الصحافة البديلة – الإعلام الرقمي (القسم الثاني)

تظهر تأثيرات الصحافة الرقميّة جليّةً في مختلف أرجاء العالم. فقد دفع هذا الشّكل من أشكال الصّحافة، الصحافيّين إلى إصلاح أنفسهم وتطويرها.

  • هناك ميّزات ضخمة في الصحافة الرقميّة وثورة التدوين الحديثة بدأ الناس في التعوّد عليها
    هناك ميّزات ضخمة في الصحافة الرقميّة وثورة التدوين الحديثة بدأ الناس في التعوّد عليها

من أبرز تأثيرات الصّحافة البديلة أنّها أصبحت تسمح بالتّواصل والتّناقش على مستويات لا توفّرها الصّحافة المطبوعة بمفردها. فيمكن للأشخاص التعليق على المقالات والبدء في إنشاء منتديات نقاشٍ حول المقالات المنشورة. وقبل ظهور شبكة الإنترنت، كان من المستحيل إجراء نقاشاتٍ فوريّةٍ بين القرّاء الذين لم يلتقوا مع بعضهم البعض من قبل. وتُعدّ عمليّة مناقشة الأخبار ميزة الصحافة الرقميّة. إذ يقوم الأشخاص بإضافة تعليقٍ إلى الخبر الصّحفي والتواصل مع الأشخاص الآخرين الذين يرغبون في مناقشة الموضوع.

وتقوم الصّحافة الرقميّة بتوفير الفرصة للجماهير المتخصّصة في تدوين مداخلاتهم، مما يسمح لهؤلاء الأشخاص بالمزيد من الخيارات فيما يتعلق بالعرض والقراءة. 

وتفتح الصّحافة الرقميّة طرقاً جديدة أمام نشر الأخبار، فمن خلال المكوّنات الفنيّة للوسائط الجديدة، يمكن أن يوفّر الصحافيّون العاملون في مجال الصّحافة الرقميّة مجموعةً متنوّعةً من الوسائط، مثل الصوت والفيديو والتصوير الرقمي.

وتمثّل الصّحافة الرقميّة ثورةً لكيفية استعراض المجتمع للأخبار. فيمكن للمصادر المُتاحة عبر الإنترنت توفير تقاريرَ سريعة وفعّالة ودقيقة للأخبار العاجلة خلال ثوانٍ، مما يتيح للمجتمع إلقاء نظرةً على الأحداث بمجرد وقوعها. وأثناء تطوير الحدث، يمكن للصحافيّين توفير المعلومات للمصادر المتاحة عبر الإنترنت مما يساعد على إبقاء القرّاء على اطّلاعٍ على أحدث المعلومات في خلال ثوانٍ قليلة. ويمكن أن تؤثر السرعة التي يمكن نشر الخبر بها على دقّة التّقارير بطريقةٍ لا تَحدث غالباً في الصحافة المطبوعة. فقبل ظهور الصّحافة الرقميّة، كانت عملية الطّباعة تحتاج إلى قدرٍ أكبر من الوقت، مما يسمح باكتشاف الأخطاء وتصحيحها.

ويجب أن يكون مستعرضو الأخبار على درايةٍ بشبكة الويب ويجدر بهم استخدام التفكير النقدي لتقييم مدى مصداقية المصادر. ونظراً لإمكانيّة أيّ شخصٍ كتابة المقالات ونشرها على شبكة الإنترنت، فإن تعريف الصحافة آخذٌ في التغيّر. ونظراً لتزايد درجة سهولة تأثير الشخص في عالم الأخبار من خلال أدواتٍ مثل المدوّنات وحتى التعليقات على الأخبار المُتاحة على المواقع الإخبارية، يصبح من الصعوبة التدقيق في الكمّ الكبير من المعلومات الواردة من مجالات الصّحافة الرقميّة.

وهناك ميّزات ضخمة في الصحافة الرقميّة وثورة التدوين الحديثة بدأ الناس في التعوّد عليها، إلاّ أنها لا تخلو كذلك من الشوائب. فعلى سبيل المثال، اعتاد الناس على ما يعرفونه بالفعل، ولا يمكنهم التّأقلم في الغالب بسرعةٍ مع التّقنيات الجديدة المُتاحة في القرن الحادي والعشرين. إنّ أهداف الصحافة المطبوعة والرقميّة واحدة، رغم حاجتهما إلى أدواتٍ مختلفةٍ من أجل العمل.

