لماذا نفتقد السيد الأمة؟

ثابتون نحن على درب الثورة والمقاومة والتحرير، دربك الذي مضيت عليه، لا يساورنا شك أو تردد، لكننا نفتقدك لأنك كنت القائد، والسيد، والصادق، والمحب.

0:00
  • لم يكن أباً فحسب، بل كان معلماً أيضاً.
    لم يكن أباً فحسب، بل كان معلماً أيضاً.

يستطيع الواحد منّا تعداد عشرات وربما مئات الأسباب، وتعزيزها بالأحداث التي أصابت الأمة من محيطها إلى خليجها بعد غيابه. بعيداً من ذلك التحليل المنطقي، فإن في صدر كل واحد منا أسبابه الخاصة، فهذا القائد لم يكتف بموقعه كزعيم سياسي لا يبارى، ولكنه تسلل إلى قلوبنا، فأصبح الأب الذي نطمئن لسماع صوته، ونصدق كل ما يقول مهما بدا مستحيلاً. ننظر إليه بافتخار الابن بأبيه صانع المعجزات، فتكاد تشعر بيده تربّت على كتفك وتمنحك الثقة حتى لو كان غائباً. 

لم يكن أباً فحسب، بل كان معلماً أيضاً فلا يكاد يمر جدال أو نقاش حول ما يصيب عالمنا إلا ونجد الحاجة للعودة إلى ما قاله سماحته لنستشهد به. امتلك منطقه وجدله الخاصين، فقدم تفسيراً لكل ما يمكن أن نمر به من أحوال سياسية، لينتهي إلى جدلية الانتصار من خلال مقولته "قطعاً سننتصر". لم تكن تلك المقولة نبوءة معلقة في الهواء، ولا حتى وعداً دينياً خالصاً، بل جدلية ربط بين الديني والدنيوي. فإذا كانت الشهادة تمثل الانتصار بمعناه الديني، فإن استمرار المقاومة، والمحافظة على فكرها قادران على نقل البندقية الجديدة إلى أجيال جديدة تعيد الكرة مرة بعد مرة، وتكيل الضربات للعدو حتى تحقق النصر. بين الإيمان والعمل يتحقق النصر، فالنصر العظيم يحتاج إلى مؤمنين عظماء، وكان السيد عظيم هذه الأمة.

بكيناه، وعلى مثله تبكي الرجال والنساء، وما زلنا بعد مرور عام على استشهاده نتساءل كيف يسير العالم على طبيعته وقد رحل. لكن العالم لا يسير على طبيعته، فالمجزرة في غزّة تتفاقم، والموت جوعاً تحوّل إلى خبر يسبق أو يتبع خبر الموت قصفاً، الضفة تُفرغ من سكانها، ونتنياهو يعلن بجرأة تتجاوز الوقاحة أنه ملتزم بحلم "إسرائيل الكبرى" على حساب فلسطين وسوريا والأردن ولبنان. الاعتداءات الصهيونية على لبنان تجاوزت 4500 اعتداء، العواصم العربية تقصف وسط صمت عربي رسمي يثير الشفقة أكثر مما يثير الغضب. كل هذا لم يكن ليحدث في زمن نصر الله، لأنه كان زمن العزّة والكرامة، زمن الوعد الصادق من السيد الصادق.

لم نيأس، فقد تعلمنا من سيد الشهداء أن المناضل إنسان متفائل بالمستقبل، تفاؤل ينبع من عقيدة مؤمنة بحتمية انتصار الشعوب المقهورة، إيمان يصل حد النبوءة. كيف ننسى لحظة عدوان تموز 2006 عندما كان الزعماء السياسيون يذرفون الدموع على الشاشات، فخرج إلينا ليقول: "انظروا إليها إنها تحترق"، واحترقت فعلاً في البحر وفي مارون الراس، وفي كل بقعة من جنوب لبنان. ولا نضن به على الشهادة، فمثله لم يكن ليموت على الفراش ضعيفاً عاجزاً، لأمثاله خلقت البطولة والاستشهاد في ساحات المعارك، وبدم القادة الذين يتقدمون جنودهم يكتب تاريخ المجد صفحاته، لا بتصريحات المتواطئين، وارتجاف الخائفين.

لقد تنفس من باعوك بثلاثين من الفضة الصعداء إذ رحلت، لأنك كنت تكشف عوراتهم الوطنية. أما أعداؤك فقد صالوا وجالوا في دمنا معتقدين أنك مرحلة وانتهت. هم لا يعلمون أنك أصبحت الحاضر كل لحظة في عقول وقلوب من أحبوك وساروا على دربك. نعترف أننا ما زلنا تحت تأثير الصدمة، لكننا نسمع صوتك في كل مرة تعربد فيها الطائرات في سماء بلادنا، ونلمح أصبعك المرفوع مع كل مشهد من مشاهد الموت في فلسطين أو لبنان أو اليمن، ونرى غضبتك أمام كل مشهد خنوع ممن أدمنوا الهزيمة. أنت الحاضر أكثر من أي أحد، في كل فكرة وخطوة على طريق القدس ودروب النصر، وأنت الغائب أكثر من أي أحد في كل لحظة يتسلل فيها اليأس والإحباط إلى قلوبنا.

عام مضى ونحن نحبس الدموع في مآقينا، وندفن الشوق إلى طلتك تحت ركام الأحداث اليومية، لعل ألم الغياب ينشغل عن قلوبنا، أو ننشغل عنه.

ثابتون نحن على درب الثورة والمقاومة والتحرير، دربك الذي مضيت عليه، لا يساورنا شك أو تردد، لكننا نفتقدك لأنك كنت القائد، والسيد، والصادق، والمحب.. نفتقدك كما يشعر الأطفال باليتم في غياب الأب. سنشغل أنفسنا بأحوال الدنيا مرة أخرى، لكن اسمح لنا يا سيد السادة أن نزورك مرة كل عام، في ذكرى ارتقائك، باكين فقدك، ضعفاء أمام غيابك، ثم نمضي وقد تزودنا منك بزاد يكفينا حتى العام القادم.