عملية الاستخبارات الإيرانية.. التوقيت والرسائل

عملية استخبارية إيرانية استثنائية بهذا الحجم وبتلك النوعية تمثّل نجاحاً مبهراً للعمل الاستخباري للجمهورية الإسلامية في مقابل الفشل الذريع لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

0:00
  • الرسائل الإيرانية و المكاسب المتوقعة.
    الرسائل الإيرانية و المكاسب المتوقعة.

ليس من المبالغة القول بأن العملية الاستخبارية المعقدة التي نفذها جهاز الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترقى إلى مستوى الوصف بالزلزال الاستراتيجي الذي أصاب الكيان الصهيوني، ووفقاً لما أعلنه التلفزيون الإيراني فإن كمية ضخمة من المعلومات والوثائق الاستراتيجية ذات الحساسية الخاصة بـ "إسرائيل" من بينها آلاف الوثائق المتعلقة بمشاريع الاحتلال الإسرائيلي ومنشآته النووية قد جرى الحصول عليها ونقلها بالكامل وبشكل آمن إلى داخل إيران، حيث بدأت عملية دراستها واستعراض الصور والمقاطع المصاحبة لها والتي ستستغرق وقتاً طويلاً، فيما أكدت مصادر إيرانية مطلعة أن العملية تمت منذ مدة، لكن الإعلان عنها تأخر إلى حين التأكد من نقل هذا الحجم الضخم من الوثائق إلى الداخل الإيراني...

توقيت وظروف الإعلان عن العملية

جاء الإعلان الإيراني عن العملية في توقيت حساس ومهم بعد أسبوعين من انتهاء جولة المفاوضات الخامسة بين طهران وواشنطن حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات، حيث قدمت واشنطن مقترحاً مكتوباً لطهران عبر الوسيط العماني، تضمّن وقف تخصيب اليورانيوم وإنشاء اتحاد إقليمي للتخصيب خارج الأراضي الإيرانية، وعلى الرغم من أن طهران قالت إنها تسلمت المقترح الأميركي وتعكف على دراسته، فإن مصادر إيرانية وصفت هذا المقترح بالخيالي والأحادي وغير القابل للتطبيق، فيما حسم قائد الثورة السيد علي الخامنئي الموقف برفضه للمقترح الاميركي قائلاً: "إن التخلي عن تخصيب اليورانيوم يتعارض تماماً مع مصالح البلاد وسيادتها".

من جانبٍ آخر يأتي الإعلان الإيراني عن العملية الاستخبارية النوعية قبيل انعقاد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي من المتوقع ان تستغله الدول الأوروبية "فرنسا ، ألمانيا ، بريطانيا" لاستصدار قرار ضد طهران، وإحالة ملفها النووي إلى الأمم المتحدة، بعد التقرير المسيس لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافييل غروسي"، الذي اعتبر فيه أن تعاون طهران غير كامل، وبأنها تمتلك المكونات اللازمة لصناعة السلاح النووي، وهو موقف رفضته طهران، وأكدت انحياز غروسي وتسييسه لتقريره، واتهمته بالاعتماد على مصادر إسرائيلية عند إعداده له، وهددت الدول الأوروبية برد حاسم، واصفة موقفها بالموقف الخبيث.

وفي إطار ثالث جاءت العملية الاستخبارية الإيرانية بعيد تصاعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، في حال فشلت المفاوضات حول البرنامج النووي، وهو ما يشكل في جانب منه محاولة للضغط على طهران للقبول بالشروط والمقترحات الأميركية، وخاصة ما يتعلق منها بوقف التخصيب.

أيضاً؛ تنتظر طهران وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي من المقرر أن يقوم بزيارة قريبة لإيران لعقد صفقات مشتركة بقيمة 8 مليارات دولار ، وكان بوتين وخلال محادثته الهاتفية الأخيرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد عرض التدخل والمساعدة في المفاوضات بين طهران وواشنطن حول الملف النووي ، والذي من المرجح أن يشكل أحد أهم محاور محادثاته مع القادة الإيرانيين .

