انهيار مشروع إردوغان في ضرب المنطقة وتقسيمها

مشروع إردوغان في المنطقة فشل ويلفظ الآن أنفاسه الأخيرة، وإذا لم يرتدع ويعود إلى رُشُده، فإن مصيره لن يخرج عن إحدى حالين: إما ثورة شعبية تُطيح به أو انقلاب عسكري.

  • انهيار مشروع إردوغان في ضرب المنطقة وتقسيمها
    مشروع إردوغان في المنطقة فشل ويلفظ الآن أنفاسه الأخيرة

لعبت تركيا منذ الإحتلال العُثماني للبُلدان العربية وإلى الآن دوراً كبيراً في التآمُر على العرب وضرب حضارتهم وكانت أداة طيِّعة في يد المصالح الاستعمارية والصهيونية.

كلنا نعرف أن إردوغان في بداية وصوله إلى السلطة زار الكيان الصهيوني والتقى مع مُجرِم الحرب (آرييل شارون) ووضع إكليل زهور على قبر مؤسِّس الكيان الصهيوني (تيودور هيرتزل)، وبعدها باركَ الكيان الصهيوني وجوده لا بل دعمه وأصبح إردوغان طيِّعاً للكيان الصهيوني ودوره في المنطقة، ولعبت أميركا والكيان الصهيوني دوراً كبيراً في دعم وتقوية إردوغان لتنفيذ المشاريع الصهيونية ومنها مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولا أدلّ على كلامنا إلا كلام البروفسور نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي السابق ومُعلِّم إردوغان الذي قال في عام 2010 خلال حوارٍ مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية: "لقد تقلَّد إردوغان عام 2002 خلال لقائه مع الرئيس الأميركي جورج بوش منصب مدير مشروع الشرق الأوسط الكبير وإسرائيل الكُبرى، وبعدها تحصَّل إردوغان على ميدالية الشجاعة من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وبعد ذلك بأقل من عامين بدأ إردوغان في طرح مُصطَلح جغرافي سياسي جديد ألا وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبدأ يُصرِّح عن دوره في هذا المشروع".

هذا ما قاله البروفسور نجم الدين أربكان أستاذ إردوغان، وما يؤكِّد كلامه أن إردوغان نفسه أعلن في عام 2011 أنه رئيس مُوازٍ ضمن مشروع الشرق الأوسط، وأيضاً أحمد داوود أوغلو المُنظِّر الأساسي لأفكار إردوغان وحزب العدالة والتنمية أشار إلى هذا الكلام في كتابه الشهير "العُمق الاستراتيجي"، عندما قال: "إن شرقاً أوسط جديداً يولَد في المنطقة وفكر هذا الشرق الجديد سترسمه تركيا وستكون الناطِقة باسمه، وإن حزب العدالة والتنمية يحلم بإنشاء شرق أوسط جديد وكما نجح في تغيير وجه تركيا فإن الحزب سينجح أيضاً في تغيير الشرق الأوسط".

ولتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كلّف به من قِبَل أميركا والكيان الصهيوني قام إردوغان بالتآمُر على الدول العربية وخصوصاً المواجِهة للكيان الصهيوني بالتعاون مع أميركا والكيان الصهيوني اللذين قاما بترغيبه بأنهما سيقومان بتعيينه سُلطاناً وشرطياً للمنطقة، فكان التآمُر الأكبر من خلال أحداث ما يُسمَّى زوراً بالربيع العربي، مُستغّلاً حال الانفتاح التي قامت بها الدول العربية اتجاهه وخصوصاً سوريا التي انخدعت بمسرحيّاته البطولية الوَهْمية في دافوس وفي أحداث سفينة مرمرة، وانفتحت القيادة السورية وقتها تجاهه بحُسن نيَّة وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه كانت من الأخطاء الكُبرى، وتمّ توقيع الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية بين سوريا وتركيا وكل هذه الاتفاقيات كانت تصبّ للصالح التركي وتضرّ الاقتصاد السوري، ولكن إردوغان ردّ هذا الإحسان السوري بالغَدْرِ بسوريا وقيادتها وبشعبها الذي فتح له الأبواب ورحَّب به، فما كان منه إلا أن أعلن الحرب على سوريا وكان رأس الحربة في الحرب الإرهابية التي شُنَّت على سوريا في آذار/مارس 2011، وفتح حدوده لكل شذّاذ الآفاق والإرهابيين والمُجرمين ليهجموا على سوريا ويخرِّبوها ويقتلوا شعبها ويسرقوا معاملها ويعيثوا فيها فساداً.

