هل تنجح الدبلوماسيّة الناعمة لبايدن في اختراق الممنوع في عهد ترامب؟

في ضوء هذه المعركة الناعمة، برز صوت ثالث سيكون له دور فعّال في إعادة الدفء إلى العلاقات الأميركية الإيرانية المتصلة بهذا الملف رأساً، وهو صوت الاتحاد الأوروبي.

  • هل تنجح الدبلوماسيّة الناعمة لبايدن في اختراق الممنوع في عهد ترامب؟
    أميركا جادّة هذه المرة في إضفاء الدبلوماسية الناعمة على تحركاتها

بعد الحرب النفسيّة الشرسة التي سادت في فترة حكم الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب بين الولايات المتّحدة الأميركية وإيران، بدأ الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن حياته الرئاسية بمعركة دبلوماسية ناعمة، تبادل خلالها الطّرفان الاتهامات والمطالبات لتحقيق الهدف، رغم أنّ كلاً منهما عبّر عن استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي الذي أُبرم في العام 2015م، وحاول أن يقترب من الآخر، ويبيّن أنّه سيلتزم بالاتفاق إذا ما التزم الطرف الآخر به.

وفي ضوء هذه المعركة الناعمة، برز صوت ثالث سيكون له دور فعّال في إعادة الدفء إلى العلاقات الأميركية الإيرانية المتصلة بهذا الملف رأساً، وهو صوت الاتحاد الأوروبي، رغم أنه شهد خلال الفترة الماضية تذبذباً واضحاً بعد خروج أميركا من الاتفاق وتعنّت الرئيس السابق دونالد ترامب وتعمّده استفزاز إيران، لإرغامها على توقيع اتفاق ثانٍ تكون له فيه الكلمة العليا، وهو ما لم يتحقق على الأرض، لخسارته في الانتخابات الرئاسية الماضية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020م وصمود إيران أمام التيار الإمبريالي الاستعماري.

اختلف الأمرُ كثيراً في عهد جو بايدن الذي عاهد العالم بأنه سيرجع إلى الاتفاق النووي، وسيوجد الطريقة المناسبة للحل، فعيّن مبعوثاً خاصّاً لإيران، وكلّف وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن بتشكيل فريق للتحاور والتفاوض بشأن النقاط العالقة في هذا الملف، والتي حالت دون رجوع سلس إلى الاتفاق.

أعتقد أنّ النقطة الخلافية الرئيسيّة تتمثل في أن إيران لا تريد أن يكون هناك اتفاق ثانٍ، ولا تريد الحديث عن الصواريخ الباليستيّة وعن دعمها بعض الحركات في المنطقة، كجماعة "أنصار الله" وحزب الله اللبناني، وحتى النّظام السوريّ، لأنها تعتبرها نقاطاً خارجة عن الاتفاق، والوقت ليس مناسباً للحديث عنها، بينما تريد أميركا أن تضيفها كملحق توقع عليه إيران وتلتزم به خلال الفترة القادمة قبل رجوعها إلى الاتفاق النووي. وهنا يأتي دور الاتحاد الأوروبي الّذي عبّر صراحة عن تأييده لرجوع أميركا إلى الاتفاق بصيغته الأولى رجوعاً تامّاً، ورفع العقوبات عن إيران، ولو جزئيّاً، كبادرة حسن نيّة للوصول إلى حلّ يرضي الطرفين.

ويبدو أنّ أميركا جادّة هذه المرة في إضفاء الدبلوماسية الناعمة على تحركاتها، سواء تجاه إيران أو اليمن، بخلاف الدبلوماسيّة الخشنة التي كان ترامب يمارسها، وربما أيضاً مع فلسطين، فقد يرسل مبعوثاً خاصاً يمكن أن يعيد المياه إلى مجاريها، وتعود السّلطة الفلسطينيّة إلى ممارسة عملها بشكل معتاد، ويُفتح مكتبها الرسمي في واشنطن.

تعد هذه المؤشرات جيدة جداً للوصول إلى علاقات هادئة لا تستعر فيها لغة القوة والغطرسة والعجرفة التي كانت سائدة في عهد ترامب، وهو ما يفسّر سرعة العمل في هذه الإدارة الجديدة، التي ما إن حطّت قدماها في البيت الأبيض حتى سارعت، وبكل قوة، إلى تغيير سياسات أميركا في المنطقة والعالم جوهرياً من النقيض إلى النقيض، ولكن ما زال الأمرُ في بدايته، لأن المصالح بين جميع الأطراف تتشابك وتتعقّد، وقد تصل في بعض الأحيان إلى طريق مسدود.

ومهما كان الأمر، فإنّ التوجّه الأميركي قد يُزعج بعض الأطراف الأخرى في المنطقة، وخصوصاً "إسرائيل" والسعودية، الحليفين الكبيرين لدونالد ترامب، فبعد أن عاشت "إسرائيل" في رغدٍ في عهده، ها هي اليوم تجني الثمار السوداء لسياسة عرجاء كان يمارسها للحصول على تأييد يهودي أكبر يمكن أن يفيده في الانتخابات، إلا أن تيار الديموقراطيين كان أقوى.

وبعد أن حصلت السعودية في عهد ترامب على دعم كبير لسياساتها الجديدة، مقابل ما تدرّه من أموال كثيرة عليه، ها هي اليوم تجد نفسها في موقف حرج ربما في ولاية جو بايدن، الذي أوقف صفقة السلاح وطالب بوقف الحرب اليمنية، وربما محاسبة المتورطين فعلياً في قتل الصحافي جمال خاشقجي.

كلّها ملفات يمرّ عليها بايدن ويُصدر فيها قراراته باعتباره الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركيّة، يسانده في ذلك ويساعده الكونغرس بجناحيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ. فترة السنتين المقبلتين ستكون زاهرة لسيّد البيت الأبيض، وعليه أن يستغلها أحسن استغلال، لتمرير قوانين وتشريعات كان ترامب قد أقدم عليها عنوة وجهلاً واستكباراً، خوفاً من أن ينقلب الحال بعد سنتين إلى الجمهوريين في الكونغرس.

ومن خلال هذه السيناريوهات، يبدو أنَّ إيران تكثّف تحرّكاتها وتصريحاتها أيضاً لاستغلال الوقت وإجبار الولايات المتحدة الأميركية على الرجوع إلى الاتفاق النوويّ، لأنّ الوقت ينفد، بحسب قولها، ولم يعد هناك الكثير أمام الإدارة الأميركية الجديدة، لأنّ الانتخابات الرئاسية في إيران على الأبواب، وربما يأتي رئيس محافظ يعارض أيّ تسوية مع أميركا وأي اتفاق معها، فتعود الأمور مرة أخرى إلى نقطة الصفر، وهو ما يخشاه المسؤولون الإيرانيون بشدة خلال هذه الفترة.

ولذلك، فإنهم يبذلون الجهد الكافي لتحريك المياه الراكدة وإدخال لاعب جديد في المعركة، يتمثل بالاتحاد الأوروبي الذي يخشى أيضاً ما تخشاه أميركا وإيران. وإذا استطاعت أوروبا إقناع أميركا بالتخلّي عن شروطها والرجوع إلى الاتفاق النووي، فربما تصل الأطراف إلى عقد محادثات أخرى تتصل بمواضيع لها علاقة بالأمن في الشرق الأوسط، وتهدأ الأمور كثيراً، وتزدهر الحركة التجاريّة، وتنتعش الحركة الاقتصاديّة.