أحداث الساحل السوري.. تركيا و "إسرائيل" وإيران وأنظمة الخليج

بعد أحداث الساحل السوري ومؤشرات التصعيد في الجنوب والشرق السوريين، يبدو أن المنطقة برمّتها مقبلة على سلسلة من الأحداث الخطيرة بمضامينها الطائفية والعرقية والدينية.

0:00
  •  المنطقة برمّتها مقبلة على سلسلة من الأحداث الخطيرة بمضامينها الطائفية والعرقية.
    المنطقة برمّتها مقبلة على سلسلة من الأحداث الخطيرة بمضامينها الطائفية والعرقية.

بعد أسبوع من الفتور والتوتر في العلاقات بين أنقرة وطهران، التقى وزيرا خارجية البلدين هاكان فيدان و عباس عراقتشي، على هامش أعمال اللقاء الوزاري الطارئ لدول منظمة التعاون الإسلامي (الجمعة) لمناقشة الوضع في غزة، ومخططات التهجير القسرية التي تبناها الرئيس ترامب.

ولفت الوزير عراقتشي إلى أن "انعدام الأمن والاستقرار في سوريا لن يخدم سوى الكيان الصهيوني، ويؤدي إلى استغلال الجماعات والعناصر الإرهابية والمتطرفة الوضع الراهن" وذكّر الحكام الجدد في سوريا "بمسؤوليتهم في حماية أمن وأرواح جميع فئات الشعب السوري وشرائحه".

أقوال الوزير عراقتشي جاءت في إطار المساعي المتبادلة لتهدئة الأجواء المتوترة بين البلدين، بعد تصريحات الوزير فيدان التي اتهم فيها إيران "بانتهاج سياسة الاستحواذ في المنطقة" وقال "إن إيران دفعت ثمناً باهظاً للحفاظ على نفوذها في العراق وسوريا، وأن التكلفة التي تكبّدتها كانت أكبر من المكاسب التي حققتها".

ودعا طهران إلى "التفكير بمنظور مختلف بعد التطورات الأخيرة في المنطقة"، وهو ما استنكره المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقايي الذي وصف أقوال فيدان بأنها "تحريضية ولا تخدم سوى المشاريع الأميركية والإسرائيلية ". 

هذه التطورات المثيرة في العلاقات بين طهران وأنقرة سبقت الأحداث التي شهدتها العديد من مناطق الساحل السوري، حيث تعرّض المئات من المواطنين العلويين العزل لمجازر وحشية قامت بها المجموعات المسلحة المدعومة من قوات الأمن والجيش التابع لدمشق، واستنجدت بمجموعات مسلحة تتمركز في إدلب وجوارها.

ووجّهت بعض الأوساط الاتهام لحزب الله وإيران بدعم الأحداث الأخيرة، وهو ما نفاه الطرفان فوراً. فيما لم تتأخر عواصم وأوساط غربية في لندن وباريس وبرلين وواشنطن في التعبير عن قلقها من المجازر التي تستهدف المدنيين بدوافع طائفية ودينية، وفق العديد من بيانات هذه العواصم التي تجاهلها الإعلام التركي الموالي، الذي استمر في نهجه العدائي لإيران ومعها "إاسرائيل" هذه المرة.

واتهم الإعلام الموالي للرئيس إردوغان "إسرائيل" بعرقلة مساعي أنقرة للمصالحة مع "حزب العمال الكردستاني" التركي وجناحه السوري "وحدات حماية الشعب" الكردية وحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري."

في وقت تتحدث المعلومات عن وساطة يقوم بها الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف الذي زار أنقرة بتاريخ 5 الشهر الجاري بين الرئيس إردوغان ورئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، وكان التقاه إردوغان آخر مرة في 22 أيلول/ سبتمبر2023 وقبل أيام من "طوفان الأقصى".

فيما تستمر باكو ذات العلاقات الاستراتيجية العسكرية والاستخبارية مع "تل أبيب" بتغطية نحو 50%؜ من احتياجات "إسرائيل " من البترول الذي يصل ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط بواسطة الأنابيب ليتم نقله من هناك إلى ميناء حيفا بواسطة ناقلات النفط التركية.

