تفجير "البيجر": ماذا يقول القانون الدولي؟

العدوان الإسرائيلي الذي اشتمل على تفخيخ وتفجير أجهزة "البيجر" في لبنان يثير انتهاكات كبيرة للقانون الدولي، حيث يعدّ هذا الهجوم عدواناً على الدولة اللبنانية وخرقاً لسيادتها.

0:00
  • ما التداعيات القانونية على العدوان الإسرائيلي؟
    ما التداعيات القانونية على العدوان الإسرائيلي؟

 

كشفت مصادر أمنية لبنانية، أنّ أجهزة "البيجر" التي انفجرت في أنحاء لبنان وفي سوريا والتي تسبّبت بمقتل مدنيين بينهم أطفال وجرح الآلاف من اللبنانيين، كانت مفخّخة من المصدر عبر قطعة "آي سي" في جهاز "البيجر"، التي احتوت المواد المتفجّرة، وأنّ هذه المواد المفخّخة والمتفجّرة "لا تُكشف عند أي فحص عبر الأجهزة المتعارف عليها"، بحيث "لم يكن في الإمكان لأجهزة الكشف المتوفّرة وحتى لدول ومطارات عالمية كشف المادة المفخّخة المزروعة وبتقنيات مركّبة لخوارزميات خاصة بهذه العملية".

وأكّدت المصادر أنّ جهازَي "الموساد" و"أمان" الإسرائيليين هما وراء هذه الضربة العدوانية، إذ استخدمت "إسرائيل" شركة عالمية، وجهازاً مدنياً مع تحكّم بالعالم السيبراني، واتخذت قراراً بالقتل الجماعي المتعمّد.

لا شكّ أنّ هذا العدوان الإسرائيلي الذي اشتمل على تفخيخ وتفجير أجهزة "البيجر" في لبنان يثير انتهاكات كبيرة للقانون الدولي، حيث يعدّ هذا الهجوم عدواناً على الدولة اللبنانية وخرقاً لسيادتها، والذي يحقّ للدولة اللبنانية بموجبه التقدّم بشكوى ضدّ "إسرائيل" أو القيام بما تراه مناسباً للدفاع عن النفس والذي يمكن أن يتضمّن الردّ بالمثل أو بوسائل عسكرية أخرى.

كذلك، تخطّت "إسرائيل" في هذا العدوان كلّ القواعد المحرّمة في الحروب الأمنية، ارتكبت انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، ونذكر منها ما يلي:

1- انتهاك مبدأ حماية المدنيين

يفرض القانون الإنساني الدولي حماية المدنيين أثناء النزاعات. ويُحظر استهداف المدنيين أو التسبّب في ضرر غير متناسب.

إن قتل المدنيين العشوائي الذي قامت به "إسرائيل" عبر استخدام أجهزة "البيجر" أو أيّ وسيلة أخرى يعدّ جريمة بموجب اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1948 والتي تشكّل أساس القانون الدولي الإنساني. وعلى وجه التحديد، تحظر المادة المشتركة الثالثة من اتفاقيات جنيف "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله" للمدنيين والأشخاص الذين لا يشاركون بنشاط في الأعمال العدائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن القتل العمد للأشخاص المحميين مدرج باعتباره انتهاكاً خطيراً في جميع اتفاقيات جنيف الأربع.

2- مبدأ "عدم المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية"

من المهم الإشارة إلى أنّ الحرب بين حزب الله و"إسرائيل" والتي لا تندرج مباشرة تحت إطار الحروب بين الدول، مشمولة بقواعد القانون الإنساني الدولي الخاصة بالنزاعات المسلحة غير الدولية. بموجب هذا التوصيف للنزاع، يكون القانون التعاهدي النافذ هو "المادة الـ3 المشتركة في اتفاقيات جنيف" التي تحمي المقاتلين الأسرى والمدنيين من القتل والمعاملة القاسية واللاإنسانية. كذلك تنطبق على المنتسبين إلى حزب الله من غير المدنيين والذين تمّ تفجيرهم بواسطة أجهزة "البيجر" ما ينطبق على المقاتلين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية وبالتالي هم محميون بموجب القانون الدولي.

وتشمل المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، وخاصة تلك الموضّحة في اتفاقيات جنيف حول "مبدأ عدم المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية"، ما يلي:

أ‌- التمييز

يتطلّب القانون الإنساني الدولي من أطراف النزاع التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين (المدنيين). أما المقاتلون الذين لا يشاركون بنشاط في الأعمال العدائية، فهم محميون بموجب اتفاقيات جنيف وبالتالي يتمّ اعتبارهم مدنيين لغاية مشاركتهم المباشرة في القتال أو في النشاط الحربي والعسكري، فتسقط عنهم هذه الصفة. 

ب‌- التناسب

يرتكز القانون الدولي بشكل أساسي على مبدأ التناسب، والذي يحظر أي هجوم يؤدي إلى التسبّب في ضرر مفرط للمدنيين والأهداف المدنية فيما يتعلق بالميزة العسكرية المتوقّعة. إن استهداف المقاتلين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية ينتهك هذا المبدأ.

ج-مبدأ الضرورة العسكرية

ينصّ القانون الدولي على عدم جواز استهداف المدنيّين إلا لمبدأ الضرورة العسكرية، وبالتالي يجب على أطراف النزاع اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنّب أو تقليل الضرر العرضي للمدنيين والأهداف المدنية، وهم ما لم تحترمه "إسرائيل" بل تعمّدت قتل المدنيين بشكل عشوائي.

3- التداعيات القانونية على العدوان الإسرائيلي

لقد أتى مبدأ "حظر قتل المدنيين" واضحاً في القانون الدولي، الذي يعتبر أنّ أيّ هجوم متعمّد على المدنيين، بما في ذلك استخدام أساليب غير تقليدية مثل انفجارات أجهزة "البيجر" محظور ويُعدّ جريمة حرب. ويمكن تصنيف الاستهداف المتعمّد للمقاتلين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية على أنه جريمة حرب أيضاً.

أما إذا كان قتل المدنيين والتسبّب بأضرار لهم وعدم التمييز بينهم وبين المقاتلين، قد حصل على نطاق منهجي واسع، فيمكن أن يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية. 

وبما أنّ القانون الدولي ينصّ على تحميل الدول المسؤولية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ترتكبها قواتها المسلحة أو غيرها من الوكلاء، ويؤكد أن المسؤولية الجنائية فردية، فإن المسؤولين الإسرائيليين الذين اتخذوا القرار ونفّذوا هذا العدوان يُعدّون مسؤولين جنائياً عن هذا الفعل.

وعليه، يمكن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين بموجب القانون الدولي، بما في ذلك من قبل المحكمة الجنائية الدولية في حال قرّر لبنان أن يعطي المحكمة هذه الصلاحية، ويشتكي ضدّ المسؤولين الإسرائيليين بقتل الصحافيين اللبنانيين عمداً في وقت سابق، وفي الاعتداء الذي قامت به عبر تفجير أجهزة "البيجر" والتسبّب بقتل وأذى للمدنيين اللبنانيين مؤخراً.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.