الإمارات ستشهر أوراقها "الاستراتيجيَّة" فانتظروا!

إن ما شهده اجتماع جامعة الدول العربية من تواطؤ وصمت وتبرير للتطبيع، يؤكد أننا أمام مرحلة لا أوراق فيها في الخفاء، وقد تصعّد دول الجامعة حربها على كل من يقف في طريق خطوات تطبيعها.

  • ثمة أسئلة كبيرة يقودنا إليها
    ثمة أسئلة كبيرة يقودنا إليها "الخطاب" الذي تروّج له دولة الإمارات ومعها كيان الاحتلال

تقدّم دولة الإمارات تطبيعها مع كيان الاحتلال على أنه "تطوّر استراتيجيّ" في العلاقات بين الطرفين، سيدخل المنطقة العربيّة والإسلاميّة في مرحلة "ذهبية" من بناء تفاهمات ستنعكس آثارها على معظم الملفات العربيّة - الإسرائيليّة، وفي جوهرها الوصول إلى حلّ "مشرف" وتاريخي للقضية الفلسطينية بعد عقود من الاستعصاء السّياسي.

وتروّج القيادة الإماراتيّة في تصريحات مسؤوليها أنّ المستفيد الأول من التّطبيع هو الشّعب الفلسطينيّ الذي ضاق ذرعاً بالسلطة الفلسطينية وبفصائل المقاومة الفلسطينية وارتهانهما لأجندات خارجيّة. وتضخّ الماكينات الإعلامية الخليجية يومياً عشرات البرامج، وتستضيف محلّلين صهاينة و"عرباً" للحديث عن "الاختراق" الكبير لطرفين يملكان القوة الاقتصاديّة والسياسيّة، وعن أنَّ تأثيرهما أصبح يتجاوز الإقليم، بما حقّقاه من خطوات كبيرة في الفعل الإقليمي والدولي.

ثمة أسئلة كبيرة يقودنا إليها "الخطاب" الذي تروّج له دولة الإمارات ومعها كيان الاحتلال. وبتقصٍّ هادئ، نتناول مفهوم "التطور الاستراتيجي" الذي تطرحه الإمارات، وما تسعى إليه المنظومة الخليجية التي لم تعد تخفي تطابقها الكلي مع ما هو أبعد من مشروع شيمون بيرز في ما طرحه من مشروع "شرق أوسط جديد".

إذا كان تناول مصطلح "استراتيجي" من بوابة الارتماء في حضن مشاريع الاحتلال الصهيوني في المنطقة والشراكة معه، فلن يكون هناك التباس فيه، بل إن السياسة الإماراتية تنجح في تبنّيه من دون غموض. هذا التطور بين الطرفين، وفق ما يطرح بخطوطه العريضة من الشراكة السياسية والاقتصادية، وبتشجيع من المملكة السعودية، يبدو أنه يسير بقوة لتوطيد "الشراكة الاستراتيجية"، الأمر الذي يؤكده عاموس هرئيل، المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، الذي كتب مؤخراً أن المملكة السعودية "تقدم لنا ما لم نكن نتوقّعه... وتفتح الأبواب أمامنا لتذليل كلّ المعوّقات للتطبيع مع الدول العربية".

إذاً، يبدو أنّ تسويق مصطلح "التطور الاستراتيجي" من قبل دولة الإمارات هو محاولة "شعبوية" تستهدف بالدرجة الأولى من يقاوم التطبيع مع كيان الاحتلال ويرفض المساس بالمبادئ التي تجذرت على أساسها المفاهيم طيلة عقود الصراع مع الاحتلال الصهيوني، كعدو مغتصب لفلسطين والجولان. 

ومن هذه البوابة الإيديولوجية، تحاول دولة الإمارات تزيين الهزيمة والسقوط على أنهما مرحلة "ذهبية" ستحملهما الاتفاقيات التي ستنهي عقود الصراع. ومن يتابع سريالية المشهد، يعتقد أن الجيش الإماراتي لم يترك حرباً إلا وقاتل فيها قتالاً قاسياً حتى انتصر ودخل القدس محرراً.

ولا بدّ هنا من أن ندقّق في أن الدفع السياسي الخليجي والسرعة في تظهير العلاقات السرية مع كيان الاحتلال، يحملان خطوات أكثر خطورة من الخطاب العلني الذي يروج على أنه "ذهبي واستراتيجي". إنَّ ما تطرحه دولة الإمارات من شعارات سياسية للمرحلة القادمة، والحديث عن التطور السريع في العلاقات بين الطرفين، والذي سيفرد ظلاله على المنطقة، وعن أن أول "المستفيدين" هو الشعب الفلسطيني، يخادع الواقع، ويضلل في الطرح، ويمكن ملاحظة الآتي:

· من المؤكد أن سرية الاتفاقيات بين الإمارات والكيان الصهيوني تتجاوز ما هو متداول، وبالتالي هُيئت الأرضيات مع المملكة السعودية للإعلان عن هذه الشراكة التي ستضم دولاً خليجية عدة، وهذا ما أكده جاريد كوشنير، في جولته الخليجية مؤخراً.

