سماح إدريس.. على دين فلسطين

من يعرف سماح، يعرف عشقه للمخيّمات الفلسطينية، سواء كانت في لبنان أو سوريا أو في أيِّ بقعة من بقاع الأرض. في العام 2011، وجَّه رسالة مفتوحة إلى "أبطال المخيمات الفلسطينية".

  • كان إدريس يعتبر أنَّ مقاومة التطبيع هي عزل لـ
    كان إدريس يعتبر أنَّ مقاومة التطبيع هي عزل لـ"إسرائيل"

سماح إدريس هو المثقّف المقاوم المجسّد لمقولة "الموقف سلاح". غيَّب الموت عاشق فلسطين بعد صراع قصير مع المرض. لم يمهله اللعين وقتاً كافياً، وخطفه بعد أشهر قليلة من إصابته. إدريس اسم معروف على أكثر من مستوى. كان مثقّفاً وناقداً أدبياً، ورئيس تحرير مجلة "الآداب"، وعضواً مؤسّساً في "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل" في لبنان والعالم.

كان إدريس يعتبر أنَّ مقاومة التطبيع هي عزل لـ"إسرائيل"، وأي موقف تجاه العدو المغتصب هو فعل مقاوم، وأطلق في ذكرى يوم الأرض موقعاً إلكترونياً لحملة مقاطعة داعمي "إسرائيل"، ودليلاً بأبرز الشركات الداعمة للكيان الصهيونيّ.  

كان إدريس يعتقد أنّ مقاومة الاحتلال لا تتمّ بسلاح حربي فحسب، وأن كل موقف تجاه العدو الصهيوني هو أيضاً مقاومة تتكامل مع مقاومة السلاح. كانت حركة المقاطعة تُعتبر من أهم الحركات في العالم العربي. وقد قوبلت بالهجوم اللاذع. 

قامت شركة يتولى إدارتها جهاد المر برفع دعوى على ناشطي "حملة مقاطعة إسرائيل" وشركاء لهم، على خلفية دعوتهم إلى مقاطعة حفل موسيقي لفرقة "بلاسيبو"، وزعمت أنَّ المدَّعي عليهم تسبّبوا بأضرار للشركة قدرتها الجهة المدعية بمبلغ 180 ألف دولار أميركي، نظراً إلى تراجع مبيع بطاقات الحفلة، مع المطالبة بإلزام الناشطين المدعى عليهم بتسديدها كتعويض عطل وضرر.

وكانت الدعوة إلى المقاطعة قد استندت إلى قيام فرقة "بلاسيبو" بإحياء حفلة في "إسرائيل". وقد صرح أحد أعضائها للإعلام الإسرائيلي داعماً الخطوة الإسرائيلية ضد "أسطول الحرية"، وهو الهجوم الإسرائيلي على السفينة في المياه الإقليمية، والذي أدى إلى استشهاد نشطاء.

أشاد إدريس بمنع فيلم "وندر ومن" في لبنان، التي كانت بطلته مجنّدة سابقة في قوات الاحتلال (غال غادوت): قائلاً: "مبروك لفلسطين، مبروك للشرفاء في لبنان، مبروك للمقاطعة، مبروك للمقاومة"، مضيفاً: "التطبيع تلقّى ضربة مجلجلة مع منع فيلم الجندية الإسرائيلية من العرض في صالات لبنان".

كان لإدريس مواقف هجوميّة لاذعة تجاه كلّ من يتهاون في الحديث عن الكيان المغتصب. هاجم سابقاً زيارة البطرك الماروني الراعي للأراضي الفلسطينية المحتلة، قائلاً إن زيارته لا تحقق شيئاً من صمود المسيحيين في أرضهم، وتخرق إنجازات المقاطعة العالمية لـ"إسرائيل"، وناشد الفصائل الفلسطينية واللبنانية والعربية رفض هذه الزيارة التي تلمّع صورة الكيان، وتظهره "دولة ترحب بخصومها، لا دولة تقتل جيرانها، وتقتل سكان فلسطين الأصليين".

من يعرف سماح، يعرف عشقه للمخيّمات الفلسطينية، سواء كانت في لبنان أو سوريا أو في أيِّ بقعة من بقاع الأرض. في العام 2011، وجَّه رسالة مفتوحة إلى "أبطال المخيمات الفلسطينية"، متحدثاً عن لقائه بهم وانفجاره بالبكاء عندما سمع أنهم يدفعون من جيوبهم المثقوبة من أجل فلسطين. 

كان إدريس يبحث دائماً عن طريقة لإخراج أبناء المخيمات من الإحباط الَّذي يشعرون به. كان يعشق كلّ شيء من رائحة فلسطين، وكان يستفيض في الحديث عن مخيّمات العودة، ويشير إلى أنها كانت تذكّره بالحكيم جورج حبش.

كان إدريس قد تحدث عن تلقيه اتصالاً من حبش، عبّر آنذاك الأخير عن احترامه له، وطلب منه زيارته في دمشق. يقول إدريس إنه انفجر بالبكاء عند وفاته، وكأنَّ المتوفى والده أو والدته، وكأنه خسر قطعة من روحه، وكأنَّ عالمه أضاع توازنه إلى الأبد.

تلقّى سماح العديد من الرسائل في فترة علاجه، وأبرزها رسالتان من الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات، وأخرى من المناضل اللبناني في السجون الفرنسية جورج عبد الله، اللذين تمنيا التعافي له، ولكن للأسف خطفه الموت من محبيه ورفاقه وساحات النضال. 

فلسطين، حملة المقاطعة، مجلة "الآداب"، أهلك، أصدقاؤك، وأنا... سنشتاقك دوماً.