قمة القاهرة.. بين الهمم والذمم

مجريات قمة القاهرة أثبتت أنها في وادٍ والحكام العرب في وادٍ آخر، ما داموا لم يتطرقوا إلى  مخططات الكيان الصهيوني ومشاريعه، ليس فقط في غزة والضفة الغربية، بل في الجنوب  السوري واللبناني واليمن.

0:00
  • أثبتت مجريات قمة القاهرة أنها في وادٍ والحكام العرب في وادٍ آخر.
    أثبتت مجريات قمة القاهرة أنها في وادٍ والحكام العرب في وادٍ آخر.

في ختام القمة العربية الطارئة التي دعا إليها الرئيس السيسي لمواجهة الضغوط التي يتعرض لها من الرئيس ترامب، أقر الزعماء العرب، وبغياب عدد كبير منهم، الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، ومن دون أي اتهام لمن دمرها.

تفتقر الخطة إلى أي صياغة واضحة في ما يتعلق بكيفية تطبيقها وتمويلها مع استمرار التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلى الحرب في غزة، وهو ما يحظى بدعم الرئيس ترامب الذي يرى في الخطة المصرية تحدياً شخصياً له ولمشاريعه، ليس فقط في غزة، بل في المنطقة عموماً، والتي يريد  لها أن تبقى تحت الهيمنة الأميركية-الإسرائيلية المشتركة.

وهو ما حققه، على الأقل حتى الآن، بغياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد عن قمة القاهرة، على الرغم من قمة الرياض التي سبقتها بأيام ودعا إليها محمد بن سلمان شخصياً وحضرها السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله إلى جانب حكام دول الخليج.

ويبدو واضحاً أنهم يتهربون جميعاً من أي مواجهة ساخنة مباشرة أو غير مباشرة مع الرئيس ترامب بعد ما ما فعله بالرئيس الأوكراني  زيلينسكي، ومن خلاله بعث برسائله الشخصية إلى هؤلاء الحكام،  وهو ما كان يفعله على الهواء مباشرة في العديد من المناسبات، وهو يقول لهم "عليكم أن تدفعوا لنا لأنه لولا أميركا لما بقيتم في السلطة يوماً واحداً".

وربما لهذا السبب غاب محمد بن  سلمان ومحمد بن زايد عن قمة القاهرة، وبناءً على تعليمات ترامب الذي سيزور الرياض قريباً، كما غابا عن ساحة التطورات في سوريا، وقبل ذلك غزة التي دمرها الكيان الصهيوني أمام أنظار الأنظمة العربية التي وقفت موقف المتفرج، بل لم تخف فرحتها من العدوان الإسرائيلي على لبنان والجرائم التي ارتكبها بحق قادة المقاومة، وقبل ذلك قادة حماس.

وعظمت فرحة هذه الأنظمة بسقوط النظام في دمشق، وتسليم السلطة للفصائل المسلحة المصنفة في لوائح الإرهاب لتعكس بوضوح حجم التنسيق والتعاون بينها وبين واشنطن و"تل أبيب" التي استغلت الأحداث الأخيرة فاحتلت أجزاء واسعة من الجنوب السوري، وراحت تهدد كل من يعمل من أجل وحدة سوريا وسيادتها.

وهو التهديد الذي كان واضحاً في خطاب نتنياهو الأخير، متحدثاً عن استعدادهم لحماية حقوق الأقليات من الدروز والعلويين والكرد شرق الفرات، في محاولة منه لرفع سقف مساوماته مع أنقرة التي تتحكم بالقرار السوري، وعندما يقرر الرئيس ترامب ماذا سيفعل  في الشرق الأوسط بعد الانتهاء من ملف أوكرانيا والاتفاق مع الرئيس بوتين حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية.

وأثبتت مجريات قمة القاهرة أنها في وادٍ والحكام العرب في وادٍ آخر ما داموا لم يتطرقوا، ولو بكلمة واحدة، إلى  مخططات الكيان  الصهيوني ومشاريعه، ليس فقط في غزة والضفة الغربية بل في الجنوب  السوري واللبناني، على أن يكون اليمن الهدف التالي في هذه المشاريع والمخططات التي كانت وستبقى ضمن اهتمامات الرياض وأبو ظبي  ومن معها من حكام الخليج.