توازياً مع تصريحات نتنياهو ووزير خارجيته ساعر عن استعداد "تل أبيب" للدفاع عن حقوق الأقليات في سوريا، وفي مقدمتها الدروز في الجنوب والكرد في الشرق السوري، حيث رحّب مظلوم عبدي، القائد العسكري في "قسد"، بمثل هذا الدعم، وترى أنقرة أن ذلك يستهدف تركيا وأمنها الوطني والقومي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ويتوقع العديد من المراقبين لهذا الأمن أن يواجه العديد من التحديات الخطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وحسب هؤلاء المراقبين، فإن الرياض ومن معها من حكام الخليج الذين كانوا يقولون للرئيس الأسد "ابتعد عن إيران وخذ منا ما تشاء" يستعدون الآن لاتخاذ موقف مشابه ضد تركيا التي لعبت وما زالت الدور الأساسي في تقرير مصير سوريا.

ويقول هؤلاء المراقبين إن أحمد الشرع سيتعرض لضغوط مكثفة وقوية من حكام الخليج "حتى يبتعد عن تركيا مقابل مساعدته لترسيخ حكمه وإقناع واشنطن والعواصم الغربية بإلغاء العقوبات على دمشق، وبالتالي الحصول على مليارات الدولارات من أجل إعادة إعمار سوريا".

كما لا يخفي المراقبون قلقهم من احتمالات تفجير الوضع الداخلي عبر المجموعات المسلّحة الموجودة في إدلب والشمال السوري، والتي لها علاقات وطيدة مع أجهزة المخابرات الخليجية منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011.

وقد شهدت العديد من المدن التركية وأهمها هاتاي ومرسين وأضنة مسيرات واعتصامات وفعاليات شارك فيها الآلاف من العلويين الأتراك تعبيراً عن استنكارهم للمجازر التي يتعرض لها العلويون في سوريا ومعظمهم أقرباء للعلويين في الولايات الثلاث المذكورة.

وأصدرت الكثير من الأحزاب بما فيها "الشعب الجمهوري" و"حزب المساواة وديمقراطية الشعوب" الكردي و"حزب العمال" و"الحزب الجيد" والمنظمات العلوية بيانات استنكار للمجازر التي تنفذها المجموعات الإرهابية المدعومة من السلطات الحكومية في دمشق، وحمّلوا أنقرة مسؤولية هذه الأحداث لما لها من علاقة مباشرة مع نظام الشرع.

وقال زعيم "حزب الشعب الجمهوري" أوزغور أوزال إنه اتصل برئيس المخابرات إبراهيم كالين وعبّر له عن قلقه من الجرائم التي تستهدف العلويين، ودعاه إلى التدخل لمنع ذلك لما للموضوع من حساسيات خطيرة بسبب صلات القربي بين العلويين في سوريا وتركيا.

فيما قال زعيم "الحزب الجيد" مساوات دريش أوغلو إن على أنقرة التي تقول إن كلامها مسموع في دمشق أن تتدخل فوراً وتمنع المجازر التي تستهدف العلويين العزل من أي سلاح.

ولم يتأخر عمر جاليك المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في الرد على هذه التصريحات والمظاهرات والفعاليات العلوية، وقال على الجميع أن يتجنب أي استفزاز في هذا الموضوع الحساس.

ولا تخفي العديد من الأوساط قلقها من احتمالات أن تنعكس أحداث الساحل السوري على العلويين في تركيا، والبعض منهم عرب، كما هي الحال في هاتاي (إسكندرون) ومرسين و أضنة (نحو مليونين ) والعلويين الأتراك وعددهم ليس أقل من 15 مليوناً، وسبق أن تعرّضوا لأعمال إرهابية كان آخرها في 2 تموز/يوليو عام 1993 عندما قام عدد من الإسلاميين المتطرفين بحرق فندق في مدينة سيواس، وسط الأناضول، وكان يقيم فيه الأدباء والشعراء والمثقفون العلويون اليساريون ولقي 33 منهم مصرعهم خلال الحريق.

بات واضحاً بعد أحداث الساحل السوري ومؤشرات التصعيد في الجنوب والشرق السوريين أن المنطقة برمّتها مقبلة على سلسلة من الأحداث الخطيرة بمضامينها الطائفية والعرقية والدينية.

وهو ما تسعى إليه الغالبية العظمى من عناصر المجموعات المسلحة التي كانت تقاتل نظام الأسد بحجة أنه كان علوياً ومدعوماً من الشيعة في لبنان وإيران، ويريد البعض لهذه المجموعات التي سيطرت على الدولة السورية أن تستمر في النهج نفسه، وغالبيتهم تربطها علاقات مشبوهة بأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، وعدد كبير من هؤلاء الإرهابيين هم من الأجانب الذين تراقبهم روسيا والصين من كثب، ولا همّ لهم إلا القتل والإجرام بعد أن أفتى مشايخ وأسيادهم لهم بذلك في بداية ما يسمى بـ"الربيع العربي" الدموي.