استراتيجية إيران مع متغيرات الحرب في المنطقة
بعد "حرب الـ 12 يومًا"، انخرطت إيران في نقاش داخلي واستراتيجي في محاولة لموازنة نفوذها في المنطقة لضمان أمنها الوطني.
-
استراتيجية إيران في المنطقة.
يؤكد المسؤولون الإيرانيون أنهم لن يخضعوا للإملاءات في أي مفاوضات مستقبلية، رغم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية النووية حيث أدت حرب يونيو\حزيران 2025 إلى إضعاف قدراتهم.
لقد جعلت تجربة الهجمات المباشرة على الأراضي الإيرانية الدفاع الوطني في صدارة الوعي العام في البلاد . وتزايد الدعم الشعبي لتعزيز الدفاعات الجوية الإيرانية، لتحديث سلاحها الجوي وتوسيع برنامجها الصاروخي.
قد تغير مفهوم التهديدات الأمنية، حيث أصبح طيف أوسع من الإيرانيين العاديين ينظر إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة الآن على أنهما تهديدان وجوديان مباشران.
في حين تستمر اللغة الثورية، هناك تحول نحو موقف أكثر قومية وأقل توسعية بشكل واضح، على الرغم من أن العناصر الثورية لا تزال قوية إلا أن الحسابات البراغماتية الأساسية للبقاء وإبراز القوة أصبحت طاغية .
تعمل إيران في فضاء مزدوج، فهي تستخدم الخطاب الثوري من أجل الشرعية المحلية والنفوذ الإقليمي، في حين توظف استراتيجية وطنية عملية لضمان أمنها ومكانتها الإقليمية على المدى الطويل.
ماهي استراتيجية إيران في أعقاب سقوط نظام الأسد في سوريا؟
تعتمد ايران استراتيجية براغماتية تهدف إلى البقاء والتكيف مع الواقع الجيوسياسي الجديد.
جرى تحول ملحوظ في موقفها السياسي، بما في ذلك الاستعداد للإشارة إلى هيئة تحرير الشام مثلا كمعارضة شرعية، ما يشير إلى نهج عملي للتعامل مع وسطاء السلطة الجدد لحماية مصالحها.
وهي إعادة توجيه الجهود الرئيسية إلى مناطق أخرى تتمتع بعلاقات متينة معها، كما جرى الاعتماد المتزايد على أدوات القوة الناعمة للحفاظ على درجة من النفوذ المحلي في مناطق محددة من دون وجود عسكري.
وركزت على الانخراط في الدبلوماسية مع الإدارة السورية الجديدة وغيرها من القوى الإقليمية/الدولية لتأمين حماية أصولها المتبقية. وهي تبني استراتيجية عملانية مرنة للتعامل مع المشهد السوري المعقد والصعب في المرحلة الجديدة.
استراتيجية إيران بعد حرب الـ 12 يوماً مع "إسرائيل" وأميركا
بعد "حرب الـ ـ12 يومًا" في يونيو \حزيران 2025 مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، انخرطت إيران في نقاش داخلي واستراتيجي في محاولة لموازنة نفوذها في المنطقة لضمان أمنها الوطني. تظل اللغة الثورية الإيرانية مكونًا أساسيًا من هويتها الوطنية وسياساتها الخارجية، وهي متجذرة في معاداة الإمبريالية ومعارضة الولايات المتحدة و"إسرائيل".
حافظ المسؤولون الإيرانيون على موقف علني من التحدي، بعد أن ألحقوا أضراراً بـ"إسرائيل" أثناء الصراع وقاوموا الدعوات إلى الاستسلام غير المشروط .تم تقديم الهجمات المباشرة بالصواريخ والطائرات من دون طيار على "إسرائيل" (أولاً في أبريل/نيسان 2024، وبشكل أكثر أهمية في يونيو/حزيران 2025) باعتبارها انتقاماً ضرورياً ومشروعاً لاستعادة الردع بعد اغتيال قادة عسكريين رئيسيين والهجوم على قنصليتها في دمشق.
