مشكلة التمييز بين اليهودية والصهيونية في المزاج الثقافي الشعبي المغربي
قد لا يجد المواطن العربي في بلدان المشرق العربي مشكلة في التمييز بين اليهود واليهودية وبين الصهيونية. لكن المواطن المغربي يختلف في هذا الأمر كثيراً عن مثيله في بلدان المشرق العربي، ذلك أن المغرب لا يعرف تنوعاً طائفياً دينياً، حيث أن الوجود اليهودي لا يكاد يذكر قياساً إلى الغالبية المسلمة المتجانسة مذهبياً وعقدياً إلى حد ما.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 15 أيلول 2016 16:40
في المغرب جماعة يهودية تدعى "ناطوري كارتا" تعادي الصهيونية بالمطلق
ولذلك فإن تمثل الإنسان المغربي لمسألة التعدد المجتمعي، لا تتجاوز التعدد اللغوي والعرقي، أما العلاقة التاريخية مع يهود المغرب، فتراوحت بين الوئام التام والمقبولية، وبين بعض مظاهر التحامل الاجتماعي الطفيف، الذي عويش إلى حد بعيد قبل مجيء زمن النكبة عام 1948، والذي لم يبقَ منه سوى بعض المرويات الشفهية عن أساليب هزل المراهقين في المدن المغربية العتيقة من المارة اليهود.فالمغرب باعتباره واحداً من البلدان التي توفرت على مكوّن يهودي كبير ضمن تشكيلاتها العرقية والدينية، فقد كان معنياً بكل هذه القضايا. وتوفر مزاجه الشعبي (والنخبوي أحياناً) على تشوش كبير حيال التمييز بين اليهودية والصهيونية، إذ لم تشتغل أية جهة سياسية دعائية رسمية أو مضادة على توجيه هذا المزاج نحو التمييز الواجب بين الأمرين المذكورين. وربما قد يكون السبب في ذلك هو وضع "شبه العزلة" الذي يسم المناخ السياسي والثقافي والاجتماعي المغربي عن قضايا المشرق العربي، وهو الوضع الذي تكرس منذ زمن بعيد، حيث لم تطأ سلطة الإمبراطوريات العربية أرض "المغرب الأقصى"، وصولاً إلى الامتداد الراهن الذي يجعل المغرب "شبه جزيرة ثقافية عربية إسلامية"، وإن كانت جماهير هذا البلد لا تتورع عن التفاعل مع القضايا العربية التي تفرض نفسها كانتفاضة فلسطين، والحرب على العراق، والتناغم مع مفاعيل الحركات الاحتجاجية الراهنة.إلا أن غياب/تغييب العنوان الفلسطيني عن التحولات التي تشهدها المنطقة العربية راهناً، كرّس في المغرب أيضاً هذا الواقع، وكما كان التمييز بين اليهودية والصهيونية غير قائم، تكرّس أكثر، ولعل إحدى أهم مؤشراته هو عدم فوز المرشحة اليهودية المغربية ماغي كاكون في الانتخابات التشريعية مرتين، لدى ترشحها عن حزب الوسط الاجتماعي. فرغم أنها لطالما أعلنت بأنها تترشح كمواطنة مغربية، وليس كيهودية، وتسعى إلى تمثيل مصالح كل المغاربة، إذ لا يعقل أن تترشح عن ما يقارب 2000 يهودي فقط، بحسب التقديرات التي تتحدث عن عدد اليهود الموجودين في المغرب راهناً، ما يبعد عن الأذهان إمكانية الحديث عن وجود كوتا يهودية في البرلمان المغربي، على غرار التجربة الإيرانية مثلاً.
