إلى متى ستبقى متحوّرات كورونا السريعة الانتشار تلاحقنا؟

لماذا لا تسعى شركات الأدوية واللقاحات للحد من التواجد المستمر لهذه المتحورات الجديدة، إذ إنَّ بعضها سريع الانتشار، ولا يتناسب مع التركيبة المستخدمة لصناعة اللقاح؟

  • هناك وسيلة تحدّ من وجود متحورات جديدة سريعة الانتشار
    هناك وسيلة تحدّ من وجود متحورات جديدة سريعة الانتشار

ها نحن الآن، وقبل أن يبدأ فصل شتاء العام 2022 بأيام معدودة، أمام متحوّر جديد من متحورات فيروس كورونا المستجد، والتي وُجدت في بوتسوانا، وانتقلت إلى جنوب أفريقيا وغيرها من بلدان جنوب القارة الأفريقية، وبدأت تغزو القارات الأخرى، والتي تُسمى "بي 1.1.529" أو "أوميكرون".

بحسب الأستاذ البلجيكي إيمانويل أندرى، عالم الأحياء الدقيقة في جامعة "لوفن" الكاثوليكية، الذي أكد ما قاله سابقاً البروفيسور أوليفيرا، مدير مركز الأبحاث الوبائية والابتكار في جنوب أفريقيا، هذا المتغير الجديد الذي سُمي "أوميكرون" يحتوي 30 طفرة في البروتين الفيروسي "سبايك"؛ هذا البروتين الذي يمكّن الفيروس من الالتصاق بالخلية البشرية. 

وقد قالت عالمة الفيروسات بيني مور في جنوب أفريقيا لمجلة "نيتشر": "من السابق لأوانه أن أدلي بأيّ معلومة تخصّ فعالية اللقاحات ضد هذه السلالة الكثيرة التحور أو إن كانت سريعة العدوى أو أكثر ضراوةً مما سبقها من سلالات"، بينما أكّد أستاذ علم الفيروسات البلجيكي، الدكتور مارك فان رانست، أنّ هذا المتحور من الممكن أن يكون 6 مرات أسرع انتشاراً من "دلتا". 

وكانت وكالة الصحة البريطانية غرّدت: "هذا المتغير الفيروسي أسوأ مما رأيناه حتى الآن"، مؤكّدة ما أدلى به وزير الصحة البريطاني، عندما قال: "هذا البديل قد يكون أشد عدوانية من مثيله دلتا الهندي. ربما تكون اللقاحات أقل فعالية".

لهذا، هرعت منظمة الصحة العالمية لعقد اجتماع طارئ للبحث في هذا المتحور الجديد. ومهما حاول الأوروبيون أو غيرهم من سكّان الكرة الأرضية أن يحكموا إغلاق حدود بلادهم أمام هذا المتحور الجديد، فإنَّهم لن يفلحوا. هذا ما حدث سابقاً أمام متحورات أخرى، مثل المتحور الهندي "دلتا" وغيره من المتحورات المستجدة المعروفة بسرعة انتشارها.

كلّ هذه الأمور المتعلقة بالفيروس المسبّب لـ"كوفيد 19" ومتغيّراته السريعة الانتشار، والمرتبطة بالمناعة عند البشر، وعدم توفّر الشروط الفعّالة للحدّ من انتشار الوباء، مثل عدم إعطاء اللقاحات بالتساوي للجميع في العالم، مع هبوط فعاليتها وقصر مدّة حمايتها، وأيضاً عدم احترام القواعد الوقائية، سيحدّ من السّيطرة على الجائحة، وسيؤدي في النهاية إلى إغلاق الحدود الدولية أو مراقبتها بشدة، مع الحدّ من الحياة الاجتماعية، كما تفعل حالياً الدول الأوروبية. وليس من المستحيل أن يلجأ المسؤولون إلى فرض إلزامية تلقي اللقاحات بجميع جرعاتها، كما هو الحال الآن في النمسا، وربما في غيرها من الدول.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا حدثت كل هذه المعمعة؟ ولماذا لا تحتوي الجرعة الثالثة من اللقاح على التركيبة الفيروسية الأسرع انتشاراً، كسلالة "دلتا" الهندية، ورغم معرفة مكوناتها النووية قبل شهور من الآن؟ 

في نظري، إنّ السؤال الأخير والأهم: لماذا لا تسعى شركات الأدوية واللقاحات للحد من التواجد المستمر لهذه المتحورات الجديدة، إذ إنَّ بعضها سريع الانتشار، ولا يتناسب مع التركيبة المستخدمة لصناعة اللقاح؟ وكما يبدو، إنَّ مشكلة توفير اللقاحات لجميع دول العالم في الوقت نفسه، ومن دون استثناء، هو أمرٌ لا يعني هذه الشركات المهتمة بصحة الإنسان.

كلّ ما كُتب أعلاه هو إعادة متكرّرة ومتعمّدة لما بيَّنه علماء الفيروسات وعلماء انتشار الأمراض المعدية. وها أنا أردده أيضاً في هذا المقال، وأعيد طرح هذه التساؤلات، لعلَّها تجد أذناً صاغية وعقلاً منيراً لإيجاد الحلّ المناسب قبل أن يفوت الأوان وتصعب الحلول، ليتجنب العالم فاجعة من دون نهاية. 

هناك وسيلة تحدّ من وجود متحورات جديدة سريعة الانتشار، وهي عدم السماح للفيروس بأن يتكاثر بهذه السرعة، كما هو الحال في البلاد غير المتمكّنة مادياً من توفير اللقاحات لمواطنيها للحدّ من إصابتهم، وخصوصاً إصابة قليلي المناعة، إذ يتفشّى الفيروس في أجسامهم من دون أيّ عائق كان، كما حدث مؤخراً بخصوص المتحور الجديد "أوميكرون" .

 من واجب كلّ من يتحمّل مسؤولية، صغيرة كانت أو كبيرة، أن يتبنّى فكرة إنقاذ البشرية من هذا الوباء اللعين. مثلاً، على كلٍّ منا أن يؤدي دوره بقدر المستطاع، مثل تلقّي اللقاح، مع احترام كلّ الإجراءات لتجنّب العدوى، لا لإنقاذ نفسه فحسب، بل لمساعدة غيره من أبناء بلده والعالم بأسره في الحد من انتشار مسبّب الوباء أيضاً، ولعدم تفاقم الجائحة.

أيضاً، طالبت العديد من المنظمات الإنسانية العالمية من شركات الأدوية ومصنّعي اللقاحات التي تهتمّ بصحة الإنسان بمنح الدول الفقيرة الإنتاج الزائد، نظراً إلى حاجتها الماسّة إلى هذه اللقاحات، وطالبت أيضاً بأن تكون الملكية الفكرية، ولو إلى وقت محدود، ملكية الإنسانية أجمع، ليتمكّن المصنّعون من تصنيع الجرعات اللازمة والضرورية لتلقيح البشرية عامة.

وعلى الدول الغنية تمويل إنتاج اللقاحات بجرعات كافية، ليس حباً بهذا الجزء من العالم الذي يحتاج إلى الوقاية، بل لكي لا ينتج التكاثر الفيروسي في أجسامهم المتحورات السريعة الانتشار، والتي ستنتقل في ما بعد إلى كل العالم.

في الختام، أود أن أكرر ثانيةً ما قاله رئيس وزراء السويد ستيفان لوفن: "ليس من المهم أن تحصل بلادي أولاً، وقبل جيراني، على اللقاحات الضرورية، بل من الأهم، لنتجنب الجائحة ومساوئها، أن نحصل عليه سويةً".

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.