وبعدها بدأت الأمور تنقلب ضدّ إردوغان بشكلٍ كبير ٍوبدأ مشروعه ينهار، وتجسَّد هذا من خلال إسقاط حليفه في مصر محمّد مرسي في ثورة 30 يونيو 2013، وأيضاً خروج حليفه الآخر حزب النهضة في تونس من التفرد بالحُكم وخروج حزب الإصلاح الإخواني من السلطة في اليمن من خلال ثورة 21 سبتمبر 2014، واستعادة الجيش العربي السوري زِمام المُبادرة في سوريا واستعادته لغالبيّة الأراضي التي كان يُسيطر عليها الإرهابيون بدعم الحلفاء.

هذا بالإضافة إلى التخبّط الداخلي الكبير الذي يعيشه إردوغان في الفترة الأخيرة وخصوصاً مع التراجُع الكبير لحزبه، وتجسَّد هذا من خلال الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2019 وخسر فيها أغلب المدن الرئيسة. وحتى مدينته التي انطلق منها إسطنبول خسرها بالرغم من أنه أعاد الانتخابات مرة ثانية، بالإضافة إلى دكتاتوريّته وعنجهيّته وسجنه لأكثر من 70 ألف مُعتَقل وفصل حوالى 120 ألفاً من وظائفهم بتهمة المُشارَكة في الانقلاب أو الانتماء إلى تنظيم فتح الله غولن.

تكبّره وتجبّره وصل حتى إلى أصدقائه الذين وقفوا معه وساعدوه للوصول إلى السلطة كعبدالله غول وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وبولنت أرينتش ومحمّد شمشيك وحسين شيليك، وهذا ما أدَّى إلى تصدّع حزبه وانشقاق أحمد داوود أوغلو عنه وتأسيسه لحزبٍ جديدٍ وهو حزب المستقبل، وأيضاً انشقاق علي باباجان صانِع النهضة الاقتصادية التركية عنه ونيَّته تأسيس حزب جديد، ووسط هذه الفوضى الداخلية الكبيرة التي يعيشها إردوغان قام بمحاولة الهروب إلى الأمام فقام بإرسال بعض العسكريين الأتراك والإرهابيين المُرتَزقة السوريين إلى ليبيا بحجَّة الدفاع عن حكومة الوفاق الإخوانية في طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي.

وقام أيضاً في الأسبوعين الماضيين بإدخال الآليات العسكرية وحوالى سبعة آلاف جندي تركي إلى مدينة إدلب في محاولةٍ منه لوَقْفِ تقدّم الجيش العربي السوري الذي يزحف لتحرير إدلب من الجماعات الإرهابية.

وبلغت درجة وقاحته إلى حد أنه هدَّد الجيش العربي السوري بالإنسحاب من النقاط التي تقدَّم إليها في نهاية فبراير/شباط وإلا إنه سوف يضرب الجيش،  ولكن الجيش العربي السوري لم يُعِرْ هذا الهراء أيّ اهتمام وأكمل تقدَّمه وانتصاراته وحرَّر أكثر من ستين بالمئة من مدينة إدلب، وسيطر على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب مع دمشق وحرَّر أغلب ريف حلب وأمَّن مدينة حلب بشكلٍ كاملٍ.

ووسط هذا الانتصار السوري اضطر صاغِراً أن يتراجع عن تهديداته السابقة وأن يوقِّع في روسيا اتفاقاً لوَقْفِ إطلاق النار مُتناسياً كل وعوده بإخراج الجيش العربي السوري من المناطق التي تقدَّم إليها مؤخّراً.

وفي النهاية فإننا نرى أن مشروع إردوغان في المنطقة فشل ويلفظ الآن أنفاسه الأخيرة، وإذا لم يرتدع إردوغان ويعود إلى رُشُده ولا أظنّه سيفعل، فإن مصيره برأيي لن يخرج عن إحدى حالين إما ثورة شعبية تُطيح به أو انقلاب عسكري. وبالتالي مصيره سيكون كمصير قُدوَته ومَثَله الأعلى عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي في الخمسينات، والذي أُطيح به بانقلابٍ عسكري وبعدها قام الجيش بإعدامه، وإردوغان ومندريس يتشابهان كثيراً في سياستهما وفي طِباعهما الشخصية، فهل سيُعيد التاريخ نفسه مرة ثانية في هذا الموضوع؟