كورونا تفتح عيوننا على حقائق مغيّبة.. شركات الأدوية تضللنا

يبدو صحيحاً أنّ الكذب يجول الأرض كالأرنب مسرعاً، أما الحقيقة فتسير كالسلحفاة، وعندما تصل يكون الوقت قد فات وتسبب الأرنب بالخراب!

  • كورونا تفتح عيوننا على حقائق مغيّبة.. شركات الأدوية تضللنا
    الهيدروكسيكلوروكين العقار الذي يتناوله الرئيس ترامب
  • كورونا تفتح عيوننا على حقائق مغيّبة.. شركات الأدوية تضللنا
    المرضى الذين عولجوا بالهيدروكسيكلوروكين كانوا ثلاث مرات أكثر عرضة لوضعهم على جهاز التنفس الاصطناعي

إذا كان لفيروس كورونا " كوفيد 19" إيجابية، فهي أنها فتحت عيون العالم على قضايا كانت مجهولة أو جرى التعامل معها كأنها ليست ذات أهمية كبيرة، وعلى أن دراسات علمية كثيرة - إن لم يكن أغلبها - يتم التلاعب بها من قبل شركات صناعة الأدوية، كما في حالات أدوية كثيرة عديمة الجدوى، وأخرى تسببت بالكثير من الوفيات قبل الكشف عن مساوئها بعد سنوات طويلة من استعمالها. 

أما الأطباء المعالجون، بحسب الطب الكلاسيكي السائد اليوم، فهم في العموم يداوون المرض وليس المريض. قد تكون الأعراض متشابهة، لكن المسببات والبيئة والمحيط والأرضية الجسدية والنفسية ليست بالضرورة نفسها لدى الجميع. هذا ما يقوله الطب الصيني الذي ما زال يعتمد حتى اليوم على فلسفة وعلاجات عُرفت منذ قديم الزمان. يعترف باستور وهو على فراش الموت بأن الفيروس ليس شيئاً، بل الأرضية التي يصيبها هي كل شيء.

اعتراني نوع من الإحباط قبل أيام عندما استمعت في أكثر من برنامج بثّ على إحدى القنوات التلفزيونية التي أتابعها وأعوّل على موضوعيتها، إلى خبر "نقلاً عن"، من دون التحقق من مصداقيته أو أخذ مسافة آمنة للتأكد منه قبل نشره. موضوع الخبر دراسة نشرت في 22 أيار/مايو الفائت في مجلة "ذي لانست" البريطانية، خلصت إلى أن عقار الهيدروكسيكلوروكين يهدد حياة المرضى في المستشفيات بالخطر.

هذا الإعلان أحدث ضجة قوية في صفوف مناهضين لهذه الدراسة، من اختصاصيين وأطباء ومتابعين - أقلهم في فرنسا حيث رصدتهم - اتهموها بالتلاعب المذهل بنتائجها، واحتجوا على طريقة تناولها في وسائل الإعلام. من هؤلاء وزير الصحة السابق، الدكتور دوست بلازي، الذي رد على الفور بأن معظم الدراسات العلمية زائفة. وبالتأكيد، كان للبروفسور راوول كلمته، حيث دان التلاعب المذهل بالحقيقة. يبدو صحيحاً أنّ الكذب يجول الأرض كالأرنب مسرعاً، أما الحقيقة فتسير كالسلحفاة، وعندما تصل يكون الوقت قد فات وتسبب الأرنب بالخراب!

لا أعلم إن كان من قبيل الصدفة أو شيء آخر أن تخرج في الوقت نفسه أكاديمية الطبّ في فرنسا، بعد 3 أشهر من انتشار الفيروس في هذا البلد، مع ما تبعه من حجر منزلي، وفي فترة انحساره، أي بعد مرور 6 أسابيع من الارتفاع الأعلى للإصابات، و3 أسابيع من وقف الحجر المنزلي، وخلال يوم أصيب فيه 191 شخصاً جديداً بالفيروس وتوفي 66، لتشرح في بيان صحافيّ علاقة الفيتامين "د" بالكوفيد 19. 

