"بلومبرغ": عرض السعودية للمستثمرين.. "نيوم أقل.. ذكاء اصطناعي وألعاب أكثر"

المملكة السعودية تتطلّع إلى التركيز على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والألعاب أكثر من "نيوم سيتي".

  • رسم تصوّري لمدينة
    رسم تصوّري لمدينة "نيوم" السعودية

شبكة "بلومبرغ" الأميركية تنشر تقريراً يتناول التحوّل الاستراتيجي في أولويات الإنفاق والاستثمار داخل المملكة العربية السعودية، مع تراجع التركيز على مشروع "نيوم" العملاق لصالح توجيه الموارد نحو قطاعات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، الألعاب، التصنيع المتقدّم، والإسكان في الرياض، في ظلّ ضغوط مالية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في عام 2017، جلس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى جانب ستيف شوارزمان وماسايوشي سون في النسخة الأولى من القمة المالية السنوية في المملكة العربية السعودية للكشف عن مدينة القرن المقبل المسماة "نيوم". وسارع المستثمران المليارديران إلى الإشادة بالخطة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار والتي تصوّر مدينة تضم روبوتات أكثر من البشر وألواحاً شمسية كافية لملء سور الصين العظيم.

مع توجّه عمالقة التمويل العالمي إلى الرياض لحضور قمة مبادرة الاستثمار المستقبلي لهذا العام، تتجه المملكة بعيداً عما كان سيصبح أحد أكبر مشاريع البناء في العالم. وبدلاً من ذلك، تستعد لضخ مليارات أخرى في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والألعاب والتصنيع عالي التقنية في سباقها لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

لقد بدأت العقود الجديدة لـ "نيوم" في النضوب ولم يتمّ ذكر المشروع في بيان ما قبل الميزانية للبلاد لعام 2026 بعد أن تمّ ذكره لمدة ثلاث سنوات متتالية. تباطأ العمل في مشروع "ذا لاين"، وهو ناطحتا سحاب عاكستان بطول 160 كيلومتراً، وفقاً لبعض المصادر. في الوقت نفسه، واجهت مشاريع أخرى، مثل جزيرة سندالا الفاخرة ومنتجع تروينا للتزلج المترامي الأطراف، انتكاسات أيضاً.

تُراجع الحكومة بعض أهداف نيوم مقارنةً بالأولويات الرئيسية الأخرى للمملكة العربية السعودية، ولا سيما مع توقّعات استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة أطول، وفقاً لمصادر مطلعة.

في مؤتمر مستقبل الاستثمار (FII) الأسبوع المقبل، سيشارك كلٌ من جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة "جي بي مورغان تشيس"، وديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لشركة "غولدمان ساكس"، ولاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، وبروس فلات، الرئيس التنفيذي لشركة "بروكفيلد"، ضمن مئات المصرفيين والمستشارين والمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا، في مسعىً منهم لتوقّع خطط المملكة لإيرادات تتجاوز 200 مليار دولار سنوياً من صادرات النفط.

تستند هذه النظرة الداخلية إلى جهود المملكة العربية السعودية لإعادة هيكلة نفقاتها الضخمة، استناداً إلى مقابلات مع أكثر من ستة أشخاص مطلعين على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة معلومات غير معلنة.

يتوقّف الكثير، داخلياً وخارجياً، على قدرة المملكة على إنجاح هذا التحوّل الجوهري. وقد رفض كلٌ من صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة نيوم التعليق على هذه القصة. وبينما لا يزال المسؤولون التنفيذيون الأجانب يعتمدون على الدولة الخليجية لتوليد الرسوم والأرباح، فإنّ المليارات التي ضُخّت في مشاريع كبرى مثل نيوم حدّت في السنوات الأخيرة من قدرة المملكة على تخصيص رأس المال لصناديق الاستثمار الخاصة وصناديق التحوّط الدولية.

كما أدّت هذه النفقات إلى زيادة العبء على النظام المصرفي المحلي في الأعوام الأخيرة، مما أسفر عن استمرار نقص السيولة. وانخفضت أسعار النفط الخام في لندن بأكثر من 10% هذا العام، وهو ما يشكّل ضغطاً على الاقتصاد السعودي، إذ يمثّل قطاع النفط نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، يتوقّع صندوق النقد الدولي أن تستفيد الحسابات المالية والجارية للمملكة من أيّ انتعاش في أسعار النفط وإنتاجه.

ويُجري صندوق الاستثمارات العامّة، الذي تقترب قيمته من تريليون دولار ويشرف على تنفيذ خطة رؤية 2030 التي وضعها الحاكم الفعلي للمملكة، مراجعة شاملة لعدد من المشاريع العملاقة. وقد بدأت مؤشرات خطط الإنفاق الجديدة بالظهور مؤخراً، مما يشير إلى فرص متجدّدة أمام الشركات العالمية. وتتصدّر القائمة شركة الذكاء الاصطناعي "هيومين"، المملوكة لصندوق الثروة السيادي السعودي، ومن المتوقّع أن يشهد مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار إعلانات مهمة من الشركة، إذ تتنافس شركتا الاستثمار العملاقتان بلاكستون وبلاك روك على استثمار مليارات الدولارات معها، بحسب ما ذكرته "بلومبرغ".

