أمير عبد اللهيان... مهندس العلاقات الإيرانية – العربية

الشهيد عبد اللهيان كان على دراية واسعة بالموروثات الثقافية للشعوب العربية وعاداتها وتقاليدها، حتى إنه أتقن اللغة العربية بدرجة تفوق حتى بعض كبار الدبلوماسيين العرب.

  •  نهج الشهيد أمير عبد اللهيان وسيرته المتميزين سيبقيان حاضرين في ذاكرة شعبه ومحبيه.
    نهج الشهيد أمير عبد اللهيان وسيرته المتميزين سيبقيان حاضرين في ذاكرة شعبه ومحبيه.

لقد فقدت الدبلوماسية الإيرانية دبلوماسياً من طراز رفيع، من جراء سقوط الطائرة التي كانت تقلّه بصحبة الرئيس الشهيد إبراهيم رئيسي، ويمكنني القول من خلال متابعتي مسيرة الشهيد منذ تقلده مسؤولية ملف الشؤون العربية والأفريقية في الخارجية الإيرانية بنشاط وحيوية، إنه بقدر فجيعة الشعب الإيراني فإن عارفي فضله من الدبلوماسيين والسياسيين العرب، فضلاً عن النخب الثقافية والفكرية العربية، ولا سيما الثورية منها، أصابتهم صدمة الفقد.

لقد كان الدكتور حسين أمير عبد اللهيان على دراية واسعة بالموروثات الثقافية للشعوب العربية وعاداتها وتقاليدها، حتى إنه أتقن اللغة العربية بدرجة تفوق حتى بعض كبار الدبلوماسيين العرب، وعمَّق من معارفه تلك أثناء توليه إدارة سفارة إيران في البحرين، وبعدها كانت إدارة قسم الخليج العربي في الخارجية الإيرانية، إلى أن أصبح نائباً لوزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، ومن خلال هذا الموقع حرص على تنمية علاقاته بالمسؤولين والنظراء من دول الجوار العربي.

 الإيمان بأهمية العلاقات مع مصر

ولأن الدكتور حسين أمير عبد اللهيان يدرك أهمية العلاقة مع مصر لكلا البلدين، ودارس للوشائج التاريخية التي تربط بين الشعبين العريقين، وراصد لعمق العلاقات التاريخية بين البلدين الحضاريين، فقد أولى أهمية لكسر الجمود في العلاقات الذي امتد لعقود، سعياً للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الذي يليق بالروابط التاريخية والثقافية التي تجمعهما.

وفي هذا الإطار، نذكر أنه كان آخر مسؤول إيراني يتصل بفريق الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي قبل ساعات مِن عزله على إثر ثورة 30 يونيو 2013، وهو نفسه أصبح مُمثلًا لبلاده بعد عام في حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً جديداً لمصر في 8 يونيو 2014، ومكث بضعة أيام في القاهرة عمل خلالها على مدّ جسور التواصل مع النخب المصرية، سعياً للاطلاع المعرفي حول الأوضاع في مصر عقب ثورتي 25 يناير و30 يونيو.

كانت لقاءاته مع العديد من النخب المصرية من الاتجاهات الفكرية والسياسية كافة، ربما كان أبرزهم الكاتب المصري محمد حسنين هيكل الذي التقاه منفرداً وبصحبة مجموعة من المثقفين والصحافيين الناصريين، وكان لي حظ المشاركة في أحد تلك اللقاءات.

وللأمانة، فقد ترك الدكتور عبد اللهيان أثراً طيباً لدى أغلب الحضور لعمق ثقافته وفرط بساطته وصدق إيمانه بأهمية العلاقات بين البلدين.

استهل حديثه أثناء اللقاء الذي شرفت بحضوره، بالإشارة إلى العمق التاريخي للعلاقات بين الشعبين العريقين، وأهمية استعادة العلاقات بين البلدين وتطويرها بما يخدم مصالح البلدين ويلبي طموحات الشعبين اللذين تجمعهما العديد من السمات المشتركة، وانتقل بالحوار إلى القضية الفلسطينية ومركزيتها بالنسبة إلى العالمين العربي والإسلامي، ونبّه إلى المؤامرات التي تحاك للمنطقة، وأكد أن قادة الكيان الصهيوني يسعون جاهدين إلى بث الخلافات بين مصر وإيران لإدراكه بأن عودة العلاقات بين البلدين وتطويرها يصب في صالح القضية الفلسطينية ويخدم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وأثنى على موقف الحكومة المصرية من الأزمة السورية؛ إذ إن مصر لم تنخرط في المؤامرة على سوريا، بالرغم من الضغوط الهائلة التي تعرضت لها من حكومات دولية وإقليمية، بل ظلت مصر على موقفها الداعم للحل السلمي للأزمة السورية الذي يضمن وحدة التراب السوري.

