أكتوبر 105: تأملات في إرث الثورة الاشتراكية وأهميته اليوم

المواقف المختلفة والمتفاوتة التي أعرب عنها بوتين من ثورة أكتوبر البلشفية والحزب الشيوعي السوفياتي ودوره التاريخي ورموزه، مثل لينين وستالين، أثارت جدلاً واسعاً، سواء في مجتمع المؤرخين أو السياسيين، وحتى على المستوى المجتمعي.

  • أكتوبر 105: تأملات في إرث الثورة الاشتراكية وأهميته اليوم
    أكتوبر 105: تأملات في إرث الثورة الاشتراكية وأهميته اليوم

اندفعت الدبابات الروسية إلى مركز مدينة ماريوبول رافعةً رايات النصر السوفياتية الحمراء المزينة بالمطرقة والمنجل؛ تلك الرايات التي غرست على قبة وكر النازية - "الرايشستاغ" - في برلين، تتويجاً لدحر الجيوش الهتلرية.

شعار "المطرقة والمنجل" رمز دولة العمال والفلاحين؛ دولة الكادحين، اختير إبان ثورة أكتوبر الاشتراكية الروسية ليكون الرمز الذي يزين العلم الأحمر. هذه الرمزية تعود إلى واجهة الواقع السياسي الروسي الَّذي يتشكل في ظروف مواجهة استثنائية تخوضها روسيا ضد عالم غربي متوحش ورث عن الماضي الاستعماري - الإمبريالي أساليب الاستبداد والاستغلال والغطرسة نفسها، ولكن بحلَّة جديدة تُسمّى "ديمقراطية". 

عندما قايضت البيروقراطية الحزبية السوفياتية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي قيم الثورة البلشفية بوعود هلامية غربية بإنهاء المواجهة العسكرية والسياسية والعقائدية بين المعسكرين الغربي والشرقي، التي وصفت بـ"الحرب الباردة"، وبوعود بناء شراكات على قاعدة "القيم الإنسانية العامة"، لم تدرك أنها مهّدت لتفكيك المعسكر الاشتراكي، ومعه الاتحاد السوفياتي نفسه.

فلاديمير بوتين الذي وصف تفكّك الاتحاد السوفياتي بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، كان يتهم عملياً النخبة الحزبية السوفياتية بأنها ربطت مصير الدولة بمصير الحزب الشيوعي السوفياتي. وكمحصلة، أدت الخيانات في أعلى الهرم الحزبي إلى خيانة الوطن وتفككه.

المواقف المختلفة والمتفاوتة التي أعرب عنها بوتين من ثورة أكتوبر البلشفية والحزب الشيوعي السوفياتي ودوره التاريخي ورموزه، مثل لينين وستالين، أثارت جدلاً واسعاً، سواء في مجتمع المؤرخين أو السياسيين، وحتى على المستوى المجتمعي، لكن الرئيس الروسي اضطر في الآونة الأخيرة، مع استمرار تصعيد الحرب في أوكرانيا وتفاقم المواجهة مع الغرب الجماعي، إلى الاعتراف بدور كلٍّ من لينين وستالين في بناء الدولة والارتقاء بها إلى مصاف الدول العظمى من النسق الأول.

هذا التحول والتطور في مواقف الرئيس الروسي جعله يقترب أكثر فأكثر من اليسار الروسي الذي يتصدر مشهده الحزب الشيوعي الروسي بقيادة غينادي زوغانوف؛ رئيس الحزب. زوغانوف ورفاقه وشركاؤه في الرأي والتقييم التاريخي يحفظون عهد الوفاء لثورة أكتوبر البلشفية ومنجزاتها وانتصاراتها وإرثها الفكري.

عود على بدء، إنَّ الرايات الحمراء المزينة بالمطرقة والمنجل تعود إلى الواجهة السياسية، وترفع على الدبابات، وتعود إلى الساحات والميادين والمسيرات. في الذكرى الخامسة بعد المئة، تطوف الرايات السوفياتية في الساحة الحمراء، وتوضع أكاليل الزهر عند مرقد لينين، وعند نصب ستالين والرفاق والجنرالات السوفيات عند جدار الكرملين.

في المقلب الآخر، فإنَّ أنصار الفكر الليبرالي والتوجه الغربي وسماسرة السياسة والمال ومن سار على خطاهم يغادرون روسيا بصورة شبه يومية وشبه جماعية. وبذلك، يخلون الساحة السياسية أكثر فأكثر للطيف اليساري والقومي والوطني.

صحيح أنَّ المسيرة الاشتراكية السوفياتية لم تخلُ من أخطاء، وحتى جرائم، لكن الدولة التي تحارب المحاولات الغربية لإعادة كتابة التاريخ السوفياتي يجب أن تتوقف هي نفسها عن الإساءة إلى تاريخها ورموزها ورجالاتها، وترك النقاشات والتقييمات لهذه الحقبة أو تلك للمؤرخين من دون تسميم عقول العامة.

نابليون بونابرت المقدس في فرنسا يعدّ أحد أكبر مجرمي التاريخ في حق الشعوب والأمم التي احتلَّها واغتصبها، فلمَ الإساءة إلى عظماء روسيا؟

في ظروف الحرب والمواجهة، يشعر المجتمع الروسي ونخبه السياسية بالحاجة إلى الوحدة والتلاحم، تماماً كما في أيام الثورة الاشتراكية الروسية، وفي سنوات الحرب الوطنية العظمى. وكما يقول زوغانوف في مؤلفاته وخطبه وتصريحاته، فإنَّ روسيا بلد يساري بطبيعته. أما مستقبله، فاشتراكي!