لقد نطقت أخيراً بما هو معلوم، وما حذر منه الكثير من المختصين في الطب الطبيعي والتغذية، بأن المتوفين من الفيروس غالباً ما يشكون من نقص في الفيتامين "د"، ونصحت بالمسارعة إلى قياس نقص الفيتامين "د" لدى المصابين ممن هم فوق الستين سنة، وإعطائهم جرعة يومية من 50 إلى 100 ألف وحدة دولية، لتجنيبهم المضاعفات على الجهاز التنفسي والهبة الفيروسية، وما يمكن أن يحدثه ذلك من وفيات. 

من المعلوم للمتابع بأنه ليس أقل من 75% من الشعب الفرنسي يشكو من نقص في هذا الفيتامين الذي يقوي الكريات البيضاء، ويشكل سد حماية من الفيروس. كما أن استعماله يجب أن يمتد إلى كل فترات الخريف والشتاء حين تنحسر أشعة الشمس، وأن جرعات قوية منه لا تحمي مرضى الكوفيد 19 بين ليلة وضحاها، وإنما يفترض أن يكون استعمال الفيتامين قد سبق لفترة لا بأس بها من الإصابة ليعطي نتائج. 

على كل حال، أن تخرج هذه المعلومة على لسان هذه المؤسسة، ولو متأخرة، خير من أن لا تخرج أبداً. وإن كانت وسائل الإعلام الفرنسية المكتوبة أو المسموعة قد تعاملت مع البيان وكأن شيئاً لم يكن، لكن مقابل الصمت المطبق على الفيتامين "د"، كان هناك تطبيل وتزمير غير موفق في الإعلام للدراسة المذكورة لـ"ذي لانست" التي "سحقت"، بحسب تعبيره، البروفيسور راوول وبروتوكوله. 

قد يكون من الضروري أن أؤكد هنا أن لا ناقة ولا جمل لي في ما أعرضه، سوى إحقاق الحق ولفت النظر إلى التلاعب الذي تمارسه شركات الأدوية ضمن شركات كبرى عابرة للقارات ضد مصالحنا كبشر، لحساب مصالحها وجني الأرباح، وهي لا تتوانى عن وضع صحة الإنسان على المحك دون اعتبار للأخلاقيات والمهنية والضمير. كم من البشر جرى التضحية بهم لتسويق عقارات لم تكن مفيدة فحسب، بل كانت قاتلة أيضاً؟! ربما أتناول هذا الموضوع في مقال قادم.

بالعودة إلى عقار الهيدروكسيكلوروكين، كان رئيس الوزراء ووزير الصحة الفرنسيان قد منعا فجأة في 26 آذار/مارس الماضي اللجوء إلى هذا العقار إلا في المستشفيات. لقد سحبا البساط من تحت أقدام الأطباء الذين كانوا يصفونه لمرضاهم، بعد أن كان منتشراً ومستعملاً لعقود سابقة، الأمر الذي يعني أن إثبات جدوى هذا العقار هو بالنسبة إلى كل من حرّض ضده نوع من اتهام يستدعي المقاضاة. ويمكن أن يتّهم بالقتل العمد اللاإرادي كل من تمنّع عن مساعدة أناس في حالة خطر وكل من أهملهم، من وزراء وأطباء ومديرين عامين في وزارة الصّحة. واليوم، أعداد القضايا المرفوعة في المحاكم لهذا الغرض في تزايد مطرد.

أما الشركات التي تتسابق لتصنيع دواء لكوفيد 19، فهي ستخسر كل هيبتها ورأس مالها الذي خصّصته للعقار. كما أن من يعمل على تصنيع لقاح لسبعة مليارات إنسان في الكرة الأرضية، ستذهب آماله ومخططاته الشيطانية هباءً منثوراً. وبالتالي، الجميع له مصلحة في أن لا يكون دواء الهيدروكسيكلوروكين فعالاً، لقاء وضع الدواء ومن عوّل عليه وسوّق له في فم عفريت. 