إنّ التفاعل بين الكاتب والعميل أمرٌ جديد، ويمكن أن نعزوَ سببه إلى الصّحافة الرقميّة. هناك العديد من الطرق للحصول على الأفكار الشخصيّة على شبكة الويب، وهناك بعض العيوب المتعلقة بذلك، إلاّ أنّ العيب الرئيسي يتمثّل في المعلومات الواقعيّة، إذ هناك حاجةٌ ملحّةٌ للدّقة في الصّحافة الرقميّة؛ وبانتظار أن يتمّ الوصول إلى طريقةٍ ناجعةٍ للتحقق من دقّة الخبر، سوف تتعرّض الصّحافة لبعض النقد.

وتُعدّ المصداقيّة من بين النزاعات الرئيسية التي تتعلق بمواقع الويب الإخبارية المُتاحة عبر الإنترنت. اُجريت دراسةٌ حول مصداقيّة الصحافة الرقميّة، تمّ تنفيذها من خلال جمعيّة الأخبار عبر الإنترنت (Online News Association) ، وقارنت بين تصنيفات المصداقيّة العامة عبر الإنترنت وتقييمات مصداقيّة المستجيبين للوسائط الفعلية. ومن خلال الاطّلاع على مجموعةٍ متنوّعةٍ من مصادر الوسائط عبر الإنترنت، وجدت الدراسة أن الجمهور بصفةٍ إجماليّة ينظر إلى وسائل الإعلام عبر الإنترنت على أنها أكثر مصداقيّةً مما عليه واقع الأمر.

وتظهر تأثيرات الصحافة الرقميّة جليّةً في مختلف أرجاء العالم. فقد دفع هذا الشّكل من أشكال الصّحافة، الصحافيّين إلى إصلاح أنفسهم وتطويرها. وقد شعر الصحافيّون القدماء بالغربة لعدم امتلاكهم فن الصحافة التقنيّة بالقوّة المؤثرة. ففي الشهور الأخيرة، تمّ الاستغناء عن عددٍ من كبار الصحافيين، وتمّ التعاون مع إعلاميين في مصاف الشباب، بسبب تكلفتهم الأقل وقدرتهم على العمل في إطار الإعدادات التقنيّة المتطوّرة.

 لكن تأثير الصّحافة الرقميّة لم يقتصرعلى المتابعين فحسب، بل تسرّب ليصل إلى النّاشرين إذ قامت العديد من الصّحف، مثل "ذا نيويورك تايمز"، بإنشاء مواقع عبر الإنترنت للحفاظ على درجة تنافسيّتها، واستفادت من تقنيّات الصّوت والفيديو والرّبط النصّي للبقاء في مقدّمة قوائم متصفّحي الأخبار.

ونادراً ما تقوم الصّحف بالإعلان عن الأخبار العاجلة الآن، حيث تقوم أغلب مواقع الويب بالإعلان عن الأخبار العاجلة قبل القنوات الإخبارية. وتسمح الصّحافة الرقميّة في بادئ الأمر بتقديم تقريرٍ عام، ثم تتطوّر إلى تحسين القصّة الخبريّة. وقد أصبحت الصّحف والقنوات التلفزيونيّة في موضعٍ غير مؤاتٍ، لأنها بصفةٍ عامّة لا يمكن أن تقوم بكتابة القصص الإخبارية عند توفّر قدرٍ كبيرٍ من التفاصيل والمعلومات. وفي الغالب، يجب أن تنتظر الصّحف حتى اليوم التالي، أو حتى بعد يومين، إذا حدث الخبر العاجل في وقتٍ متأخّرٍ، قبل أن تتمكّن من نشره. وبذلك، تفقد الصّحف أرضيّةً كبيرةً لصالح نظيراتها المُتاحة عبر الإنترنت، حيث تنتقل عائدات الإعلانات إلى شبكة الإنترنت، في حين تقلّ اشتراكات الصّحف المطبوعة. ويمكن للنّاس الآن العثور على الأخبار التي يبحثون عنها، متى أرادوا، دون الاضطرار إلى ترك منازلهم أو الدفع مقابل تلقّي الأخبار.

 ولهذا السبب، رأى الكثير أن الصّحافة الرقميّة هي بمثابة النهاية للصّحافة المسموعة والمكتوبة والتلفزيونية. وقد قامت مواقع الويب الإعلانية المجانية، مثل كريجزليست  (Craigslist)، بتغيير الطريقة التي يقوم الناس بالإعلان بها، فقد خلقت شبكة الإنترنت طريقةً أسرع وأرخص للأشخاص من أجل الحصول على المعلومات. وبالتالي، خلقت نقلةً في مبيعات الإعلانات من الصحف القياسيّة إلى شبكة الإنترنت. وقد كان هناك تأثيرٌ ضخمٌ للصحافة الرقميّة والإعلام على صناعة الصحف، من خلال إنشاء نماذجَ تجاريّةٍ جديدة. يمكن الآن التكهّن، في المستقبل القريب، بخلوّ المدن الكبيرة من الصّحف، وحينها تقوم المجلاّت والشّبكات الإخبارية بالاعتماد على عددٍ صغيرٍ للغاية من المحرّرين. وقد تمّ إغلاق العديد من الصّحف وتسريح الصحافيّين المعتمدين على الصّحف المطبوعة قسراً بسبب شهرة الصّحافة الرقميّة ورواجها.

