إمام أوغلو وإردوغان.. الأول يتحدى الثاني والثاني يعتقله
تعيش تركيا أخطر أزماتها الاقتصادية، وهو ما يفسر تراجع سعر الليرة، بعد اعتقال إمام أوغلو، بنسبة 10%، على الرغم من محاولات المصرف المركزي السيطرة على الوضع.
-
أصبح أكرم إمام أوغلو أمل المعارضة الشعبية بكل أطيافها.
منذ انتخابه رئيساً لبلدية إسطنبول في آذار/مارس 2019 حيث ألغت المفوضية العليا للانتخابات النتائج، وقررت إعادتها في حزيران/يونيو، وحقق فيها انتصاره الكاسح مقابل رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلدرم، تحوّل أكرم إمام أوغلو إلى كابوس حقيقي بالنسبة إلى الرئيس إردوغان الذي قال قبل تلك الانتخابات "من يكسب إسطنبول يكسب تركيا".
وهو ما تحقق فعلاً، إذ أصبح أكرم إمام أوغلو أمل المعارضة الشعبية بكل أطيافها، خصوصاً بعد أن فاز في انتخابات آذار/مارس الماضي، وبفارق كبير، وعلى الرغم من الحملات السياسية والإعلامية التي تعرّض لها من قبل إردوغان شخصياً، والإعلام الموالي له الذي استمر في حملاته هذه حتى أمس، حيث تم اعتقال إمام أوغلو بتهم الإرهاب والمقصود به العلاقة مع "حزب العمال الكردستاني".
وحتى لو تركنا جانباً مساعي الحكومة للحوار المباشر مع زعيم الحزب المذكور عبد الله أوجلان، وقيادات "وحدات حماية الشعب" الكردية الذراع السورية للكردستاني التركي، فالجميع كان يتوقع من السلطات الحكومية بكل أجهزتها ومرافقها أن تستمر في استهدافها لإمام أوغلو، الذي أقام وكيل النيابة العامة بحقه سبع دعاوى قضائية بتهم مفتعلة وغير جدية، كان آخرها شهادته الجامعية المزورة التي حصل عليها قبل ثلاثين عاماً من جامعة إسطنبول التي انتقل إليها من إحدى الجامعات الخاصة في جمهورية قبرص التركية.
ومع التذكير بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في أيار/مايو 2023 والتي فاز فيها إردوغان بنسبة 52,18٪ ضد منافسه زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليتشدار أوغلو، فالاستطلاعات كانت تبين أنه لو تم ترشيح إمام أوغلو آنذاك بدلاً من كليتشدار أوغلو لكانت النتيجة عكس ذلك لصالح إمام أوغلو بنسبة 56٪ على الأقل.
وهو ما لم يتحقق بسبب تآمر زعيمة "الحزب الجيد" مارال اكشانار، وقيل آنذاك إنها كانت يد إردوغان الخفية داخل "تحالف الأمة" الذي كان يضم ستة أحزاب بما فيها "الشعب الجمهوري".
وأقنعت اكشانار كمال كليتشدار أوغلو بضرورة ترشيح نفسه بدلاً من إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش وكان محظوظاً هو الآخر. وكان ذلك كافياً لإطاحة كليتشدار أوغلو من زعامة الحزب في 5 تشرين الثاني/نوفمبر2023 وانتخاب أوزغور أوزال بدلاً منه وبدعم كوادر وأعضاء الحزب الموالين لأكرم إمام أوغلو.
وجاء اعتقال إمام أوغلو قبل ثلاثة أيام من الانتخابات في حزب "الشعب الجمهوري" الذي قرر اختيار مرشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة من خلال التصويت المباشر الذي سيشارك فيه جميع أعضاء الحزب في عموم البلاد.
ومع التذكير أن إمام أوغلو هو المرشح الوحيد في هذه الانتخابات الداخلية بعد أن أعلن رئيس بلدية إسطنبول المحسوب على التيار القومي داخل الحزب أنه لن يرشح نفسه. لقد بات واضحاً أن المرحلة القادمة ستشهد تصعيداً خطيراً جداً فيما إذا قررت المحكمة وضع إمام أوغلو في السجن.
ويذكّر ذلك بتاريخ إردوغان الذي وضع في السجن في آذار/مارس 1999 عندما كان رئيساً لبلدية إسطنبول بعد أن تلا قصيدة شعرية وصف فيها مآذن الجوامع بالرماح وقببها بالخوذ.
