زوال إسرائيل: الحصان ليس وحيداً (3)

التافهون للتافهات. الصادقات للصادقين. العاهرون للعاهرات. الطيبات للطيبين. المجرمون للمجرمات. الجميع يجتمع في فلسطين. البعض استثناء. قوانين الارض طُبقت في فلسطين: عدالة السماء، انتقام العاطفة، ثأر العدالة، الارض مقابل السلام، الموت مقابل الحياة، الطعام لأجل الاستمرار، الحصار لهزيمة الانتصار..

أي نوع من الاسلحة لن يكون بمقدوره حسم الصراع إذا فقد الجيش رغبته في القتال.
الجميع يجتمع في فلسطين، لكنهم متشابهون. نحن متخاصمون: لا يوحدنا حزب او دين، نحن اسلاميون، مسيحيون، ملحدون، يساريون، علمانيون، تقدميون، رجعيون.. نحن ننقض ما يجمعنا، وهم تناقضهم يجمعهم. انها المصلحة بوجه ديني دنيوي. المعادلة الان: مجتمع ضد مجتمع. فلسطينيون غير امنيين ضد مجتمع امني.
 لكن نظرية الامن الاسرائيلية انتهت الى غير رجعة. اسرائيل ليست "بعبع"، والفلسطينيون يلقحون أطفالهم ضد الخوف. لا يمكن لأي مسؤول اسرائيلي ان يقول لطفل فلسطيني: أعلى ما في خيلك اركبه.
الخيّالة الفلسطينيون يتكاثرون ويكثرون من جمع اسلحتهم البدائية وهي الاساس في هزيمة الأسلحة المتطورة. 
التفوق العسكري الاسرائيلي لا يعني شيئاً. هل تواجهة طائرة اف 35 عبوة تزرع في ارض فلسطينية محتلة؟ هل توقف "عربة الرب" (الميركافا) شاباً يحمل سكين؟ كيف يمنع 115 رأساً نووياً اسرائيلياً (بحسب موقع والا) تسلل استشهادي؟ الحصان الفلسطيني يعد العدة ويستعد للمواجهة الكبرى. البداية استنهاض الجمهور، والاقتناع أن العدو يخشاك أكثر مما تخشاه. الوهم الاسرائيلي يتبدد، الجرف الصلب يتكسر، السور الواقي ليس واقياً... 
لذلك ماذا لو تحول الفلسطيني من الدفاع الى الهجوم؟ السؤال بسيط جداً، أجاب عليه ديفيد بن غوريون قبل عقود: اسرائيل يبدأ زوالها حين يخسر جيشها أول معركة. بن غوريون المؤسس ليس منجماً او ضارباً للودع انما يعرف قيمة الجيش بالسيطرة وبسط النفوذ وارهاب الخصم نفسياً وميدانياً. منذ حصار بيروت عام 1982 واسرائيل تتراجع. تنفذ عداوناً على لبنان او اجتياحاً للضفة وتنازل اهل غزة. لكنها تلقت ضربات موجعة جداً بدأ بانسحاب جيش ايهود باراك، من لبنان وهزيمة شارون في انتفاضة الاقصى عام 2000. صفعت المقاومة جيش ايهود اولمرت، عام 2006. وغاص بنيامين نتنياهو، في رمال غزة ثلاث مرات، والمرة الرابعة تقترب. 
أساساً اسرائيل ككيان أمني تلقى هزيمته العسكرية حين لم يستطع طرد كل الفلسطينيين من ارضهم التاريخية. وتتابعت الهزائم مع انطلاق الثورة الفلسطينية والعمليات الفدائية الكثيرة والمتعددة، الى معركة الكرامة عام 1968 وما تبعها من مواجهات وحرب رمضان عام 1973. الانتصار الكامل الشامل هو مجموعة عوامل وخبرات تتراكم حتى ساعة الصفر. ليس كل ما يخطط له الاسرائيليون ينجح. وليس ما كل ينفذه المقاومون يفشل.
لم تنجح القبة الحديدية والفولاذية بوقف الصواريخ الفلسطينية واللبنانية. لم تفلح كل الاجراءات الامنية الاسرائيلية من عرقلة عمل الخلايا النائمة والفاعلة من التوغل الى العمق الاسرائيلي.
بناء الجدران على الحدود مع مصر، غزة، الضفة، لبنان، والاردن لا يحمي الاسرائيليين من الصواريخ والعمليات. ان الحرب المقبلة المتخيلة، ستكون معركة المفاجأت، فلن يقتصر الامر على عمليات من مسافة صفر، او صورايخ بعيدة المدى، او ضفادع بشرية، انما ستكون معركة حامية الوطيس، لا سيما ان تقاطعت نيران غزة مع الجولان وجنوب لبنان. بالفعل انتهى عصر الجيوش. لا داعي للجيوش العربية. انها حرب المجموعات ضد الجموع. مجموعات صغيرة مقاومة ضد الجموع والحشود العسكرية الاسرائيلية. 
رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، بيني غانتس، قال خلال خطابه في مؤتمر هرتسليا للحصانة القومية، إنه "على الرغم من انهيار الجيوش من حول إسرائيل، إلا أن التحديات الأمنية زادت، وأن حزب الله أصبح قوة عسكرية هائلة، لا توجد في العالم سوى سبع إلى ثمان دول أقوى منها، إذ لديه صواريخ تستطيع أن تغطي كل مساحة إسرائيل". اذا المعركة ستكون صاروخية في المقام الاول، وربما تتحول الطائرات من دون طيار الى طائرات انتحارية هجومية مع مفاجأت تشمل اسقاط طائرات اسرائيلية وتحرير أراضي كثيرة.