الرؤية الاستراتيجية للعلاقات الإيرانية بمحيطها

كشف عبد اللهيان خلال جلسات الاستماع في البرلمان الإيراني للحصول على ثقة نوابه، عن أن أولوية السياسة الخارجية لبلاده ستكون للعلاقات مع دول المنطقة، والمتمثلة في البلدان العربية، وبلدان آسيا الوسطى، وتركيا، وروسيا، والصين، معلناً أنه سيجلس على طاولة المفاوضات الخاصة بالملف النووي، لكنه لن يتعامل مع الاتفاق النووي على أنه من بين أولويات بلاده القصوى.

إن الظهور اللافت الأول للدكتور حسين أمير عبد اللهيان بعد ثلاثة أيام من توليه حقيبة الخارجية، كان أثناء مؤتمر «بغداد للتعاون والشراكة»، الذي التأم في العاصمة العراقية، وكان يهدف إلى دعم العراق ومساعدته لعبور الأوضاع الصعبة التي يشهدها على الصعيدين الأمني والاقتصادي، والذي شهد حضوراً واسعاً من قادة الدول الفاعلة والمؤثرة في المنطقة والعالم.

ولفت وزير خارجية إيران الجديد الأنظار إليه حينها، عندما ألقى كلمة باللغة العربية الفصحى بدلالة لا تخفى على متابعيه، كذلك استوقف الجميع إصراره على توسط صدارة الصورة التذكارية للقادة المشاركين إدراكاً للقيمة والتاريخ الحضاري للأمة الإيرانية، وتأكيداً لمكانة إيران الإقليمية والدولية..

إن الدكتور حسين أمير عبد اللهيان خلال رئاسته الدبلوماسية الإيرانية لم يدخر جهداً يمكن أن يسهم في تطوير العلاقات بين بلاده والبلدان العربية وتعميقها، بصرف النظر عن التباينات السياسية.

ويهمني هنا التوقف ملياً حول رؤيته لموقع مصر في العلاقات الإيرانية – العربية، من خلال التصريح الذي أدلى به على هامش ملتقى "الحوار الإيراني-العربي" الذي انعقد مؤخراً في طهران تحت عنوان "من أجل التعاون والتعامل"، حيث قال إن "سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية القائمة على الحوار والتعاون مع بلدان الجوار والمنطقة، استطاعت تحقيق نتائج لافتة في مجال بناء الثقة وتثبيت التوجهات الشاملة وإرساء الإنجازات الحقيقية والملموسة والشفافة مع الدول الإسلامية والعربية بما فيها المملكة العربية السعودية ومصر".

وأفاد بأن "المشاورات واللقاءات والاتصالات الهاتفية بين مسؤولي إيران ومصر، لا سيما اللقاء الذي جمع رئيسي البلدين على هامش القمة المشتركة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، والاتصالات والمراسلات بين رئيسي البلدين واللقاء بين رئيسي برلماني البلدين في اجتماع "بريكس" واللقاء والاتفاق بين وزيري اقتصاد ومالية البلدين والاتصالات والمشاورات المستمرة التي أجراها هو مع نظيره المصري، مؤشر على الفهم السياسي المتبادل للقاهرة ولطهران بشأن مدى أثر الحوار والتعامل المشترك على طريق المضي قدماً بالعلاقات الثنائية ونتائجها في التطورات الإقليمية، وعاد وأكد أنه في "إطار الاتفاق بين رئيسي إيران ومصر، فإننا نمضي قدماً في المحادثات مع وزير خارجية مصر على طريق النهوض بالعلاقات بين طهران والقاهرة، وقد خطونا خطوات مشتركة وسنواصل هذا المسار بصورة مشتركة".

وختاماً، أؤكد أن نهج الشهيد حسين أمير عبد اللهيان وسيرته المتميزين سيبقيان حاضرين في ذاكرة شعبه ومحبيه وعارفي فضله من أبناء أمتنا العربية وأحرار العالم.