خصوم المقاومة في مرمى المشروع الأميركي الإسرائيلي
تفقد المنطقة جزءاً من التوازن الذي شكّله محور المقاومة، فيما الدول التي شكّلت جبهة مضادة له، تجد نفسها في مرمى المشروع الأميركي-الإسرائيلي، الذي لا يستثني أحداً وليس بالضرورة أن تنجو منه.
-
المشروع القائم على الهيمنة والتسلط لا ينظر إلى هذه الدول ككيانات ذات سيادة.
لطالما كرر سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، خاصةً في بدايات عملية "طوفان الأقصى"، أن القتال في غزة ولأجلها لا يمثل فقط إسناداً لفلسطين، بل هو دفاع عن مصر والأردن وسوريا والسعودية والأمن القومي العربي بأكمله. وقد شدد السيد الشهيد على أن الهزيمة في غزة تعني تهديداً مباشراً لكل الدول والأنظمة العربية، بمعزل عن مواقفها أو علاقاتها مع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية.
اليوم، تفقد المنطقة جزءاً من التوازن الذي شكّله محور المقاومة، فيما الدول التي شكّلت جبهة مضادة له وعملت طوال سنين لإيجاد بيئة استراتيجية تعاديه، سواء عبر دعم الإرهاب في سوريا أم الحرب على اليمن، أم زعزعة الاستقرار في لبنان من خلال الحصار الاقتصادي، تجد نفسها في مرمى المشروع الأميركي-الإسرائيلي، الذي لا يستثني أحداً وليس بالضرورة أن تنجو منه.
هذا المشروع القائم على الهيمنة والتسلط لا ينظر إلى هذه الدول ككيانات ذات سيادة، بل يتعامل معها على أنها "دول وظيفية" يُستغلّ مالها ونفوذها وإمكاناتها لخدمة أهدافه وسياساته ومشاريعه. وفي اللحظة التي تفقد فيها هذه الدول وظيفتها ودورها، تتحول إلى ملعب بحد ذاته تمارس فيه التآمر والتسلط، بلا اعتبار لمواقفها السابقة أو تحالفاتها.
وهذا يؤكد أن محور المقاومة لم يكن مصدر قوة لمكوناته فقط، بل شكّل أيضاً عامل توازن ضمني حتى لخصومه. ومع بدء تراجع هذا المحور، سارعت "إسرائيل" إلى استغلال الفراغ، فبدأت بترجمة سعيها نحو الهيمنة والتوسع، في مشهد يطال جميع دول المنطقة بلا استثناء.
وفيما يلي، نتوقف عند أبرز هذه الدول والمخاطر التي باتت تتهددها نتيجة غياب التوازن الذي فُقد منذ نحو عامين:
مصر: تُعد مصر دولة مركزية ومحورية في المنطقة وهي صاحبة دور أساسي تجاه القضية الفلسطينية وتجاه غزة تحديداً، لكنها اليوم مهددة بشكل مباشر. فـ"إسرائيل" تلوّح بإمكانية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، كما تضع الجيش المصري في دائرة الاستهداف. وهي مهددة في ملف مياه النيل وتحيطها المخاطر من ناحيتي ليبيا والسودان.
سوريا: كانت، في ظل محور المقاومة، دولة تبسط سلطتها على خطوط المواجهة في جبهة الجولان، تشكّل تهديداً مباشراً لـ"إسرائيل". اليوم تفقد سوريا أراضيها ذات الأهمية الاستراتيجية من جبل الشيخ إلى حوض اليرموك، وتُستهدف يومياً بالقصف وتتعرض العاصمة دمشق لاعتداءات متكررة لم توفر قصرها الجمهوري ووزارة الدفاع، وتُمنع من بسط سلطتها على جنوبها. ووصلت الأمور إلى حد ترسم فيه "إسرائيل" "خطوطاً حمراً" في قلب الدولة السورية.
السعودية: سعت المملكة إلى لعب دور "عرّاب السلام"، وأبدت استعدادها للانخراط في مسار تطبيع مع "إسرائيل" مقابل قيام دولة فلسطينية وفق "مبادرة السلام العربية". لكنها اليوم تبدو خارج دائرة التأثير. فلا واشنطن ولا تل أبيب تُعيران رؤيتها أو شروطها أي اهتمام.
تواصل "إسرائيل" فرض وقائع جديدة في الضفة الغربية، وتمنع حتى وزراء الخارجية العرب — بمن فيهم وزير الخارجية السعودي — من زيارة مقر السلطة الفلسطينية. كما تفرض واقعاً يتجاوز ويتخطى أي دور محتمل لها.
في الوقت نفسه، تقاطع واشنطن مؤتمراً دعت إليه السعودية لمناقشة حل الدولتين، بينما يقوم رئيس مجلس النواب الأميركي بزيارة المستوطنات في الضفة، مُعلناً دعم بلاده للسيطرة الإسرائيلية عليها. أما في سوريا، فتبدو السعودية عاجزة عن حماية مقارّ السلطة الجديدة التي تُعد حليفة لها، في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية المتكررة على تلك المواقع.
الأردن: الوصيّ على القدس، يشهد انتهاكاً يومياً للمسجد الأقصى على أيدي المستوطنين الإسرائيليين في محاولة لتكريس تحويل المسجد الأقصى إلى هيكل صهيوني.
تهديدات التهجير من غزة، التي عبّر عنها الرئيس الأميركي ترامب بشكل واضح أمام الملك الأردني، الذي ظهرت على وجهه علامات الإرباك والقلق، قد تتوسع لتشمل دعوات لاستقبال أهل الضفة وعرب الـ48، ما يضع الأردن أمام تهديد وجودي حقيقي.
لا تتوقف التداعيات على الدول العربية، بل تصل إلى دائرة الدول الإسلامية وخاصة تركيا وباكستان.
فرغم كون تركيا عضواً في حلف الناتو وحليفاً تاريخياً للولايات المتحدة وتقيم علاقات مع "إسرائيل"، فإنها لم تحظَ بأي احترام لنفوذها وما تعتبره مصالح لها في سوريا. لم تتردد "إسرائيل" باستهداف قواعد عسكرية كانت تنوي تركيا التواجد فيها ووضعت حدوداً للنفوذ التركي في سوريا عبر النار، وتستغل الثغرة الكردية في الشرق السوري لتهديد أمنها القومي.
كما أن باكستان الدولة النووية الإسلامية، لم تسلم من التهديدات الإسرائيلية، بسبب موقعها ووزنها الاستراتيجي.
هذه الوقائع تشير بوضوح إلى أنه حتى الدول التي لم تكن ضمن محور المقاومة، بل عارضته في كثير من المحطات، لم تنجُ من ارتدادات المشروع الإسرائيلي الأميركي في المنطقة.
صحيح أن المعركة لم تُحسم بعد، والحرب لم تنتهِ، إلا أن هذه الدول مدعوة إلى إعادة حساباتها بسرعة، ومطالبة بأن تستفيق من غفلتها.
لكن، للأسف، يشير كثير من المعطيات التاريخية إلى أن "مرض" هذه الأنظمة قد يكون عضالاً، وأنها قد لا تتحرك حتى بعد أن تطالها التداعيات.
هذه التداعيات ستكون ثقيلة على هذه الدول سواء تطورت الأمور نحو مزيد من الهيمنة الأميركية الإسرائيلية، أم شهدنا نهضة جديدة لمحور المقاومة. وهذا احتمال مرجّح في ظل صمود إرادة شعوبه ووعيها.