وبعد الضربات الأميركية والإسرائيلية المكثفة على المنشآت العسكرية والنووية أعادت إيران تقييم استراتيجيتها العملية. لا يزال الهدف الأساسي المتمثل في حماية السيادة الوطنية قائماً، ولجأت إلى مناقشات داخلية كبرى حول كيفية تحقيق تلك الأهداف بشكل مختلف عن السابق .
تسعى إيران إلى تعزيز علاقاتها مع جهات دولية فاعلة مثل الصين وروسيا لإعادة بناء قدراتها العسكرية. كما أنها تنخرط في دبلوماسية للتعامل مع مرحلة ما بعد الصراع، وقد شاركت في جهود دبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي وهيئات دولية أخرى، وإن كان نجاحها محدودًا حتى الآن.
تحاول إيران التوفيق بين مبادئها الثورية الجوهرية والضرورة العملية العاجلة لتكييف استراتيجيتها الأمنية في مواجهة تحديات عسكرية ودبلوماسية جسيمة. ومن المرجح أن تُحدد نتائج النقاشات الداخلية مسار تحركاتها المستقبلية في الشرق الأوسط.
الضغوط الغربية بشأن القضية النووية
تقول السلطات الإيرانية إن الولايات المتحدة وحلفاءها عازمون على اتخاذ موقف حازم بشأن البرنامج النووي وإن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تترك مجالاً للمحادثات من خلال تقديم "مطالب متطرفة" مراراً وتكراراً.
النهج الحالي للحكومة الأميركية لا يظهر بأي حال من الأحوال استعدادها لمفاوضات متساوية وعادلة لضمان المصالح المتبادلة". أكدت إيران أنها لن تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة إلا بضمانات برفع العقوبات، وأنها لا تثق في الطرف الأميركي بسبب انتهاكه للاتفاقيات السابقة.
ترى طهران أن واشنطن تتبع سياسة "الحد الأقصى من الضغط" وتستخدم المفاوضات كأداة لفرض شروطها، وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد أرسل رسالة إلى ولي العهد السعودي قبل زيارته واشنطن، وهو ما أثار تكهنات بأن إيران قد تكون قلقة من تزايد التعاون السعودي-الأميركي.
إلا أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية نفى أن تكون الرسالة متعلقة بالمفاوضات الأميركية، مؤكداً أن طهران ليس لديها حالياً عملية تفاوض مع واشنطن.
على الرغم من أن الأمير محمد بن سلمان أشار إلى أن السعودية ستساعد في إبرام "اتفاق جيد" بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن هذا لا يعني أن واشنطن ستبدأ المفاوضات على الرغم من تصريح ترامب أن المفاوضات قد بدأت، إلا أن إشارة الأمير كانت لتأكيد دور الرياض كوسيط إقليمي يسعى لتحقيق الاستقرار بما يخدم مصالحها وحلفاءها.
قنوات التواصل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تزال مفتوحة. مبعوث إيران ذهب إلى فيينا، مقر الوكالة، للقاء نظيريه من الصين وروسيا في اجتماع مع ممثلي الوكالة التابعة للأمم المتحدة ولا يوجد تخصيب بعد تعرض المنشآت للقصف.
إيران لا تزال تحتفظ بحقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما في ذلك التخصيب، الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان لها حق الوصول إلى محطة بوشهر للطاقة النووية ومفاعل طهران للأبحاث، لكن شروط الأمن والسلامة لم تتحقق لعمليات التفتيش في منشآت أخرى حيث لا يزال اليورانيوم عالي التخصيب مدفوناً.
على الرغم من تفعيل العقوبات، تحاول الدول الأوروبية إبقاء الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية. فقد قدمت إيران مؤخراً مقترحاً متوازناً للأوروبيين لتجنب المزيد من الأزمات، وكانت هناك جولات من المفاوضات على مستويات مختلفة، لكن من دون تحقيق اختراق كبير.
تسعى الدول الأوروبية إلى "إحياء" المفاوضات وهي تعتبر أن الضغط عبر العقوبات يهدف إلى تعزيز الدبلوماسية لا نسفها بالكامل. لكن الوضع يبقى معقداً ومتقلبًا، وتواجه الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحديات في ضمان استمرار المعرفة بالبرنامج النووي الإيراني.