· إن الحديث عن تشكيل منظومة أمنية مع بعض الدولة الخليجية في مواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران دخل حيّز التطبيق الفعلي. هذا الأمر ستترتب عليه مخاطر كبرى. و"ربما" لا تدرك الإمارات أنها ستكون أمام تطورات تضعها في دائرة اختلال التوازن، ولن يسمح لها بأن تتجاوز الخطوط الحمراء.

· يبدو أنّ القراءات الخليجية لإدخال كيان الاحتلال جنوب شرق اليمن وتشييد قواعد مشتركة في جزيرة سقطرى اليمنية، فيها الكثير من الغباء والمراهقة السياسيين، إذ إن هذه القواعد لن تصمد أمام أول صاروخ سيغير كل الحسابات الهشة.

· إنَّ التسلّل من مفردات دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه في مواجهة الاستيطان، تعوزه الحقيقة الغائبة عن هذه الديباجات. والحقيقة الساطعة تقول إنَّ مشروع الإمارات ومن معها من الدولة الخليجيّة، هو تصفية للقضية الفلسطينية بالضربة القاضية وشطبها نهائياً من التداول، وفق الشراكة العلنية في "صفقة القرن" التي أعدت في الغرف الخليجية مع كيان الاحتلال وواشنطن.

· من المؤكّد أن ما حصل في اجتماع "الجامعة العربية" الَّذي عُقد في القاهرة في 9 أيلول/سبتمبر على مستوى وزراء الخارجية، والذي ذهب إلى إسقاط طلب وزير الخارجية الفلسطيني بإدانة الاتفاق الإماراتي "الإسرائيلي"، يعني طي كل ما له علاقة بإدانة خطوة الإمارات التطبيعية، واعتبارها أمراً يخص الأخيرة. هذا المشهد يقول إننا أمام مرحلة من تهافت التهافت على التطبيع، بمؤيد وصامت من قبل بعض الدّول العربيّة التي يتم تهديدها باقتصادها وبالمساعدات التي يقدّمها لها محور فتح قنوات التّطبيع.

· إن ما شهده اجتماع جامعة الدول العربية من تواطؤ وصمت وتبرير للتطبيع، يؤكد أننا أمام مرحلة لا أوراق فيها في الخفاء، وقد تصعّد دول الجامعة حربها على كل من يقف في طريق خطوات تطبيعها، وقد تذهب إلى سيناريوهات فرض أسماء معينة، من مثل محمد دحلان، ليكون بيدقها في المرحلة القادمة.

ما تقدم من قراءة لم يشمل الخطوات التي كرَّستها منظومة التطبيع الخليجية في اللقاءات السرية مع قادة الاحتلال، والتي تحدَّثت عنها أكثر من شخصية قيادية صهيونية. هذه الخطوات السابقة لإعلان الإمارات عن اتفاقها الثلاثي، من المؤكد، وفق معطيات التصريحات التي تناولتها التقارير والدراسات الصهيونية، أنها تشير إلى أن الدور الموكل للمملكة أكبر بكثير من دور الإمارات التي لن تسرق الأضواء من الأمير محمد بن سلمان.

إنّ ما يخطّط في البيت الأبيض لإشهارات جديدة من "الشراكة الاستراتيجية" أكبر بكثير مما يعلن، وستتيح للرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يمكن أن يتحدث عنه في حملته الانتخابية.

ورغم هذه السوداوية والسقوط الرسمي لبعض أنظمة التطبيع، هل من مراهنة على خطاب "التسوية" و"المبادرة العربية" التي هي جزء من السقوط في فخ الأوهام بـ"دولة" فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو في العام 1967؟

يبدو أنَّ الشروع بـ"المبادرة العربية" بدأ على أرض الواقع، وذلك وفق تنفيذ بنود التطبيع والاعتراف بكيان الاحتلال. وقد بارك هذه المبادرة اجتماع وزراء الخارجية العرب الَّذي ختم على أوراق بيضاء للإمارات، مشيداً بتطبيعها مع الاحتلال، واعتبر الوزراء أن ما تمارسه حق سيادي.

أما فلسطين، فهي "مشاع"، ويحقّ لأنظمة التطبيع أن تفعل بها وبشعبها ما تشاء. وبكلمة أخيرة يقولها أهل فلسطين: طبِّعوا ما شئتم، لكنكم لن تتمكَّنوا من ذاكرة شعب قاوم منذ أكثر من 100 عام، ولم يزل على عهد الشهداء.

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.