 وقد حاولت الصّحف، التي لم تكن ترغب في الخروج قسراً من هذا المجال، النجاة من خلال توفير الأموال وتسريح العمالة وتقليص حجم المنشورات والحدّ من الإصدارات، بالإضافة إلى إرساء شراكات مع شركات أخرى للتغطية وتأمين المحتويات. وفي عام 2009، استنتجت إحدى الدراسات أنّ أغلب الصحافيّين مستعدّون للتنافس في العالم الرّقمي وأن هؤلاء الصحافيين يرون أن الانتقال من الصّحف المطبوعة إلى الرقميّة في صالات التحرير الخاصة بهم يتحرّك ببطءٍ شديد. وقد عفا الزمن على بعض المناصب المتخصّصة للغاية في مجال النشر. وقد أدّى تنامي الصّحافة الرقميّة، بالإضافة إلى اقترابنا من هاوية الانهيار الاقتصادي، إلى تحجيم أولئك العاملين في هذا المجال.

لذا، يجب أن يعيَ الطّلاب الذين يرغبون العمل في المجال الصّحفي الآن ضرورة إتقان المعطيات الرقميّة من أجل المساهمة في مهارات الصحافة الرقميّة وتطويرها. ولا يجب أن يتوقف الأمر عند تقديم الصحافيين للتحليلات لجماهيرهم والتركيز على التواصل الفعال معهم فحسب، بل يجب أن يتّسموا بالسرعة، فمواقع الويب الإخبارية لديها القدرة على تحديث قصصها الإخباريّة خلال دقائق من وقوع الحدث الإخباري.

ويرى النقّاد أنّ الصحافة الرقميّة قد أتاحت الفرصة للأفراد الذين لا يُعتبرون صحافيّين مؤهّلين. ويرى العديد أن هذا الشكل من أشكال الصّحافة قد أدّى إلى إنشاء مجموعةٍ من المواقع التي لا تتميّز بمصداقية معلوماتها. فقد تمّ توجيه الانتقاد إلى مواقع مثل PerezHilton.com  بسبب تمييعها للخطوط الفاصلة بين الصّحافة وبين الكتابة المعتمِدة على التّعبيرعن الرأي.

ويرى بعض النقّاد أنّ الصّحف يجب ألاّ تنتقل إلى الصّيغة المُتاحة على شبكة الإنترنت فقط، بل يجب أن تحافظ على توفير صحفٍ مطبوعةٍ بالإضافة إلى الصّحف الرقميّة. ومن أمثلة هذا النّوع من أنواع الصّحف، الصّحيفة الإخباريّة "ذا آن أربور نيوز" (The Ann Arbor News) التي توقّفت عن إصدار نسخٍ مطبوعةٍ في تموز/يوليو من عام 2009. فقد تحوّلت تلك الصّحيفة إلى كيانٍ قائمٍ على الإنترنت، وهو موقع  AnnArbor.com، من أجل مواكبة الانتقال من الصّحف المطبوعة إلى الصّحف المُتاحة على شبكة الويب.

وتتيح الصحافة الرقميّة الفرصة للمواطنين والقرّاء بالانضمام إلى المناقشات المترابطة فيما يتعلّق بالمقالات الإخباريّة التي تمّت قراءتها من قبل العامّة. ويوفّر ذلك مصدراً ممتازاً للكتّاب والمحرّرين للاحتفاظ بما هو ضروري وحذف ما يجب حذفه في المستقبل. ويمكن أن توفّر تلك المناقشات المعلومات المفيدة للكتّاب في الصّحافة الرقميّة بحيث يمكن أن يتمّ تنقيح المقالات المستقبلية وتحسينها من أجل كتابة مقالاتٍ أفضل في المرّات المقبلة .

وهنا يُطرح سؤالٌ جوهريٌّ، هل حقيقةً أصبحت الصّحافة البديلة أصيلةً مع كل ميّزاتها ومدى عمق تأثيرها مقارنةً بالصّحافة بمفهومها الخاص ؟