بعض الخصائص الديموغرافية لـ"كوفيد 19" في لبنان

سوف نقوم في هذه المقالة، بالكشف عن العلاقة الهامة التي تجمع بين ثلاثة متغيّراتٍ إحصائية وهي عدد المصابين بالفيروس، والفئات العمرية العريضة، ومعدل الوفيات لكل فئةٍ عمريّة

  • لقد شكّلت الفئات العمرية العريضة الممتدة بين 20-49 عاماً النسبة الأكبر لعدد المصابين بفيروس كورونا
    لقد شكّلت الفئات العمرية العريضة الممتدة بين 20-49 عاماً النسبة الأكبر لعدد المصابين بفيروس كورونا

تكاد تغيب الدراسات الديموغرافية الاستراتيجية عن سياسات الدولة في لبنان غياباً تاماً، فالجهات الرسمية والحكومية لم تحذُ حتى الآن حذوَ الدول المتقدمة وبعض الدول الناشئة، بإجراء إحصاءٍ وتعدادٍ سكانيٍّ شامل، كلّ بضع سنوات (غالباً ما يكون كلّ خمس سنوات)، أو الاستقصاء عن بعض الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للسكان. بناءً على النتائج، تتبنى الدولة سياساتٍ استراتيجية  تنموية معينة، مبنيّة على هذا الأساس.

يشكّل التحليل والدراسات الديموغرافية الحجر الأساس من أجل تحقيق توازنٍ في عدد السكان على سبيل المثال، من خلال تثبيت معدلات النمو السكاني المتغيّرة، أو التحكّم بمعدل الولادات الخام، أوالحدّ من الهجرة والنزوح، أو دراسة أسباب الطلاق مثلاً، وغيرها من الظواهر الاجتماعية المتعلقة بالمسار الحالي والمستقبلي للسكان (علم السكان). يكون للدولة تأثيرٌ هام على هذا السلوك، من خلال ربط الأحداث بالمتغيّرات الحاصلة ومعرفة الأسباب الكامنة وراء الظواهر الاجتماعية.

هكذا تقوم الديموغرافيا (أو علم السكان) بمعالجة الظواهر الاجتماعية من خلال منهجيّةٍ علميةٍ واضحة وبأدواتٍ بحثيّةٍ معروفة، عمادها المادة الإحصائية الخام، وهو ما نفتقده في لبنان، إلاّ في الاحصاءات المتعلقة بفيروس "كوفيد – 19"، فقد زوّدتنا وزارة الصحة بقاعدة بياناتٍ إحصائية دقيقة وشاملة لكلّ من يرغب الاطّلاع على آخر المستجدات الإحصائية المتعلقة بجائحة كورونا. وقد شكّلت هذه المادة الإحصائية الدسمة، القاعدة الأساس للانطلاق في التحليل الديموغرافي لعناصر ومتغيّرات جائحة كورونا.

سوف نقوم في هذه المقالة، بالكشف عن العلاقة الهامة التي تجمع بين ثلاثة متغيّراتٍ إحصائية وهي عدد المصابين بالفيروس، والفئات العمرية العريضة (أي كل خمس أو عشر سنوات)، ومعدل الوفيات لكل فئةٍ عمريّة. وقد اعتمدنا الربط بين هذه المتغيّرات لأهمية نتائجها في التحليل الديموغرافي.

لقد شكّلت الفئات العمرية العريضة الممتدة بين 20-49 عاماً النسبة الأكبر لعدد المصابين بفيروس كورونا، أي حوالى 54.1% من مجمل الإصابات، بنسبة وفياتٍ بلغت 1% من المجموع العام، مما يدلّ على أنّ نسبة الوفيات منخفضةٌ للمصابين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 – 49 عاماً، وهو مؤشرٌ مطمئنٌ إلى حدٍّ ما، لكنّه مقلقٌ من حيث إمكانية نقل العدوى إلى أفراد أخرى في المجتمع، ضمن فئاتٍ عمريّةٍ مختلفة كالمسنّين مثلاً.

أمّا الفئات العمرية العريضة الممتدة بين 50-69 عاماً، فقد بلغت نسبة الإصابات فيها حوالى 24.1% ، بمعدل وفياتٍ بلغ 9.4%، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على نسبةٍ مرتفعةٍ للوفيات في صفوف هذه الفئة مقارنةً بالذين ما دونها سنّاً.

أمّا نسبة المصابين الذين تبلغ أعمارهم 70 سنة وما فوق، فقد بلغت حوالى 12.2% من مجمل المصابين بالفيروس، إلاّ أنه وبالرغم من الأرقام غير المرتفعة، مقارنةً بالنسب المئوية الأعلى للفئات العمرية الدنيا، إلاّ أنّ معدل الوفيات ضمن هذه الفئة قد بلغ 36%، وذلك بحسب إحصائيات وزارة الصحة. وهذا مؤشرٌ خطيرٌ جداً بشأن خصائص فيروس كورونا والمصابين من الفئات العمرية الأكثر سناً، مما يشكّل عاملاً فارقاً وهاماً في مقاربة موضوع كورونا.

أمّا الفئات العمرية الأقل إصابةً بالفيروس، فهي الممتدة بين عمر صفر – 19 سنة، التي تقريباً لم تسجّل معدل وفيات، وهذا لا يعني التقليل من خطورة العدوى لصغار السن، فمن الممكن أن يغيّر الفيروس طبيعته، وفقاً لتبدّل خصائصه.

إنّ أكثر الفئات العمرية تضرراً بانتقال عدوى فيروس كورونا هي للأشخاص الأكبر سناً، اذ ترتفع احتمالية أو نسبة الوفيات كلما كان المصاب طاعناً في السنّ. لا بدّ من التعاطي مع "كوفيد 19" على المستوى الفردي والمجتمعي بالمسؤولية اللازمة، لتجنّب انتقال العدوى إلى الآخرين واحتواء الانتشار، فالتوعية تبدأ من الداخل. إنّ سوء فهم الموضوع أو التعاطي معه بشكلٍ خاطئ، قد يودي بحياة الآخرين.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.