ان الاسرائيليين يعرفون تماماً، حجم القوة في الحدود غير المقتصرة على الخنادق والصواريخ، لذلك اعتمدوا الحصار اللامحدود في فلسطين والتضييق الاستخباراتي والمالي بمساعدة الولايات المتحدة. ويضاف الى الامور العسكرية واللوجستية، امر في غاية الاهمية وهي حرب السايبر. فالحرب الالكترونية سيكون لها دور فعال قبل اي مواجهة وخلالها وهذا ما حصل في اكثر من مناسبة. واستطاع المقاومون ان يخترقوا الاجهزة الاسرائيلية الالكترونية الهامة ومنها وزارة الامن والحصول على معلومات سرية. لكن في المقام الاول نصف الحرب هو الحرب النفسية والاعلامية.

أي نوع من الاسلحة لن يكون بمقدوره حسم الصراع إذا فقد الجيش رغبته في القتال .وهذا ما يحصل مع الجيش الاسرائيلي فالمؤشرات تدلل على أن الجيش لم يعد مستعدا للقتال. انتشر الفساد في الجيش ولم الولاء كما كان سابقاً. أعداد الرافضين للخدمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية ترتفع ومحاولات عديدة من الآباء تهريب أبنائهم خارج فلسطين للتملص من الخدمة العسكرية. حسب احصائيات اسرائيلية فإن نحو 20 الى 25% من الشباب اليهودي ينصرف عن الخدمة العسكرية ويهربون اثناء الخدمة وثلث الضباط الاحتياط يتغيبون حين يتم استداءهم. ظاهرة الفرار من الخدمة العسكرية تعد خطيرة في أي مجتمع لكنها تزداد خطورة في مجتمع استيطاني أمني قائم على الحروب الدفاعية والاستباقية.
 

اعتاد الحصان الفلسطيني خوض المعارك غير المتكافئة عسكرياً، لكنه كان يثبت حضوره ولا يولي الدبر هارباً. وكم من معركة في التاريخ كانت الجيوش المجهزة بالسلاح والعتاد تُهزم امام ارادة وخطة وخدعة. هذا حصل في التاريخ العربي وحصل في التاريخ الحديث. لا يهم جياد العدو. المهم اصحاب الحصان أن يكونوا على قدر قوة صهيله.