تركيا والإمارات.. تضارب حسابات أم صفقة مصالح!
شهدت علاقات تركيا مع الكيان الصهيوني العديد من فترات الفتور والتوتر كما هي الحال في العلاقات مع العواصم العربية التي أثبتت دائماً فشلها في معالجة أيٍ من قضايا المنطقة.
-
العلاقات التركية الإماراتية.. إلى أين قد تصل؟
بعد يوم من الأحداث الدموية التي انفجرت في السويداء، بعد أن شنّ مسلّحو "العشائر العربية" سلسلة من الهجمات على المدينة بحجة "تمرد" الدروز ، وصل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد إلى أنقرة (16 تموز/ يوليو) في زيارة رسمية لتركيا بحث خلالها مع الرئيس إردوغان العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية وفي مقدمتها الوضع في سوريا.
وجاءت الزيارة بعد يوم من الاحتفالات الرسمية والشعبية في الذكرى التاسعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي قيل إن أتباع الداعية الإسلامي فتح الله جولان قد قاموا بها في 15 تموز يوليو 2016 واتهم وزير الداخلية سليمان صويلو آنذاك ابن زايد بتمويل هذا الانقلاب.
ودفع ذلك الإعلام الموالي للرئيس إردوغان إلى شن حملة عنيفة ضد أبو ظبي وناشد البعض من الإعلاميين الجيش التركي لقصفها والقضاء على نظام بن زايد.
كل ذلك مع استمرار تضارب المصالح بين الطرفين، حيث كانت تركيا والإمارات في خندقين معاديين في ليبيا والصومال والعراق وسوريا، عندما كانت أنقرة تدعم الإسلاميين، في الوقت الذي لم ولا تخفي فيه أبو ظبي قلقها من صعود التيار الإسلامي والإخوان المسلمين بالذات في المنطقة.
وأما الموضوع الأكثر إثارة في علاقات أنقرة مع أبو ظبي، فهو إقامة رئيس إحدى عصابات المافيا التركية ويدعى سادات باكار في الإمارات، حيث كان يتحدث عبر حسابه في اليوتيوب عن قضايا الفساد الخطيرة التي تورّط بها الرئيس إردوغان وأفراد عائلته ووزراؤه والمقربون منه.
ودفع ذلك أنقرة إلى عقد صفقة خفية لا يدري أحد تفاصيلها أسهمت في إقناع الإمارات بمنع باكار من بث فيديوهاته التي كانت تشاهد يومياً من قبل ما لا يقل عن 20 مليون مواطن اطلعوا على خفايا السياسة الداخلية والخارجية ولم يكذبها أي مسؤول رسمي.
وأما انضمام أبو ظبي إلى الاتفاقية الإبراهيمية وقبلها تحالفاتها الخفية والعلنية مع الكيان العبري، دفعا الرئيس إردوغان للمصالحة، لا فقط مع الرياض بل "تل أبيب" أيضاً والتي قام رئيسها هرتسرغ بزيارة تركيا في 9 آذار/مارس 2022 ولحق به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 22 حزيران يونيو 2023 وذلك رداً على زيارة الرئيس إردوغان للرياض في نيسان أبريل 2022 بعد أن أغلقت تركيا رسمياً ملف مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول 2 أكتوبر تشرين الأول 2018 وحمّل الرئيس إردوغان آنذاك الأمير محمد بن سلمان مسؤوليتها.
وأما في سوريا فقد كان الطرفان التركي والإماراتي في خندقين معاديين بسبب التحالف التركي مع قطر المنافس، وأحياناً العدو التقليدي للإمارات والسعودية، وتصدّتا معاً للدور التركي في سوريا والمدعوم من الرئيس ترامب الذي عين صديقه الشخصي توم باراك سفيراً في أنقرة ومبعوثاً شخصياً له إلى سوريا ولبنان.
وسط المعلومات التي تتحدث عن صداقات سابقة بين باراك والرئيس إردوغان الأكثر حظاً من محمد بن زايد ويقال إن باراك يعاديه لأسباب شخصية.
وأما التنسيق والتعاون الإماراتي مع الكيان الصهيوني في المنطقة وبشكل خاص في سوريا و أخيراً في جنوبها حيث الدعم الإسرائيلي العلني للدروز، تتحدث المعلومات باستمرار عن دور إماراتي في مناطق الدروز، وذلك منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد ولعبت تركيا في ذلك الدور الرئيسي وفق كلام ترامب.
