"كوفيد-19 ": أزمة صحيّة تخفي أزمات اقتصادية

لحظة استبشار الناس بالنجاة من خطر الوباء، ستتزامن مع اصطدامهم بحقيقة تداعيات الأزمة على أوضاع العالم الاقتصادية ما بعد كورونا.

  • "كوفيد-19 ": أزمة صحيّة تخفي أزمات اقتصادية
    لحظة استبشار الناس بالنجاة من خطر الوباء، ستتزامن مع اصطدامهم بحقيقة تداعيات الأزمة على أوضاع العالم الاقتصادية

الإعلان  المُرتَقب عن إنهاء الحَجْر الصحي كنتيجةٍ لزوال الخطر الصحي الناجم عن فيروس "كوفيد-19 " قد يكون أشد صعوبة من قرار إعلان الحَجْر الصحي الذي يشمل حالياً حوالى ثلاثة مليارات ساكن في العالم.

لحظة استبشار الناس بالنجاة من خطر الوباء، ستتزامن مع اصطدامهم بحقيقة تداعيات الأزمة على أوضاع العالم الاقتصادية ما بعد كورونا.

فالأزمة الصحية تُنذِر بأزمةٍ اقتصاديةٍ أشدّ ستعقبها، بدأت توقّعات الخبراء المُختصّين في الاقتصاد في استقراء حجمها على الدول والأقطاب الاقتصادية الكبرى، ومازالت الخلافات قائمة في توقّع تداعياتها الاجتماعية والأمنية والعسكرية والجيواستراتيجية.

بخطابٍ مُلطّفِ نزع عدد كبير من الخبراء إلى الحديث عن ركود متوقّع للاقتصاد العالمي أو عن انكماشٍ أو كساد، والحال أنه كان الحريّ بهم الحديث مباشرة عن أزمة اقتصادية بصريح العبارة، في ظل توقّعات بأن تكون نسبة نمو الناتج الداخلي العام سلبية في معظم دول العالم لفترةٍ قد تتجاوز السنة.

التوقّعات الأولية تفيد باحتمال أن يخسر الاقتصاد الأميركي جرّاء الوباء ما يُناهِز 1,5 تريليون دولار، فيما يتوقّع أن يتكبَّد اقتصاد ألمانيا خسائر تُقدَّر بـ785 مليار دولار، أما إيطاليا فمن المتوقَّع أن تصل خسائرها من توقّف الإنتاج إلى 100 مليار يورو شهرياً.

كما تُشير التوقّعات أيضاً إلى تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى نصف قيمتها قبل الأزمة مُسجّلة بذلك أكبر تراجع مند سنة 1980.

نُذُر الانفجار الاجتماعي تبدو واضحة وجليّة لمَن يُجيد تلقّف الرسائل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي عرفت العديد من التحرّكات الاجتماعية قبل أزمة "كوفيد-19" نذكر منها احتجاجات تونس وحراك لبنان والعراق، خصوصاً حينما تشير التوقّعات إلى احتمال فُقدان أكثر من مليون  وسبعمائة ألف وظيفة في العالم العربي وحده.

كما أن الدول الغربية ليست بمنأى عن هذا الانفجار الاجتماعي خصوصاً إذا ما استحضرنا مشاهِد حراك السترات الصفر في فرنسا وتراجع مؤشّرات الاقتصاد الإيطالي الذي داهمته الأزمة قبل كورونا وستشتد بعده

وضعاً بدأت جلّ الدول في اتخاد تدابير استباقية للحد من خطورة تداعياته بالعمل على وضع السيناريوهات الممكنة والبحث في الحلول العاجلة التي يمكن اتخادها والخيارات الآجلة الممكن إنتهاجها.

سياسة الانغلاق التام التي اعتمدتها الدول الكبرى قبل الصغرى في مجابهة الوباء طعنت في مقتل مفهوم العولمة الذي روّج له مند عقود، والتدابير الاستثنائية التي اتخذت تستدعي مراجعة كل الاتفاقيات التي سبقت الأزمة من تحرير للتجارة وفتح للأسواق وإلغاء للضرائب الجمركية.

وتدخل دور الدولة في التخطيط الاقتصادي والتخلّي عن سياسة التحرير الاقتصادي، أعتقد أن الظرف يحتّمه قبل الخوض في أيّ سجال عن الخيارات اليسارية أو الليبيرالية، وإشراف الدولة على بعض القطاعات الاقتصادية لحماية أمنها الاقتصادي والغذائي قد يفرضه الواقع قبل أن تحدّده الخيارات والتوجّهات السياسية،  ما يعني أن العديد من الدول التي ستمر بصعوبات ستذهب مضطرة إلى اعتماد سياسات اقتصادية حمائية، والتركيز على تحفيز النشاط الاقتصادي بما يلبّي الحاجيات الداخلية أولاً، هذا إن لم تلجأ إلى خيار تأميم مؤسَّسات ومُنشآت لخدمة مصالحها الوطنية، كما أن الدول المُثقلة بالمديونية ستعلن عن عجزها على السداد لتطالب بإعادة جدوَلة الديون.

هي فترة تقلّبات وتجديف لعدّة دول بين صرخات شعوبها المفقرة، وضغوطات أصحاب المال والأعمال فيها، فترة قد يرتبط مداها بمدى الصراع الذي سيحلّ بين الاقتصاديات الكبرى وفي مقدّمها الصين والولايات المتحدة وبدرجة أقل روسيا والاتحاد الأوروبي والهند على إعادة رَسْم خارطة الاقتصاد العالمي بمعايير واتفاقات جديدة تحفظ المصالح، وتحدّد عملة عالمية مرجعية جديدة بدل الدولار، صراع إن لم تكن لغة الحوار سبيلاً لحله،  فقد تكون المواجهة العسكرية شراً محتوماً ينتظر البشرية.

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.