الإخوان والعدالة والتنمية والفاصل بينهما

بعد تحقيق حزب العدالة والتنمية فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، عادت من جديد ترتفع الأصوات التي تدعو جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي إلى التعلّم من هذه "التجربة الفريدة". لكن المتابع للشأن التركي يلحظ بوناً بنيوياً شاسعاً بين أيديولوجية كلا الطرفين، يمكن إيجازه بست نقاط رئيسية.

حزب العدالة والتنمية يقدم العقلية البرغماتية على الأيديولوجية (أ ف ب)
بعد تحقيق حزب العدالة والتنمية فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، عادت من جديد ترتفع الأصوات التي تدعو جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي الى التعلّم من هذه "التجربة الفريدة". لكن المتابع للشأن التركي يلحظ بوناً بنيوياً شاسعاً بين أيديولوجية كلا الطرفين. يمكن إيجازها بالآتي:

1-  اهتم حزب العدالة والتنمية بشكل أساس بقضايا الاقتصاد والتطور المجتمعي، والمسائل الخدماتيّة؛ فيما كان الشاغل الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين هو تطبيق الشريعة، والهويّة الإسلامية للدولة. ففي حين اختار حزب العدالة والتنمية رمز المصباح الكهربائي ليتوسط أعلامهم؛ كانت تصدح هتافات أنصار جماعات الإسلام السياسي بشعار الإسلام هو الحل، من دون وضع برامج عملانية توضح ماهيّة الطريق للوصول إلى هذا الحل، وإذا ما كانت تحقّق تطلعات الشعوب، وتنهض بالبلاد، وتحافظ على التنوّع العرقي والمذهبي والطائفي.

2-  معظم المواطنين الأتراك والأحزاب أيضاً، ومعهم حزب العدالة والتنمية، يفخرون بالقومية التركية ويتمسكون بها، ويقدمونها على الإسلام؛ بعكس التيارات الإسلامية في العالم العربي، التي ترى أن الجامع بينها هو الدين، وأن الانتماء يجب أن يكون للأمة الإسلامية، أكثر منه للدولة الوطنية. وعلى هذا، تجد الكثير من المواطنين لا يأبهون لأيديولوجيا حزب العدالة والتنمية، ويصوّتون له، باعتباره حزباً تركياً، يقدًم مشروعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يلبي تطلعاتهم وطموحاتهم، ويحفظ مكانتهم بين الدول الكبرى.

3-  سياسة حزب العدالة والتنمية تظهر على نحو واضح بتقديم العقليّة البرغماتية على الأيديولوجية. فالتجارب السابقة مع أحزاب الفضيلة، والرفاه، والسعادة، دفعت الكثير من النُخب التركية الى الاعتراف بأن  السياسة التي تستند إلى الأيديولوجيا، لا يمكن أن تكون قابلة للتطبيق في ظل التوازنات العالمية والمعادلات الدولية القائمة، وسوف تضرّ البلاد أكثر مما تنفعها. لذا كان لا بد من اعتماد البرجماتية، وتقديم المصالح الوطنية، والسعي الى الحفاظ على أمن وسيادة البلاد، والدفاع عن التنوّع العرقي والمذهبي، والالتزام بالقوانين الدولية، والانفتاح على كل الدول بمن فيها "إسرائيل". لكن هذا لم يعنِ التخلي عن الأيديولوجيا، فالمعيار هو احتواؤها إذا تضاربت مع المصلحة، والترويج لها في الظروف التي تؤدّي إلى منفعة، وخصوصاً في العلاقة مع البلاد العربية والإسلامية.

4-  أسّس حزب العدالة والتنمية مجموعة من الخبراء والعلماء والمتخصصين، واعتمدوا على معيار الكفاءة في اختيار الكوادر والقيادات. أما جماعات الإسلام السياسي، فيمكن أن تلحظ بوضوح أن معيارها الأول هو الالتزام الديني، ثم المعايير الأخرى. الأمر الذي أدى إلى خسارة الكثير من الكفاءات، وإضفاء صبغة دينية وأيديولوجية على أحزابها، جعل الكثير من الخبراء الوطنيين يبتعدون عنها، وينخرطون في أحزاب أخرى.

5-  تمسّك حزب العدالة والتنمية بالقيَم الأوروبية، باعتبارها تتقاطع على نحو كبير مع القيَم الإسلامية، وتحقق المقاصد العامة للدين، كالحرية والشورى والعدالة وتحقيق التنمية وحفظ الدين والمال والنفس ومحاربة الجهل والبطالة. فيما لا تزال حتى الآن تدور مراجعات داخل تيارات الإسلام السياسي العربي، بشأن أولوية أسلمة المجتمعات بطروحاتها الكلاسيكية، على غيرها من القضايا الأساسية التي انتفض الناس من أجلها.

6- اختلاف هذه المقاربات يعود إلى تباين الخلفيّة التي يستند كل طرف إليها. فالمنظومة الصوفيّة بتصوراتها ومفاهيمها، هي التي تطغى على توجهات المجتمع التركي؛ فيما تسيطر المنظومة السلفيًة بمفرداتها وتعاليمها، على معظم حركات الإسلام السياسي العربي. فمسألة الولاء والبراء مثلا تُعدّ ركيزة أساسية في أيديولوجية هذه التيارات، وتعني ولاية ونصرة واحتضان من يؤمن بأيديولوجيتها، والابتعاد ولو "شعورياً" عمن يعتقد خلافها. أما المتصوفون فيعتقدون أن الإنسان من روح الله. يجب احترامه وتكريمه والتسامح معه ودعوته إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي، وسواء كان مؤمناً أو كافراً. فالبشر سواسية بسبب الروح المقدّسة التي أودعها الله داخل كل إنسان. ويعتقد المتصوفة أيضاً أن التدين الحقيقي هو التدين الباطني، فالصلاة مهمّة، لكن أهم ما فيها الخشوع، فـ"الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم". لذا يركّزون على التربية والتزكية والتعليم والمسالمة كنهج لإصلاح البشرية، وإقناع الناس بروح الدين. فيما تؤكّد الطروحات السلفيّة أن الرسالة الحقيقية للإنسان هي إقامة الدولة الإسلامية وتحكيم شرع الله في الأرض، وتنصيب أنفسهم حراساً للخلافة الإلهية.