لبنان: ماذا يمكنك أن تفعل خلال الانتظار في طوابير البنزين؟

ينتظر اللبنانيون ساعات يومياً في طوابير أمام محطات البنزين. في هذا الوقت، تسمع قصصاً موجعة من الناس. وما يزيدك بؤساً هو الغش الذي تتعرض له، الأمر الذي يجعل اللبنانين يعرّضون بيوتهم لخطر قنابل موقوتة ظناً منهم أنهم يتفادون الأزمة.

  • طوابير البنزين في لبنان
    طوابير البنزين في لبنان
  • طوابير البنزين في لبنان
    طوابير البنزين في لبنان

قد يكون حديثاً عبر "الواتسآب" مع حبيب أو حبيبة أو ربما صديق أو أي شخص من الأقارب، وقد يكون طبخةً تحضّرها ربة منزل، أو قد يكون تعارفاً بين سائقين، أو امتحاناً جامعياً تتحضر له، أو عملاً تنجزه، أو قد يكون تقريراً كهذا الذي تقرأه الآن.

تتساءل: ما هي هذه الخيارات التي أضعها أمامك، والإجابة أنها بعض مما قد يفعله اللبناني خلال انتظاره في طابور أمام محطات البنزين لملء سيارته، التي ستحتاج على الأقل إلى صفيحة من البنزين، على أن يتحضر للانتظار مرة أخرى في يوم لعين آخر في هذا البلد.

تنهك الأزمة الاقتصادية لبنان. شعبه لم يعد بمقدوره التحمل أكثر. الجيوب فارغة، والأنفس ميتة.

يعاني لبنان منذ أكثر من سنة ونصف السنة أزمة اقتصادية. يقول الخبراء إننا لم نصل بعد إلى قعرها، فهناك قعرٌ ما بعد القعر. 

لمن لا يعرف ماذا يحصل في لبنان، أستطيع تفسيره باختصار: لا حياة! نحن اللبنانيين، نعيش منذ أكثر من سنة ونصف السنة في اللااستقرار المادي والمعنوي، فالقدرة المعيشية على شراء الغذاء والملابس مفقودة، والدواء مفقود، والوقود مفقود، وهم يبشروننا بانقطاع الكهرباء والإنترنت قريباً. 

بحكم عملي في بيروت، ومكان سكني في الجنوب اللبناني، أضطر إلى السفر يومياً بين المنطقتين، وأقطع حوالى 70 كيلومتراً، ما يعني أنني أنتظر في طابور البنزين مرة أو مرتين في الأسبوع.

 أتأمل عندما أكون في سيارتي الوجوه الشاحبة. كلهم شاحبون: الشاب والعجوز. 

تحدثت مرة إلى شاب يقف إلى جانبي في الطابور الذي يأخذ من وقتنا ساعات. قال لي إنه لا يريد الخروج من المنزل وقيادة سيارته، حتى لا يضطر إلى أن يقف في هذا الطابور، لكنْ لدى والدته موعد عند الطبيب، وهي كبيرة في السن، ولا يريد أن ينهكها في سيارات الأجرة. 

مرة أخرى، تحدثت إلى رجل ستيني. قال لي إنه متعب جداً، ويتمنى أن تفنى هذه الحياة، فما عاد قادراً على أن يتحمل هذا الذل. 

وأضاف: "عم يخلونا نشحد.. نحن هزمنا الاحتلال الإسرائيلي، لكن دولتنا هزمتنا".

محطات البنزين في لبنان باتت المكان الوحيد الذي يجتمع فيه اللبنانيون بمختلف طوائفهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية. هنا، تسمع الشتائم الموجهة إلى الدولة والحكّام، وتسمع تحليلات ومطالعات بشأن الأزمة، إضافة إلى مشاهد كوميدية قد تجعلك تبتسم وسط هذا البؤس. 

لا تخلو هذه الطوابير من المشاكل والضرب والرصاص والموت أيضاً. منذ أيام، ودّع اللبناني عماد حويلي زوجتَه وبناته الأربع وشاباً قريباً لهم، إثر حادث سير مفجع حصل قرب محطة بنزين بسبب الزحمة في المحلّة.

كما نرى مقاطع مصوّرة لمواطنين تعرضوا لوعكات صحية بسبب الانتظار. 

ولا نغفل عن الضرب بالأيدي والعصي بين المنتظرين في طوابير البنزين، وإطلاق الرصاص على بعضهم البعض أو بالهواء، ما يثير ذعراً بين المواطنين.

بيوت لبنان.. انفجارات موقوتة

في إثر أزمة البنزين في لبنان، ونفاد هذه المادة من السوق اللبناني، اعتمد العديد من اللبنانيين على تخزين "غالونات" البنزين في بيوتهم، علماً أن هذه المادة خطيرة، وتنذر بحوادث كبيرة، على غرار ما حدث في انفجار مرفأ بيروت المدمر العام الماضي؛ فلعملية تخزينها شروط علمية وفنية وبيئية تحت الأرض وفي ​محطات المحروقات​ فقط.

يخزّن اللبنانيون الوقود في المنازل لضمان استمرار عمل المولدات التي باتت مؤخراً، ومع أزمة الكهرباء التي يشهدها لبنان، المصدر الأساسي للتيار في شتى المناطق.

ومع شح سيولة الدولار في السوق اللبناني، تراجع استيراد لبنان للوقود بشكل حاد، ما جعل تخزينه أمراً لا مفر منه لدى كثير من اللبنانيين، لكن من جهة أخرى، يقوم البعض بتخزين هذه المادة لبيعها في السوق السوداء بسعر أعلى.

وقد حذّرت المديرية العامة للنفط "المواطنين والمؤسسات من انتشار ظاهرة تخزين المحروقات، ولا سيما مادة ​البنزين​، تحسباً لرفع الدعم​ لاحقاً". 

وأكدت أن "هذه الممارسات تمس مباشرة بأمن المواطنين وممتلكاتهم وجنى أعمارهم، وتعرض ​السلامة العامة​ للخطر، لمساهمتها في ​حرائق​ مباشرة".

وتعمل الأجهزة الأمنية على تفتيش المحطات والمستودعات للبحث عن البنزين المخزن، وتجد مئات الغالونات خلال مداهماتها.

لا تظن أنك عندما تصل إلى المحطة بعد طول انتظار، ستستطيع ملء خزان البنزين في سيارتك بأكمله، بل ستكون مضطراً إلى أن تتوسّل الموظف، وتسرد له سيرتك الذاتية كي يرأف بك ربما. وفي أغلب الأحيان، لا يرأف بك، فليس بيده حيلة، إذ إنه مجرد موظف صغير لدى محتكر كبير، لكن أيضاً في بعض المحطات وأغلبها، يقوم الموظف بخفض حجم الحصة المخصصة لكل فرد، لكي يحصل على الرشوة.

واستكمالاً للبؤس في محطات البنزين في لبنان، قد تتعرض للغش إثر التلاعب بالعدادات والأسعار، وقد يطال الغش محتوى مادة البنزين نفسها، إذ يتلاعبون بها عبر خلطها بماء لزيادة الكميات، أو باستخدام ماء مغلي بالنعناع الذي يضفي عليه اللون الأخضر المشابه للون البنزين.

ويدعم مصرف لبنان المركزي مجموعة من السلع الرئيسية، كالدواء والمحروقات والمعدات الطبية والطحين وسلع غذائية رئيسية، لكن مؤخراً أعطى رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان موافقته على تمويل واردات الوقود بسعر 3900 ليرة للدولار عوضاً عن سعر الصرف السابق المحدد بـ1500 ليرة.