ولعبوا جميعاً دوراً رئيسياً في تطبيق السيناريو الصهيو- أميركي الخاص بلبنان، والذي انتهى بانتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية  ونواف سلام رئيساً للحكومة، ويريد لهما ترامب ومعه نتنياهو أن يرتبا الساحة اللبنانية وفق المزاج الإسرائيلي، وذلك باستبعاد حزب الله من مجمل المعادلات اللبنانية العسكرية منها والسياسية.

كما يريدان(ترامب ونتنياهو) للرئيس محمود عباس أن يستبعد حماس من معادلات غزة من خلال وضع القطاع  تحت سلطة واحدة بإشراف ما يسمّى الدولة الفلسطينية المدعومة من أنظمة الخليج، وبضوء أخضر من ترامب ونتنياهو.

ويؤكدان معاً رفضهما  بقاء حماس بقوتها العسكرية في غزة، وهو ما يتمناه الرئيس  عباس منذ زمن طويل ومعه أنظمة الخليج التي تتسابق فيما بينها لكسب ودّ ترامب ورضاه ودعمه لها مع استمرار المنافسات وأحياناً العداءات التقليدية بين هذه الأنظمة بتسمياتها المعروفة من آل سعود إلى آل ثاني إلى آل نهيان وآل الصباح وغيرهم.

وكادوا يقتتلون فيما بينهم صيف 2017 بانحياز الرئيس إردوغان إلى جانب آل تميم فيما وقف عدوّه اللدود آنذاك السيسي إلى جانب الرياض وأبوظبي.

وإلى أن جاءت واشنطن وطلبت من الجميع وضع حد نهائي لهذه المسرحية التي انتهت في يناير/ كانون الثاني 2021 في قمة العلا، وما نتج عنها من مصالحات غريبة ومثيرة بين كل الأطراف المتنافسة والمتعادية، وجميعها تتلقى التعليمات من مركز واحد يأتمر الجميع  بتعليماته.

و إلا لما صفق الجميع لتسليم السلطة في دمشق لـ"هيئة تحرير الشام"، وتسابقوا فيما بينهم وحتى الرئيس السيسي وهو الذي أطاح محمد مرسي الإسلامي، للاعتراف بأحمد الشرع، على الرغم من أن  الشرع أكثر تطرفاً منه بعشرات إن لم نقل  مئات المرات في العقيدة والسلاح،  وإلا لما قام بتعيين المواطن المصري علاء عبد الباقي ومحكوم عليه بالسجن المؤبد بتهم إرهابية في منصب مهم في الجيش السوري.

وفي جميع الحالات، وبغياب الهمم العربية في قممها المتكررة ومن دون أي جدوى يبقى الرهان على صمود الشعوب التي برأت ذممها من حكامها بعد أن أثبتوا ولاءاتهم الجينية للعدو المشترك من دون خجل وملل.

ليس هناك أي تفسير منطقي لما شاهدناه من مسرحية المضحك المبكي في قمة القاهرة التي أراد لها الرئيس السيسي أن تنقذ ماء وجهه، وتمنحه فرصة المساومة مع الرئيس ترامب الذي سيدعوه قريباً إلى واشنطن، باعتبار أن مصر هي الطرف المباشر في مشاريع ترامب الخاصة بغزة وحماس، وبالتالي القضية الفلسطينية التي غابت عن قمة القاهرة، كما ستغيب عن الاجتماع الوزاري لـ"منظمة التعاون الإسلامي" في الرياض.

وبعد أن غابت طيلة السنوات الماضية عن كل القمم العربية والإسلامية، وكان المتآمرون فيها دائماً أكثر عدداً وعدة من أولئك الشرفاء والمخلصين الذين ضحوا بالكثير والكثير من أجل هذه القضية الإنسانية، قبل أن تكون عربية وإسلامية .