كما تكثّف الرياض تركيزها على شركة "آلات"، الرائدة محلياً في بناء مراكز التصنيع الذكية، إلى جانب شركة "الرياض للطيران"، وفقاً لبعض المصادر. وقد بدأ المسؤولون بالفعل بالإعلان عن التغييرات، حيث صرّح وزير المالية محمد الجدعان في واشنطن مطلع هذا الشهر قائلاً: "إذا لم يكن من المنطقي حالياً استمرار أيّ استراتيجية أو مشروع، فإنّ المملكة لن تتردّد في تغييره أو إيقافه".
 
 خلال الأشهر التسعة المنتهية في أيلول/سبتمبر، لم تُمنح سوى نحو 8 مليارات دولار من عقود البناء في جميع مشاريع الجيجا، وفقاً لشركة ميد للأبحاث، منها 20 مليون دولار فقط مُنحت لمشروع "نيوم". وبينما مُنحت بالفعل نحو 110 مليارات دولار من عقود البناء لما يُسمّى بمشاريع الجيجا منذ عام 2019، وفقاً لميد، فقد بلغ الإنفاق ذروته في عام 2023 قبل أن ينخفض ​​خلال العامين الماضيين. وبينما يُحتمل منح المزيد من الأموال في الأشهر المقبلة، فمن المرجّح أن يكون ذلك أقل بكثير من الذروة.

هذا الانخفاض يُمهّد الطريق الآن لتوجّه الأموال إلى أماكن أخرى.

تخطّط المملكة لإعطاء الأولوية لمشاريع بناء منازل ومكاتب جديدة في العاصمة الرياض، في حين يُتوقّع أن يُنفق صندوق الثروة السيادية مبالغ طائلة على معرض "إكسبو" الدولي المقرّر إقامته في العاصمة السعودية عام 2030.

وفي الأشهر المقبلة، من المنتظر أن يكشف صندوق الاستثمارات العامّة عن استراتيجيته لعام 2026 وما بعده، ما سيُقدّم مؤشراً على مستقبل "نيوم". إنّ التحوّلات الجارية في هذا المشروع الضخم تُلقي بظلالها بالفعل على الاقتصاد العالمي، وقد تؤثّر على العديد من المشاركين في مبادرة مستقبل الاستثمار.

ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، يشهد بعض الاستشاريين تباطؤاً في نمو الإيرادات، ويقومون بنقل موظفيهم بعيداً عن نيوم. كما تمّ تعليق أعمال شركة إنشاءات سعودية واحدة على الأقل في المشروع، بينما قالت شركة أخرى إنها تُبقي الآلات في مشروع "ذا لاين" تعمل بالحد الأدنى حتى يتمّ اتخاذ قرار بشأن مستقبل المشروع.

ولا يزال بعض عمال البناء في الموقع، لكن من غير الواضح الشكل النهائي الذي سيُبنى به مشروع "ذا لاين"، بحسب المصادر.

لقد خلقت وتيرة البناء السريعة حاجةً ماسة إلى الائتمان في جميع قطاعات الاقتصاد السعودي. وقد يُخفّف المزيد من التباطؤ في "نيوم" بعض الضغط على السيولة، رغم أنه من المتوقّع أن يظلّ الوضع شحيحاً، إذ ستظلّ هناك حاجة إلى قروض لعشرات المبادرات الأخرى، مثل بناء المزيد من المساكن بأسعار معقولة.

وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في مجموعة "غولدمان" ساكس للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "من منظور سعودي، تُواجه البيئة الإقليمية والعالمية تحدّياتها في الوقت الحالي. لكنّ القيود ليست ثابتة. سيأتي وقت تصبح فيه أقلّ إلحاحاً، ويمكن للاستثمارات أن تتسارع من جديد".

في الوقت الراهن، من المرجّح أن يُمضي المسؤولون التنفيذيون القادمون إلى مبادرة مستقبل الاستثمار قُدماً في بناء علاقات مع السعودية قد تُفضي إلى مكاسب كبيرة.

فعلى سبيل المثال، من المتوقّع أن تُدرّ صفقة "EA" البالغة قيمتها 55 مليار دولار نحو 500 مليون دولار كرسوم لبنوك "وول ستريت" التي تُرتّب التمويل. ولا تزال المملكة تُشكّل محوراً أساسياً للطموحات المالية للشركات العالمية، إذ وقّعت مجموعة بقيادة "بلاك روك" في آب/أغسطس صفقة إيجار بقيمة 11 مليار دولار تشمل منشآت "أرامكو" السعودية للغاز الطبيعي.

كما أصدرت المملكة سندات سيادية بمليارات الدولارات، مُتيحةً لـ "وول ستريت" وسيلةً أخرى لتحقيق الأرباح. وصرّح مسؤول تنفيذي كبير لوكالة "بلومبرغ" هذا العام بأن إحدى الشركات الغربية تُحقّق الآن أرباحاً في الرياض من المساعدة في ترتيب السندات والقروض أكثر من تقديم المشورة بشأن عمليات الاندماج والاستثمارات الخارجية.

تُتيح الاستثمارات الإضافية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي فرصاً إضافية للشراكات والصفقات، ولا سيما أنّ الرسائل الأخيرة من أعلى مستويات الحكومة تُشير إلى استعداد لتغيير المسار. ومن المرجّح أن ينظر المستثمرون إلى التغييرات بشكل إيجابي "لأنّ ذلك يعني الكثير عندما تتخذ الحكومة خطوة إلى الوراء وتقول مهلاً نحن لن نوقف جميع الاستثمارات ولكننا ننقل الأموال إلى أماكن ذات احتياجات فورية وعوائد أسرع"، كما قال أثيرا براساد، مدير الاقتصاد الكلي في شركة ناصر السعيدي وشركاه للاستشارات الاقتصادية والتجارية.