وخرج إردوغان من السجن بعد أربعة أشهر ونيف، ومنع من ممارسة النشاط السياسي، ودفعه ذلك مع عدد من رفاقه وفي مقدمتهم عبد الله غول إلى تشكيل حزب "العدالة والتنمية" في آب/ أغسطس 2001 بعد زيارة قام بها إلى أميركا وعاد ليتمرد على الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان ثم فاز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 ليصبح رئيساً للحكومة في مارس/ آذار 2003 بعد تعديل الدستور وإلغاء الحظر المفروض عليه.
اعتقال إمام أوغلو ومعه أكثر من مئة شخص من رؤساء البلديات والعاملين فيها والصحفيين ورجال الأعمال وصفه زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزال بأنه "انقلاب على الشرعية الدستورية،" بعد أن بات واضحاً أن إمام أوغلو سيهزم إردوغان في أول انتخابات رئاسية، ويبدو أنها لن تكون بعيدة في ظل الظروف الداخلية والخارجية لتركيا.
فالبلاد تعيش أخطر أزماتها الاقتصادية والمالية، وهو ما يفسر تراجع سعر الليرة التركية بعد اعتقال إمام أوغلو بنسبة 10%، على الرغم من محاولات المصرف المركزي السيطرة على الوضع بضخ نحو عشرة مليار دولار في الأسواق لمواجهة السيناريوهات الأخطر التي لا تستبعد انهيار الأسواق المالية برمتها.
كما لم تخفِ قيادات "الشعب الجمهوري" بل وحتى إمام اوغلو في خطاباتهم الأخيرة قلقهم من تورط أنقرة في أحداث سوريا الخطيرة بانعكاسات ذلك على مجمل السياسات الخارجية لأنقرة. وقال عنها أوزغور أوزال إنها "باتت تهدد المصالح الوطنية والقومية لتركيا، ولا تخدم سوى المشاريع والمخططات الإمبريالية والإسرائيلية، خاصة بعد إيصال النصرة إلى السلطة في دمشق ".
وفي جميع الحالات، يبقى الرهان على رد فعل الشارع على ما يقوم به إردوغان ضد منافسه المستقبلي، بعد أن أثبتت كل استطلاعات الرأي المستقلة، بل وحتى تلك التي أجرتها مؤسسات مقربة من الحكومة، أن إمام أوغلو سيهزم إردوغان بفارق لن يقل عن 15٪ مع استمرار فشل الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية التي أثقلت كاهل غالبية الشعب التركي، وأوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس الخطير الذي لا حل له بعد أن رفضت العواصم والمؤسسات المالية الأميركية والأوروبية والدولية مساعدة تركيا، كما رفضت أنظمة الخليج أيضاً باستثناء قطر مساعدتها بسبب سياساتها في سوريا والمنطقة العربية ومع اختلاف وجهات النظر بين هذه الأنظمة في هذا الموضوع.
قوات الأمن التي اتخذت تدابير أمنية كبيرة جداً في جميع أنحاء البلاد لمواجهة كل الاحتمالات، بعد أن قررت قيادة حزب "الشعب الجمهوري" التصدي لسياسات الحكومة ضد إمام أوغلو، وسبق ذلك اعتقال ثلاثة من رؤساء البلديات في إسطنبول خلال الأشهر الأربعة الماضية، وهم أيضاً من "الشعب الجمهوري"، ويبدو أنه يستعد لردود فعل عنيفة جداً قد توتر الشارع برمته.
ويدفع ذلك العديد من الأوساط السياسية للتعبير عن قلقها من احتمالات المواجهات الخطيرة بين الجماهير وقوات الأمن، وهو ما قد يجر البلاد إلى حالة من الفوضى، بل وحتى إلى الحرب الأهلية، خاصة مع التوتر الجدي في تركيا التي يعيش فيها أكثر من 15 مليون علوي بسبب المجازر التي استهدفت العلويين في سوريا.
ومن دون أن تتجاهل بعض الأوساط حالات التوتر جنوب شرق البلاد حيث يعيش الكرد؛ بسبب سياسات الحكومة الأمنية والعسكرية ضد أتباع "حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق وسوريا، وعلى الرغم من أحاديث المصالحة بين "العمال الكردستاني" والحكومة التركية التي تراقب تطورات الملف الكردي في شمال سوريا، وهو ما يحتاج إلى مقال خاص لأهميته بالنسبة إلى مجمل السيناريوهات السياسية التركية، بإردوغان أو إمام أوغلو، والمواجهة بينهما لا مفر منها، وإلى أن يحظى أحدهما بدعم أكبر، ليس فقط شعبياً داخل تركيا، وإمام أوغلو محظوظ فيها أكثر، بل أيضاً إقليمياً ودولياً، خصوصاً أن عملية اعتقاله جاءت بعد يوم واحد من اتصال إردوغان بترامب!