لكن لأن والدة ماغي كاكون
وشقيقتها تقيمان في إسرائيل، ولأنها هي نفسها زارت إسرائيل، فإنه من الوارد جداً
أن الناخب المغربي قد لا يجد في نفسه الميل نحو التصويت لها بكثافة مما يمكنها من
الفوز، لأنه عموماً ناخب يصوت لـ"الشخص" وليس لبرنامج الحزب، بصرف النظر
عن مدى إمكانية التأشير بذلك إلى "صهيونيتها"، وعن مدى تدخل عوامل أخرى
في ترجيح كفة الفوز لصالح غيرها. فالمغربي عموماً يحتفظ في ذهنه بكم من المنقولات
الشفهية عن "عداء المسلمين والعرب لليهود"، تجتهد بعض الحركات الإسلامية
في ترويج مقولات من قبيل أن "اليهودي" لا خير فيه، حتى يصير التحريض على
مناضل ومثقف من حجم "اليهودي المغربي" أبراهام السرفاتي، تحريضاً من
منطلق كونه يهودياً ثم شيوعياً، على نفس المنوال الذي سارت عليه حجج النازية ضد
الشيوعية. وفضلاً عن الصورة التي يجتهد البعض لرسمها للمستشار الملكي "أندري
ازولاي".
هذا الواقع لا يمنع من وجود
حالات في الماضي والحاضر عن التعايش السلمي، والتعاطي في شؤون التجارة والمعاملات،
على نحو يصل إلى تفضيل اليهودي على المسلم باعتبار الصدقية والجدية. لكن المخيال
الجمعي المغربي يكاد يضع اليهود كلهم في سلة واحدة حينما تحضر قضية القدس، وإن على
صعيد العاطفة. ولنا أن نتخيل صدمة المغربي البسيط أو المتعلم في مستويات معينة
حينما يعلم مثلاً عن وجود جماعة يهودية تدعى "ناطوري كارتا"، تعادي
الصهيونية بالمطلق، أو عن مثقفين يهود كبار أمثال "نعوم تشومسكي"
و"نورمان فينكلستاين" و"يعقوب كوهين". هذا إذا لم تقفز
تفسيرات المؤامرة القاضية بأنه مجرد "توزيع للأدوار". وفي النهاية فإنه
من السهل على مزاج كهذا أن يخلط بين اليهودية غير الصهيونية، وبين الصهيونيات غير
اليهودية، والتي من بينها صهيونية مسلمة، ترى أنه ينبغي أن تكون هناك "دولة
يهودية" في إطار التحضير "لمعارك آخر الزمان" بين اليهود والمسلمين.
صحيح أن المغرب كبلد يسعى
دائماً إلى النأي بنفسه عن كل ما من شانه أن يجعله طرفاً في القضايا "الشرق
أوسطية"، بحيث أن حضوره في هذه القضايا أيام الملك الراحل الحسن الثاني كان
محكوماً إلى حد بعيد بالميزات التي توفر عليها، ومنها سعيه للعب أدوار الوساطة في
حل بعض النزاعات تناغماً مع مناخ الحرب الباردة حينئذ. لكن إذا افترضنا وجود فئة
من اليهود المغاربة ذات ميول صهيونية، فإن السؤال يثور حول مدى خدمتها للمغرب في
قضيته الوطنية الأولى؟، وإذا كانت هناك فئة من اليهود المغاربة الفاعلين
الاقتصاديين والسياسيين غير صهيونية، فماذا يمكنها أن تقدم بخصوص القضية العربية
الأولى؟.
لكن المهم في كل هذا هو أن
المغرب ظل يراوح مكانه على الصعيد الرسمي بخصوص قضية التطبيع، ووصل الأمر إلى حد
التحضير لمشروع قانون لتجريم التطبيع سنة 2013، وسط حركة سياسية نشيطة مناهضة
للتطبيع، دونما غياب بعض مظاهره الاقتصادية التي تطفو على السطح بين الحين والآخر،
ودونما التفريط في رئاسة لجنة القدس، وركوب قطار "المبادرة العربية
للسلام". وهذا ما يجعل الموقف الرسمي ملتبساً هو الأخر من مسألة الصهيونية
واليهودية، تماشياً مع اللبس الحاصل في المزاج الشعبي حيالهما، ما سينعكس بشكل أو
بآخر على الموقف من مسألة "الحق في المقاومة"، والذي يحتاج إلى وقفة
أخرى، لفكفكة بعض خيوطه.