الرسائل الإيرانية و المكاسب المتوقعة 

على الرغم من عدم توفر معلومات وتفاصيل كثيرة حول محتوى الوثائق التي وصفتها طهران بالاستراتيجية، فإن ما تعمّدت إيران كشفه حول علاقتها بمشاريع "إسرائيل" ومنشآتها النووية، وكذلك توقيت الإعلان عنها، يقودنا ذلك للحديث عن النتائج المحتملة لتلك العملية و آثارها، والرسائل التي أرادت إيران إيصالها لخصومها، على وجه الخصوص، وربما لأصدقائها أيضاً : 


أولاً؛ رسالة ردع عسكرية: حيث أرادت إيران القول إن امتلاكها للوثائق المتعلقة بالمنشآت النووية الإسرائيلية يوفر لها البيانات الكافية لاستهدافها عسكرياً، في حال أصرت "إسرائيل" والولايات المتحدة على تنفيذ تهديداتها باستهداف المنشآت النووية الإيرانية =، وبالتالي فإن على واشنطن و "تل أبيب" سحب ورقة التلويح بالعمل العسكري ضد إيران عاجلاً غير آجل .

ثانياً؛ رسالة ردع سياسية: أصبحت إيران تمتلك هامشاً واسعاً من المناورة الدبلوماسية و السياسية في إطار ردها المنتظر على المقترح الأميركي، والذي يمكن تضمينه ما يلزم من المواقف الصلبة التي ستجبر الولايات المتحدة على الانخراط الواقعي في البحث عن حلول ممكنة وقابلة للتنفيذ بعيداً عن فرض رؤيتها، ويتماشى في الوقت ذاته مع مصالح طهران.

ثالثاً؛ رسالة ردع قانونية: إن امتلاك طهران معلومات تفصيلية ودقيقة عن البرنامج النووي الإسرائيلي، بما في ذلك السلاح النووي الذي ترفض اسرائيل الاعتراف به وتمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الكشف على منشآتها، سيصيب الوكالة الدولية ورئيسها والدول الأعضاء الممثلة في مجلس المحافظين فيها، بحرج قانوني سيضطرهم لإعادة حساباتهم قبل اتخاذ مواقف مسيسة ضد طهران، التي بات بإمكانها طرح تفاصيل البرنامج النووي الإسرائيلي أمام مجلس محافظي الوكالة.

رابعاً؛ رسالة ردع إقليمية : إن انفضاح تفاصيل البرنامج النووي الإسرائيلي في الإقليم سيؤدي لزاماً إلى طرحه كمسألة تهدد السلم الإقليمي، وهو ما سيبدّل مواقف دول الإقليم تجاه هذا الكيان ويمنحها ورقة ضغط في سياساتها تجاهه.

خامساً؛ رسالة ردع تكنولوجية استخبارية : إن عملية استخبارية بهذا الحجم وبتلك النتائج لا تقل أهمية وحرفية عن عملية تفجيرات البيجر التي نفذتها "اسرائيل" ضد المقاومة اللبنانية، ولا عن عملية شبكة العنكبوت التي نفذتها أوكرانبا ضد المطارات الروسية، بل يمكن الجزم بأن عملية الاستخبارات الإيرانية تتفوق على العمليتين، سواء من حيث نتائجها المستقبلية أم من حيث توصيفها كعملية أمنية نظيفة، وهو ما يثبت لإيران تطوراً مهماً وتفوقاً في مجال العمل الاستخباري، لا على الصعيد الإقليمي فحسب، بل على الصعيد العالمي، إذا ما علمنا أن "إسرائيل" تتلقى دعماً استخبارياً من دول كثيرة .

سادساً؛ من المؤكد أن هذه العملية ستترك آثارها على الداخل الإسرائيلي، وعلى حكومة نتنياهو المترنحة أصلاً، وستزيد الانقسام الشاقولي في الجيش وأجهزة الاستخبارات والأمن، وفي المجتمع الإسرائيلي، وبشكل أو بآخر، فإنها ستجعل "إسرائيل" مكشوفة أكثر على كل الأصعدة وخاصة الأمنية و العسكرية منها.

ختاماً ؛ لا شك في أن عملية استخبارية استثنائية بهذا الحجم وبتلك النوعية تمثّل نجاحاً مبهراً للعمل الاستخباري للجمهورية الإسلامية، في مقابل الفشل الذريع لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وعلى رأسها جهاز الموساد الذي شكّل لعقود طويلة رمزاً للهيبة والقوة الضاربة والدرع الحامية للكيان الصهيوني قبل أن تتحطم أسطورته على أيدي رجالات إيران وتكون لهم اليد العليا في النزال ...