زمن بوتفليقة

زمن مضى، اختلف فيه الجزائريون كما لم يختلفوا من قبل ، فتوزّعوا فرقاً مساندة وأخرى معارضة ، وانتشروا أحزاباً في الموالاة وأخرى في المعارضة وبدوا بين بعضهم البعض كأشتات ما بين متفانٍ في الزمن البوتفليقي ومن كافر به؟ كما اختلف الجزائريون كما لم يختلفوا من قبل في " الإنجاز البوتفليقي " الذي واكب الحقبة الطويلة والعهدات الأربع قليلاً ، إذ بهم في العقدين من الأعوام التي مرت شهدت من المثاليين مَن يكفر بجميع التجلّيات البوتفليقية التي كانت ترفع بمثابة الإنجازات . وشهدت من المادحين مَن يستغرق تلك التجلّيات بالمديح والغزل والتكبيرات حد القداسة ! لكنه يظل زمناً مضى ، سيظل لبنة من اللبنات التي سيجت من التاريخ الجزائري الحديث بما له وما عليه أكاليل ؟

لقد انتهى " الزمن البوتفليقي " من دون أن يسمح لمَن جسّده الرئيس المستقيل "عبد العزيز بوتفليقة " أن يلقي خطابه الأخير أو وداعه الأخير

بدأ زمن يُهلّل له بالدموع والتصفيق الحار ، وانتهى زمن يشار ببنان التصفير والصراخ واللافتات التي كتبت " أن إرحل".
إنه " الزمن البوتفليقي " المثير للجدل ، والذي أضحى في أواخر أيامه عند مطالع ربيع 2019 أقل من عصابة ولعلّها المُرادفة التي ذكرها الخطاب الشديد بلهجته من جيش الشعب الجزائري في تنفيذ " مبادرة الجيش " بعد الجمعة السادسة .
لقد انتهى " الزمن البوتفليقي " من دون أن يسمح لمَن جسّده الرئيس المستقيل "عبد العزيز بوتفليقة " أن يلقي خطابه الأخير أو وداعه الأخير، فالأيام الربيعية هذه طلت على عَجَل ساحبة قدره ، وتدفّقت بالصراع والسلمية والمسيرات المليونية ضد الزمن نفسه الذي استجمع أعظم أسمائه وقرّر الرحيل!
كان زمناً بوتفليقياً قد أكل حقبة زمنية طويلة قليلاً قاربت العقدين من الأيام الجزائرية منذ 1999 إلى 2019، فامتدت أعوامه في عهداته التي شهدت الجزائر فيها كثيراً من التجلّيات التي أضحت مثاراً للانتقاد في ما بعد ، وتجلّيات أخرى أضحت مثاراً للإشادة في ما بعد ، فلقد اشتدّ في هذه العهدات عضد المعارضة ، وعلت فيها أصوات الشباب وزادت الثقافة التظاهرية وثقافة الإنصات لأنّات الشعب والفقراء في الإعلام الذي خان صبيحة الخروج التاريخي يوم 22 فيفري واكتفى بالتجاهل، وكثرت الفسح والرقع واتسعت إلى أن غدت قوة ضاربة ملكت الشوارع ، وهي المستويات التي لم يكن يتصوّرها الجزائريون يوماً بأنهم هم أنفسهم سيغدون يوماً بالخروج الذي أبهر الدنيا ؟!
لقد كان خوفاً يراد للجزائريين جميعاً من المنحدرات والانزلاقات وما يشاكلها ، لكنه التاريخ الجزائري الحديث سلم شعبه من الأذى، شعبه الذي يعيش على عتبات الألفية الجديدة فعلمه أنه ليس فوضوياً ولا متوحشّاً ، وأصولياً ولا متطرّفاً بل أعلمه أن شبابه يحملون من النُبل والكرامة ومن الأمانة والحياء ما تخجل عن حمله الجبال .

زمن مضى، اختلف فيه الجزائريون كما لم يختلفوا من قبل ، فتوزّعوا فرقاً مساندة وأخرى معارضة، وانتشروا أحزاباً في الموالاة وأخرى في المعارضة وبدوا بين بعضهم البعض كأشتات ما بين متفانٍ في الزمن البوتفليقي ومن كافر به؟ كما اختلف الجزائريون كما لم يختلفوا من قبل في " الإنجاز البوتفليقي " الذي واكب الحقبة الطويلة والعهدات الأربع قليلاً ، إذ بهم في العقدين من الأعوام التي مرت شهدت من المثاليين مَن يكفر بجميع التجلّيات البوتفليقية التي كانت ترفع بمثابة الإنجازات. وشهدت من المادحين مَن يستغرق تلك التجلّيات بالمديح والغزل والتكبيرات حد القداسة ! لكنه يظل زمناً مضى ، سيظل لبنة من اللبنات التي سيجت من التاريخ الجزائري الحديث بما له وما عليه أكاليل ؟

أنه زمن فجأة صار في أواخر أيامه قاسياً قليلاً ، صامتاً لا يتكلّم ولا يتحرّك، زمن أوكل الكلام والتعبير والتسيير إلى آخرين ثم إلى الرسائل ثم أن جاء الزمن الأدهى " زمن الإطار الصورة " والذي فجّر الحزن الجزائري العرمرم ، لقد انتهى الرئيس " عبد العزيز يوتفليقة " إلى غريب لا يعرفه شعبه وإلى مجرّد إطار وصورة صمّاء ، إطار من صورة كان يتجوّل في القاعات والمناسبات والتدشين إلى أن قدّم إطار صورة لكي يترشّح رئيساً في شعب الشهداء!

زمن في أواخره أسكت العقول وحيّر الألباب وأطلق الذهول إلى أعنان السماء، وانتهى تحت تدابير حنكة سياسية مُحكمة التنفيذ، كان آخرها خطاب شديد اللهجة من قيادة الجيش ، خطاب سيبقى يملك من جرأة على وقف الحكاية مع الحقبة البوتفليقة والعهدات ما سيروى عن زمن بوتفليقي للتوّ دخل أدراج التاريخ الصارمة .

إن الجزائر حكاية وقصة فمن بلد مستعمر يئن تحت الخوذة الديغولية إلى بلد لا تطيقه الأحلام غداة الاستقلال النوفمبري ، ثم تجلّى كبلد بعد سنوات يركب هامات المجد البومديني إلى بلد يأكله الزمن التسعيني الإرهابي الإسلاموي الأعمى، ثم ها هو يستغرق كبلد يغلّفه الزمن البوتفليقي بإسمه وحكمه وفساده ليرفعه الحراك الشعبي الذي تفجّر غداة " 22 فيفري " فوق الزمن الذي طال كثيراً إلى أن شاخ ومرض.
فالذي بدأ يُهلّل له بالدموع والتصفيق الحار والأماني العريضة، انتهى زمن يشار إليه ببنان التصفير والصراخ واللافتات الطيّارة التي كتبت " أن إرحل" ليهوى بقبضة الشعب وجيشه في ست جمعات، فلم يتمكّن أن يترجّل من على صهوة السلطة الجزائرية المحروسة بدماء المليون والنصف مليون شهيد ودعاء الصالحين.