عيد ميلاد المسيح في روسيا بين الماضي والحاضر: العيد الذي يتجدد

عيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم يعد من أهم المناسبات التي يحتفل بها المسيحيون في انحاء العالم. وتختلف التحضيرات والتقاليد بين دولة وأخرى في الاحتفال بهذا العيد، كذلك بين الطوائف المسيحية نفسها. فالمسيحيون الكاثوليك يحتفلون به في الخامس والعشرين من كانون الاول / ديسمبر، أما الأرثوذكس فيحتفلون بهذه المناسبة في السابع من كانون الثاني / يناير.

الميلاد في روسيا
 ويعود هذا الاختلاف الى ان الكاثوليك يعتمدون التقويم الغريغوري (الميلادي) نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما في القرن السادس عشر، الذي قام بتعديل نظام السنة الكبيسة في التقويم اليولياني ليصبح مطابقا للنظام المتعارف عليه حاليًا.

 في حين ان الأرثوذكس يعتمدون التقويم اليولياني (تقويم وضعه يوليوس قيصر في عام ٤٦ قبل الميلاد). وعلى هذا التقويم تسير الكنائس في روسيا والدول التي تعتنق المذهب الأرثوذكسي حتى يومنا هذا. وبناءا على ذلك فان عيد الميلاد يحل على روسيا في اليوم السابع من أول أشهر السنة الميلادية.

عيد الميلاد كان على مدى عدة قرون ثاني أهم الأعياد الدينية في روسيا بعد عيد الفصح. واستمرت الامور على هذه الحالة حتى بداية عام ١٩١٨عندما تشكلت الحكومة السوفييتية بعد انتصار الثورة البلشفية في عام ١٩١٧. وقد منعت السلطات الشيوعية أي شكل من اشكال الاحتفال بعيد الميلاد وغيره من الأعياد الدينية حتى سمحت الحكومة السوفيتية للمواطنين في عام ١٩٣٥ بالاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية ورخصت تزيين شجرة عيد الميلاد، ولكن ليس للاحتفال بالجانب الديني المرتبط بميلاد المسيح، وانما برأس السنة، اي بانتهاء سنة وبداية سنة جديدة. وبذلك تم اضفاء صبغة علمانية على هذه المناسبة، علماً بأن شجرة "التنوب" التي تزين في رأس السنة كانت على مر العصور رمزاً للاحتفال بعيد الميلاد. وللتأكيد على الطابع العلماني للاحتفال استحدثت الحكومة السوفيتية تقليدا متبعا حتى الان ويقضي بوضع نجمة خماسية حمراء كرمز للاتحاد السوفييتي على قمقم الشجرة. 

ومنذ ذلك العهد اصبح الاحتفال برأس السنة المناسبة الأكثرَ رواجا وانتشارا في الفضاء السوفييتي السابق، ولا سيما في روسيا. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي لم يسترجع عيد الميلاد مكانته التاريخية الحقيقية التي كان عليها في القرون الماضية باعتباره احد اهم المناسبات الدينية. الا ان الكنيسة الروسية تحاول رد الاعتبار لهذه المناسبة. فقد نجحت على مستوى السلطات في الترويج له وأصبحت هذه المناسبة عطلة رسمية. وغدا مألوفا ان يحضر صلوات العيد في الكنيسة كبار رجال الدولة، ومن ضمنهم رئيس الدولة فلاديمير بوتين. وإعدادا للاحتفال بالمناسبة يستعد الناس قبل العيد بأيام لتحضير اطعمة وحلويات خاصة. وكالعادة تزركش البيوت والاشجار بالزينة والأضواء البراقة وغير ذلك من انواع الزينة. 

ويسبق العيد صيام الميلاد الذي يستمر ٤٠ يوما وينتهي ليلة الاحتفال.  ويرتبط ذلك بالرسالة الإنجيلية التي تروي قصة ولادة النبي عيسى، واستنادا اليها فان ميلاد المسيح يؤرخ له من ليلة ظهور اول نجمة في سماء بيت لحم في فلسطين. 

والمميز لعيد الميلاد في روسيا انه مناسبة عائلية يحتفل بها في نطاق الاسرة والأقارب.

وتسبق الاحتفال صلاة العيد الصباحية في الكنائس، لكن ذلك كله تسبقه صلوات وقوف الليل غداة العيد، حيث تقام صلوات مسائية تستمر الى ما بعد منتصف ليلة السادس على السابع من كانون الثاني / يناير، تليها مسيرة الصليب حول مبنى الكنيسة استبشارا بميلاد المسيح. 

ومن التقاليد الطريفة التي تعود الى قرون مضت قراءة البخت من قبل الفتيات اليافعات بواسطة الشمع الذائب لتعرف كل فتاة من سيخطبها ويدخلها عِش الزوجية، علما بأن الكنيسة لا تعترف بهذا التقليد وتعتبره بدعة، لكنها لا تحرمه. وفِي القدم كان متبعاً ايضا ان يجول الأطفال في الشوارع ويطرقون الابواب وينشدون الأناشيد لمن يفتح لهم وفِي المقابل تقدم لهم الحلوى وأطعمة العيد والهدايا. ويوجد اعتقاد سائد بان الربيع سيحل باكرا ويكون دافئا اذا كان الطقس في ليلة الميلاد مُثلِجاً. أما اذا جاء العيد في يوم الأحد فإن الصيف المقبل سيكون وافِرَ النبات وسيعطي محصولا زراعياً كبيراً.

وفِي السنوات الاخيرة بدأ الكثير من هذه التقاليد القديمة يعود الى روسيا. 

وباختصار فان لعيد الميلاد في روسيا خصوصية، فهو يوثق صلة القربى بين الاهل ويعتمد على القيم الدينية بشكل كامل. انه يختلف عن الاعياد الاخرى وله مظاهره الاحتفالية الخاصة به .

انه عيد للتعبير عن المشاعر الدافئة   والسلام والمحبة، وخصوصا بين افراد العائلة الواحدة . وكما يقول الرهبان في الكنائس في هذا اليوم: إنه احتفال بميلاد المسيح المخلص الذي جاء الى العالم ناشرا المحبة وداعيا الى السلام.