيا.

يطرح التحرك التركي في منطقة القرن الأفريقي تساؤلات، في هذا الوقت بالذات: هل له أبعاد أعمق وتداعيات أوسع نطاقاً من زاوية الاصطفاف العسكري، وإعادة تشكيل التحالفات في منطقة القرن الأفريقي في ظل نظام عالمي جديد؟ وما الموقف المصري تجاه عقد الصومال الاتفاقية مع تركيا، البعيدة عن أفريقيا، وليس مع مصر القريبة منها؟

الاتفاقية تؤكد مصالح تركيا ودورها في القارة الأفريقية 

لم يتم توقيع الاتفاقية فقط بسبب التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، التي اعلنت انشقاقها عن الصومال عام 1990، والتي لم يتم الاعتراف بها من معظم دول العالم، بل أيضاً لأن منطقة القرن الأفريقي تُعَدّ أهم ممر لتجارة السفن في العالم، وجميع الدول مهتمة بها، فهل سيكون للاتفاقية بين الصومال وتركيا تأثيرات في المنطقة على جانبي خليج عدن، اليمن وجيبوتي والصومال، حيث توجد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة و"إسرائيل"، ولديها تأثير في منطقة القرن الأفريقي، وقواعد عسكرية؟ 

لا بدّ من التنبه من أن الخيار الصومالي لعقد اتفاقية مع أنقرة نابع من كونها عضواً في حلف شمال الأطلسي، أي الناتو. ويهدف الاتفاق، بالنسبة إليها، إلى ردع جهود إثيوبيا من أجل الوصول إلى البحر عبر أرض الصومال الانفصالية.

وفي إشارة إلى مذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا مع "أرض الصومال" – غير المعترف بها دولياً - مطلع كانون الثاني/يناير، تم منح أديس أبابا ميناءً بحرياً ومنفذاً على البحر الأحمر، الأمر الذي رفضته مقديشو. إلا أن الاتفاقية تأتي في ظل ما يجري حالياً في البحر الأحمر، ودور "أنصار الله" اليمنية في منع مرور السفن الإسرائيلية دعماً للمقاومة الفلسطينية، وقيادة أميركا تحالفاً دولياً لمواجهة "أنصار الله". 

هناك دول تدعم استقلال أرض الصومال، مثل بريطانيا والدول المقرّبة إليها، كما تقوم الإمارات ببناء ميناء هناك، وتخشى مقديشو إغلاق "الحوثيين" مضيق باب المندب بالكامل، وتفاقم الأزمة، وقد تقوم الدول الكبرى بتعزيز عسكري بدعوى تصاعد التوتر، وتحاول السيطرة على خليج عدن.

وستعمل تركيا على حماية ما يقارب 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال، من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة سفن حربية وجنود أتراك. وزاد الحضور التركي مؤخراً مع تعاقدات تركية في الإقليم بصورة كبيرة مع جيبوتي. يمكن عدّ الخطوة رسماً جديداً لخريطة التحالفات العسكرية والمصالح الاقتصادية في القرن الأفريقي، فُوضت بإدارته تركيا، وهي حليفة للغرب وشريكة استراتيجية للصومال من جهة، وشريكة اقتصادية لكل من إثيوبيا والصين، الأمر الذي يؤهلها لأداء دور بين مختلف القوى الكبرى في القرن الأفريقي، بحيث يمكن أن تؤدي دورها كشريك متوازن.

تعترف تركيا الجديدة بأنها لن تغادر الغرب ولن تنزل تحت رغباته، وهي دولة متعددة الكيول والاتجاهات، تجلس بصورة مريحة حيث تشاء فيما يتعلق بأي قضية جيوسياسية معينة. التحول الواضح لإردوغان بعد انتخابات عام 2023 يمكن أن يقدم إلى البيت الأبيض فرصة للتعامل مع تركيا الجديدة، والاستفادة من نفوذها إقليمياً وعالمياً، والذي يتسم بتزايد المنافسة بين القوى العظمى.

وبينما أكدت الولايات المتحدة الأميركية اعترافها بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها، دعت إلى التهدئة وحل الخلاف بين الصومال وأرض الصومال وإثيوبيا بالوسائل الديبلوماسية. وجاء موقف الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي متوافقاً مع الموقف الأميركي، بحيث أكد بيان كل منهما ضرورة احترام السلامة الإقليمية والسيادة الكاملة لجمهورية الصومال الفيدرالية. وأعلنت الجامعة العربية إدانتها ورفضها أي شكل من أشكال الاتفاقيات التي تنتهك سيادة جمهورية الصومال الفيدرالية.

أما الصين، التي تُعَدّ ضمن أكبر أربع قوى عالمية، فتحتفظ بتمثيل ديبلوماسي كبير في القارة الأفريقية، وهي من أكبر المستثمرين الدوليين ولديها استثمارات في إثيوبيا، ومعها كل من كينيا وأنغولا.

تستثمر منذ عام 2000 في أكثر من مئة ميناء في أفريقيا، من موريتانيا غرباً، إلى كينيا عند سواحل المحيط الهندي شرقاً، إلا أن الوجود الاستراتيجي الأهم للصين هو على مقربة من باب المندب، حيث توجد للصين أهم قاعدة بحرية لها في جيبوتي، وهي قاعدة بحرية دائمة يمكن للصين أن ترسي فيها حاملة طائرات وغواصات نووية. وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي المنفذ البحري الإثيوبي على البحر الأحمر في أرض الصومال إلى وجود قاعدة صينية لاستغلال الموارد الموجودة في تلك المنطقة.

أين مصر من الاتفاقية التركية الصومالية؟ 

تخدم الاتفاقية، في الدرجة الأولى، تركيا، وهي تمثل شراكة استراتيجية بينها وبين الصومال. فهل يتوافق الامر مع مصالح مصر؟ ولمادا تلجا مقديشو إلى أنقرة وعقد اتفاق الحماية معها، بدلاً من القاهرة؟ وهل يأتي الاتفاق متماشياً مع توجهات أمنها القومي بمنع إثيوبيا من الحصول على منفذ بحري؟

يبدو الأمر كأنه متوافقٌ مع التوجهات المصرية، القاضية بمنع وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر، مع أن لمصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، قوة وتصميماً على حماية أمنها القومي، والذي كان حاضراً في مصر على مر الأعوام، إلا أنه يبدو أنها اصبحت عاجزة عن حماية المجال الحيوي الأوسع من حدود الأمن القومي.

ومع أن الرئيس الصومالي زار القاهرة، واجتمع بالرئيس السيسي، إلا أنه مع عقد الاتفاقية مع تركيا ربما كان من الطبيعي أن تفكر دولة، مثل الصومال، في دولة مركزية، مثل تركيا.

التقارب التركي المصري مؤخراً، والذي تم تتويجه بزيارة الرئيس التركي، للقاهرة، ولقاء السيسي، في 14 شباط/فبراير الجاري، ربما شكلت هذه الخطوة، من جانب تركيا، أحد أهم أسبابه.

من المؤكد أن تركيا أثارت قضايا التعاون العسكري مع دول الخليج، صاحبة المصالح في القرن الأفريقي، في أثناء زيارة إردوغان الخليجية، والتي وقع فيها عدة اتفاقات للتعاون، منها العسكرية.

الدور التركي المتصاعد في أفريقيا يهدف إلى جعل تركيا رقماً صعباً في السياسة الدولية، ولاسيما أنها تموضعت انطلاقاً من مصالحها في أوكرانيا والقوقاز والشرق الأوسط، واليوم تتموضع في أفريقيا وفي البحر الأحمر.