عزل الرئيس أولاند من السُلطة !

ما مدى حصانة الرئيس الفرنسي؟. الرئيس في فرنسا لا يملك حصانة مُطلَقة على أفعاله. يملك فقط حصانة إجرائية تقوم على عدم إمكانية ملاحقته أثناء ولايته الرئاسية، ويحتفظ من أُرتُكِب بحقّه اعتداء جزائي، أو تعدٍ على حقوقه من قِبّل الرئيس، سواء أكان ذلك قبل استلامه لمهامه أو حتى أثناء ذلك، بالحق في اللجوء إلى القضاء بعد انتهاء ولاية الرئيس بثلاثين يوماً، وذلك وفقاً للتعديل الدستوري الذي حصل في العام 2007، في ما يخصّ مسؤولية الرئيس الجزائية، وهذا ما تم بالفعل مع كلٍّ من الرئيسين السابقين شيراك وساركوزي بعد انتهاء ولايتيهما.

قام الرئيس الفرنسي بالإدلاء بتصريحات يُمكن أن تُعتبَر إفشاءً لأسرارٍ تتعلّق بالدفاع والأمن الوطني

ولكن التعديل الدستوري لعام 2007 أتاح إمكانية عزل الرئيس في حال واحدة فقط وهي حال إخلاله الجسيم في أداء مهامه، بما يتعارض مع استمراره في أداء وظيفته كرئيس للجمهورية، ويُحاكَم امام مجلسي البرلمان، بصفتهما محكمة عليا، وبتصويت سرّي على قرار العزل بأغلبية ثلثي الأعضاء، وتُضيف المادة 68 من الدستور بوجوب تقديم اقتراح العزل من قِبَل  ستين عضواً من أعضاء أيٍّ من مجلسي البرلمان، الشيوخ أو الجمعية الوطنية.

ما هي عقوبة الإخلال الجسيم بالمهام الرئاسية؟

 هنالك عقوبة وحيدة وهي عقوبة العزل من الوظيفة الرئاسية وفقاً لمحاكمة سياسية صِرفة، لا تحمل أية صفة قضائية سواء من حيث العقوبة أم من حيث الإجراءات أم حتى من حيث صفة أعضاء المحكمة العليا، فهم ليسوا قضاة وإنما هم النواب عن الشعب أعضاء مجلسي البرلمان.

ثمة مَن يتساءل ماذا يجري في باريس اليوم ؟. 

على خلفية صدور الكتاب الفضيحة "رئيسٌ لا يجب أن يقول هذا"، تقدّم 79 عضواً من حزب الجمهوريين في الجمعية الوطنية قبل أيام بطلب انعقاد المحكمة العُليا بهدف عزل الرئيس أولاند، هذا الطلب يحتاج إلى أغلبية الثلثين، أغلبية يبدو لنا استحالة جمعها في مثل هذه الظروف كما سنُشير لاحقاً، فحتى الآن تم جمع أصوات 152 عضواً في حين أن المطلوب لتبنّي الاقتراح في الجمعية الوطنية أثناء التصويت هو 385 عضواً.

وبالتالي يبدو أن ما قام به أعضاء حزب "الجمهوريون"، يأتي من باب كسب النُقاط في معركتهم الانتخابية مع اليسار، فالسباق إلى الإليزيه يقتضي الإستفادة من كل هفوات الخصم، بُغية توجيه الناخب الفرنسي في الانتخابات المقبلة بما يصبّ في مصلحة هذا الطرف أو ذاك.

 

ماذا فعل السيّد أولاند؟

لقد قام الرئيس الفرنسي بالإدلاء بتصريحات يُمكن أن تُعتبَر إفشاءً لأسرارٍ تتعلّق بالدفاع والأمن الوطني، تتعلّق بالخطّة العسكرية للاعتداء على سوريا، إضافة إلى تصريحه بأنه أعطى خلال ولايته الرئاسية أربعة أوامر للمُخابرات الفرنسية بُغية القيام بتصفيات جسدية لأعداء مُفترَضين، وقد كشف عن ذلك لصحفيّين من صحيفة اللوموند، نشرا ما كشفه الرئيس لهما في كتاب تم إصداره الشهر الماضي  تحت عنوان (رئيسٌ، لا يفترض أن يقول هذا).

 

لماذا يصعُب عزل الرئيس أولاند بسبب تصريحاته هذه؟ 

على الرغم من جسَامة الخطأ الذي ارتكبه الرئيس أولاند فإننا ولأسباب عديدة لا نعتقد ذلك، منها أن هذه المُحاكمة سياسية بامتياز، وبالتالي فإن التصويت سيكون سياسياً والقرار بالعزل يحتاج إلى أغلبية الثلثين، وبحسب الانتماء الحزبي، فإن مناصري الحزب الاشتراكي سيصوّتون بحسب المناخ السياسي القائم في فرنسا ضدّ هكذا قرار، إضافة إلى أننا لا نلاحظ هنا في فرنسا ردّة فعل شعبية على تصريحات الرئيس، تُلزِم أعضاء الحزب الاشتراكي في البرلمان ، أدبياً، بالتصويت على عزله. 

إننا نرجح أن  ما ساعد الرئيس على تجنّب إمكانية مُلاحقته وعزله، أن فرنسا على أبواب الانتخابات الرئاسية  والتي ستجري بعد أشهر قليلة، وبالتالي من غير المفيد عزل رئيس هو في طريقه للخروج من السلطة، وهذا ما أكّده برنو لومير أحد مُرشّحي اليمين للرئاسة، فبالرغم من أن شعبية الرئيس قاربت الخمسة بالمئة الشهر الماضي حسب استطلاعات الرأي، وهي نسبة لم تنزل لها شعبية رئيس مُطلقاً، أو في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة على الأقل، نجد أن ردّة الفعل الشعبية على ما كشفه الرئيس بتصريحاته باهتة نوعاً ما، ما يمكن تفسيره بقُرب الانتخابات الرئاسية على الأرجح، وبالتالي فمن العَبَث التحرّك ضدّ رئيس في طريقه لمُغادرة الإيليزيه، على عكس ما حصل قبل سنتين من حِراك شعبي طالب بعزل الرئيس بناء على أخطاء أقل جسامة من هذه التي ارتُكبت مؤخراً.

 

تجدر الإشارة هنا إلى أن لجنة أفريل التي وضعت مشروع تعديل المسؤولية الجزائية للرئيس في العام 2007، كانت قد حذفت النص القديم للمادّة 68، الذي يقضي بملاحقة الرئيس في حال واحدة فقط، وهي حال ارتكابه الخيانة العُظمى ، ووضعت بدل عنها الإخلال الجسيم بالمهام، هذه اللجنة كانت قد وضعت في مشروعها حالات عدّة كأمثلة للإخلال ، منها عرقلة الرئيس المُتعمّدة لعمل البرلمان أو غيره من المؤسسات بحيث تتوقّف الحياة التشريعية في البلد، أو امتناعه عن إصدار القوانين أو غير ذلك من الأفعال الخطيرة جداً، والتي تُشكّل أفعالاً استثنائية لا يُمكن أن يأتي بها رئيس، وهنا يبدو أن ما قام به السيّد أولاند لا يرقى إلى ذلك، بيد أن النص الدستوري لم ينص صراحةً على ذلك، بل حتى لم يشترط أن يُشكّل الإخلال جرائم مُعاقَب عليها قانونياً.