"إسرائيل": نسخة أكثر تطرفاً من نظام الفصل العنصري
ما قاله مادونسيلا يعكس حقيقة باتت معروفة لدى الرأي العام العالمي، وتشي بأن "إسرائيل" قد تواجه يوماً مصير نظام الفصل العنصري نفسه في جنوب أفريقيا.
-
هناك تشابهاً بين النظامين الإسرائيلي والجنوب أفريقي.
أثارت تصريحات سفير جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية، فوسيموزي مادونسيلا، الكثير من الانتباه على صعيد المنظمات الحقوقية في العالم، إذ اعتبر مادونسيلا إن "الإفلات المؤسسي من العقاب دفع إسرائيل إلى الانخراط في هذه الإبادة الجماعية، التي صدمت ضمير الإنسانية". وكان مادونسيلا نفسه قد أشار في شباط/ فبراير 2024، إلى أن "إسرائيل" تطبق نسخة "أكثر تطرفاً" من الفصل العنصري الذي شهدته بلاده.
والواقع، أن ما قاله مادونسيلا يعكس حقيقة باتت معروفة لدى الرأي العام العالمي، وتشي بأن "إسرائيل" قد تواجه يوماً مصير نظام الفصل العنصري نفسه في جنوب أفريقيا.
أولاً: تعريف جريمة الفصل العنصري
تُعرّف جريمة الفصل العنصري، بموجب "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" لعام 1973 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (مادة 7-2-ح)، بأنها:
أ- نظام مؤسسي للاضطهاد والهيمنة: أي وجود نظام ممنهج وراسخ تُمارس فيه فئة عرقية أو إثنية معينة السيطرة على فئة أخرى.
ب- ارتكاب أفعال لا إنسانية: تُرتكب هذه الأفعال في سياق ذلك النظام، مثل القتل، أو إلحاق ضرر جسيم، أو الاعتقال التعسفي، أو حرمان مجموعة من الحقوق والحريات الأساسية.
وتُشير تقارير صادرة عن منظمات دولية حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" (2021) ومنظمة العفو الدولية (2022) إلى أن السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تستوفي تعريف جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي.
ثانياً: الفصل القسري والاضطهاد المُمأسس
تتجلى أوجه التشابه المنهجي بين نظام الفصل العنصري الجنوب أفريقي والسياسات الإسرائيلية في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها من خلال أربعة محاور:
أ- الأساس القانوني: اعتمد نظام جنوب أفريقيا على قوانين صريحة وعلنية للفصل العرقي، مثل قانون تسجيل السكان وقانون المناطق الجماعية، لتأسيس نظام قانوني مُفصّل يُكرس التفوق العرقي للأقلية البيضاء، كذلك، تُرسخ السياسات الإسرائيلية التفوق اليهودي عبر قوانين دستورية مثل قانون القومية لعام 2018.
ب- التجزئة الجغرافية: في جنوب أفريقيا، تمثلت هذه الآلية في إقامة البانتوستانات، وهي مناطق مُقسَّمة ومُعزولة ومكتظة لسكان جنوب أفريقيا السود، بهدف تجريدهم من حقوقهم وجنسيتهم. ويقابلها في السياق الإسرائيلي الجدار الفاصل، وتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق (أ، ب، ج)، إلى جانب حصار غزة، وهي بنية جغرافية تهدف إلى تفتيت الوجود الفلسطيني وعزله عن مراكز الموارد والأرض المُستولى عليها لضمان الاستيطان.
ج- تقييد الحركة: كان نظام "قوانين المرور" هو الأداة المركزية في جنوب أفريقيا للتحكم الصارم بحركة السود وحرمانهم من الدخول إلى مناطق البيض، ما شلّ حياتهم الاقتصادية والاجتماعية. وتُطبق "إسرائيل" نظاماً مشابهاً عبر شبكة من نقاط التفتيش، والتصاريح، والحواجز المادية التي تُقيّد حركة ملايين الفلسطينيين بشكل يومي، بالإضافة إلى عزل قطاع غزة عن العالم بحصار شامل استمر منذ عام 2007.
د- السيطرة على الموارد: سعى كلا النظامين إلى السيطرة على الموارد الحيوية لصالح المجموعة المهيمنة. بينما خصص الأبارتهايد الأراضي الصالحة للزراعة والموارد الاقتصادية للأقلية البيضاء، تُمارس "إسرائيل" السيطرة الكاملة على المياه والطاقة والموارد الطبيعية والتخطيط العمراني في الضفة الغربية، وتخصصها بشكل غير متكافئ لصالح المستوطنات الإسرائيلية على حساب التنمية الفلسطينية.
ثالثاً: نسخة أكثر تطرفاً وتوحشاً
إذا أردنا أن نقيّم عبارة مادونسيلا عن شدة وتطرف الفصل العنصري الذي تمارسه "إسرائيل"، فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
- كان نظام جنوب أفريقيا يسعى إلى استغلال العمالة السوداء بعد تجريدهم من حقوقهم، لكن المشروع الصهيوني الاستيطاني-الاستعماري يرتكز على التطهير العرقي والإحلال وليس فقط الاستغلال، بحيث يريد طرد الفلسطينيين وتهجيرهم لإحلال اليهود مكانهم.
- السيطرة الشاملة على الأراضي الفلسطينية وحياة الفلسطينيين، إذ يتمتع النظام الإسرائيلي بميزة تكنولوجية وعسكرية تتيح له سيطرة كاملة على حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، تشمل السيطرة على المجال الجوي، الحدود، التسجيل السكاني، والبنية التحتية المدنية الأساسية الخ...
- الإبادة التي حصلت في قطاع غزة، والقتل والعنف غير المسبوق الذي مارسه الإسرائيلي ضد الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية والقدس الشرقية، منذ ما قبل حرب غزة الأخيرة، يجعل النسخة الإسرائيلية "أكثر تطرفاً" بالفعل.
ويلعب الاختلاف القانوني لصالح قيام "إسرائيل" بممارسة الفصل العنصري والتطهير العرقي من دون ظهور ذلك لفترة طويلة قبل حرب الإبادة في غزة، فبينما كان نظام الفصل العنصري الجنوب أفريقي نظاماً قانونياً صريحاً (De Jure) قائماً على العرق (Race)، يتميز النظام الإسرائيلي بـالتعقيد القانوني.
النظام الإسرائيلي هو نظام قانوني مُركَّب ومزدوج، فهو مُكرَّس بالقانون داخل حدود 1948 عبر مجموعة من التشريعات التمييزية (كقوانين الأرض والمواطنة)، بينما يُعدّ بحكم الواقع( De Facto) وبحكم الاحتلال في الضفة الغربية، حيث يطبق القانون العسكري على الفلسطينيين مقابل القانون المدني على المستوطنين، ما يخلق تفاوتاً قانونياً صارخاً يغطي كامل المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
في النتيجة، يمكن القول إن هناك تشابهاً بين النظامين الإسرائيلي والجنوب أفريقي، يكمن في الهيمنة العنصرية المُمأسسة والتجزئة الجغرافية، لكن الاستخدام المُفرط والمُمنهج للقوة العسكرية يجعل النظام الإسرائيلي يمارس جرائم دولية متعددة، تتجاوز جريمة الفصل العنصري لتصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، ويجعل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين أبعد من مجرد الفصل العنصري، وأكثر تطرفاً وإجراماً من نظام "الأبرتهايد" الجنوب أفريقي.