في الوقت الذي لم يكن أي علاج فعال ضد الفيروس التاجي موجوداً، كان الهيدروكسيكلوروكين من أكثر الأدوية أماناً، على أن لا يستعمل أكثر من عشرة أيام، علاوة على أنه معروف منذ زمن طويل في علاج أمراض مشابهة. دراسة قديمة على ما يقارب مليون شخص عولجوا به، أثبتت أنه لم تحدث أبداً وفيات أو مشاكل قلبية، إلى جانب أنه سهل التصنيع وغير مكلف، بما يتيح لأعداد كبيرة من المرضى، وخصوصاً في بلدان فقيرة، التداوي به. 

هذه المشهدية دفعت البروفيسور راوول إلى القول إنه لم يسبق له أن واجه قصة من هذا النوع، في حين أن العقار متاح منذ ثمانية عقود، وربما جرى وصفه لثلث سكان العالم، وكان يباع منه في فرنسا فقط 36 مليون قرص سنوياً، إلى أن بدأت السلطات فجأة بالقول إنه شيء مروع. 

وفي معرض كلامه أمام لجنة الشؤون الاجتماعية في مجلس الشيوخ، تحدث عن اعتقاده بوجود مشكلة أساسية تسيء إلى الطب في فرنسا، وهي تضارب المصالح، ومنها ما يتعلق بشركة "جلعاد" وتسويقها دواء رمديسفير. ويضيف: "إنه هذيان مذهل لم أشهد مثله في حياتي المهنية الطويلة حول خطر شديد يتمثل في استخدام العقار، ومن غياب تام من العقلانية في بث معلومات، ومن تلاعب بالرأي العام".

لكن الأمر لا يتوقَّف على شركة "جلعاد" التي تطرقت إليها وإلى دراسة "ديسكوفري" في مقال سابق نشر في "الميادين نت"، فهناك شركات أخرى تدفع للباحثين، ومنها "Abbvie" التي تنتج عقار "Kaletra"، الذي تم اختباره في دراسة "ديسكوفري"، في الوقت الذي أثبت الصينيون عدم فعاليته ضد الفيروس المستحدث. شركة "Abbvie" كانت قد دفعت في فرنسا منذ عدة سنوات ما يعادل 45 مليون يورو. أما المؤلف الرئيسي لدراسة "ذي لانسيت" فهو ينتمي إلى مختبر "Abbot" الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع "Abbvie".

كذلك، يجب القول إن دراسة "ذي لانسيت" ليست تجربة سريرية، وإنما دراسة مقارنة بين المرضى الذين تناولوا الهيدروكسيكلوروكين والذين لم يلجأوا إليه، من دون الإشارة إلى حالتهم المرضية حين استعماله، لكن حيث تذكر أن الذين عولجوا بالهيدروكسيكلوروكين كانوا ثلاث مرات أكثر عرضة لوضعهم على جهاز التنفس الاصطناعي، يمكن الاستنتاج أنهم كانوا في وضع متقدم من المرض. 

نخلص بكلامنا إلى اعتراف المحرر الرئيسي لـ"ذي لانست" نفسها، عندما صرح قبل سنوات بأن "جزءاً كبيراً من الإصدارات العلمية، وربما نصفها، يمكن أن تكون بكل بساطة خاطئة، فالدراسات تشكو من عينات ضئيلة، ومن تحليلات أولية غير صالحة، ومن تضارب مصالح صارخ، ومن هوس باتباع اتجاهات مشكوك في أهميتها.. ما يجعل العلم ينحدر إلى الظلمات". 

هذا الواقع ليس حال هذه المجلة فقط، فمجلة "نيو إنجلاند" الطبية، التي نشرت مؤخراً دراسة لا تصلح للتسويق، وخلصت من دون أي دليل إلى أهمية عقار ريمديسفير الذي تسوقه شركة "جلعاد"، قالت رئيسة تحريرها السابقة، الدكتورة مارسيا أنجيل: "بكل بساطة، لم يعد بالإمكان تصديق الكثير من الأبحاث السريرية المنشورة. أنا آسفة لهذا الاستنتاج الذي توصلت إليه من دون عجلة، وعلى مضض، خلال العقدين اللذين قضيتهما في تحرير المجلة".

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.