ويفسر كل ذلك الدعم التركي المطلق لحكام دمشق الجدد مع المعلومات التي تتحدث عن وجود الممثلين الأتراك في جميع مؤسسات وأجهزة الدولة السورية الجديدة، التي تريد لها أنقرة أن تكون بوابتها لمزيد من التمدد في المنطقة، كمنافس لتل أبيب، التي تستمر في قصفها لسوريا منذ اليوم الأول لسقوط نظام الـأسد.
وهو ما لم تبالِ به أنقرة طالما أن ذلك لا يعرقل مشاريعها ومخططاتها لإحكام سيطرتها على مجمل مجالات الحياة السياسية والعسكرية والاستخبارية والاقتصادية في سوريا التي تتعرض للعديد من التيارات الإقليمية والدولية.
ووضع كل ذلك سوريا في دوامة هذه التيارات التي تتطلب العديد من التحالفات وأهمها بين "إسرائيل" والإمارات وبدعم من واشنطن التي تتلاعب مع جميع الأطراف طالما أنها لا تتردد في تلبية كل الشروط والمطالب، بل التوجيهات والتعليمات الأميركية التي تهدف في نهاية المطاف لضمان المصالح الإسرائيلية إلى الأبد وأيّاُ كان ثمن ذلك بالنسبة للأطراف الأخرى.
ويشهد التاريخ أنها ومنذ سنوات طويلة تتنافس بل تتصارع فيما بينها تارة لأسباب سياسية وأخرى قومية ودينية وطائفية وتاريخية بل وحتى شخصية كما هي الحال بين حكام الخليج والبعض منهم مع الرئيس إردوغان الذي أثبت حتى الآن حنكته السياسية في التعامل مع قضايا المنطقة، وخاصة سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان ولبنان،ا وأحد أهم منافسيه هناك هو الشيخ محمد بن زايد حليف الرئيس المصري السيسي.
ويحظى بدوره بدعم ابن زايد وابن سلمان في مساعيه للتصدي للدور التركي في الدول المذكورة، وأهمها الآن سوريا، باعتبار أنها قفل ومفتاح كل قضايا المنطقة برمتها وترى فيها "تل أبيب" عمقاًً استراتيجياً لمجمل مخططاتها ومشاريعها الدينية والعقائدية.
وهذا هي الحال بالنسبة لأنقرة التي تنظر إلى المنطقة بعيون عثمانية مطعّمة قومياً ودينياً، أي إسلامياً إخوانياً سنياً. مع التذكير بأن هذا التاريخ العثماني لا يتضمن أي ذكريات سيئة مع اليهود، كما هي الحال بالنسبة للجمهورية التركية التي اعترفت بالكيان العبري بعد أقل من عام من قيامه على أرض فلسطين عام 1948.
وتحولت هذه القضية، أي فلسطين بعد ذلك التاريخ، إلى مادة دسمة في أحاديث أنقرة الحماسيّة منذ تسلّم العدالة والتنمية للسلطة في تركيا نهاية2002.
وشهدت علاقات تركيا بعد ذلك التاريخ مع الكيان الصهيوني العديد من فترات الفتور والتوتر، كما هي الحال في العلاقات مع العواصم العربية، التي أثبتت دائماً فشلها في معالجة أيٍ من قضايا المنطقة والسبب في ذلك هو تواطؤها جينياً مع المسبب الرئيسي لهذه القضايا ألا وهو الكيان العبري وداعمه المطلق النظام الامبريالي الاستعماري.
ويعرف الجميع أن عملائه كثيرون في المنطقة ويتنافسون فيما بينهم لإحكام سيطرتهم على دمشق في الوقت الذي يستغل فيه الكيان العبري هذا الغباء وأحياناً التواطؤ بانعكاساته على العداء القومي والديني والطائفي سورياً وإقليمياً، ومن أجله فقط تكاتف الأصدقاء والأعداء بكل عجائبهم وغرائبهم، فأوصلوا الجولاني وجماعته إلى السلطة في دمشق ليقوم بما هو مطلوب منه ليس فقط ضد العلويين والمسيحيين والدروز، بل ضد كل من يعرقل المشروع الصهيو-أميركي في لبنان والعراق وبعدهما اليمن ثم إيران والمنطقة برمتها!