الانتخابات الإيرانية وثوابت المرشد الأعلى السيد خامنئي

في ظلّ الترتيبات العاجلة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، حدّد المرشد الإيراني السيد علي خامني ما يمكن اعتباره خارطة طريق السياسة الخارجية والداخلية.

  • صناعة القرار الإيراني ومصادره.
    صناعة القرار الإيراني ومصادره.

تمنح المرونة الدستورية ووجود شبكة أمان مؤسساتية إيران قدرة على استيعاب غياب الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، إلا أن هذا الجانب لا يلغي قوة الضربة التي تعرّضت لها المؤسسة السياسية في إيران. بالحقيقة لا تكمن أهمية رئيسي بكونه رئيساً للبلاد وحسب، وإنما في ثقله الشخصي داخل مؤسسات النظام، مما يجعله أبرز المرشحين لخلافة السيد علي خامنئي. 

وفي ظلّ الترتيبات العاجلة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، حدّد المرشد الإيراني السيد علي خامني ما يمكن اعتباره خارطة طريق السياسة الخارجية والداخلية وأولوياتها في كلمة ألقاها صباح الاثنين الماضي بمناسبة الذكرى الـ 35 لرحيل الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية. 

استهلّ خامنئي خطابه بالحديث عن الحرب الإسرائيلية المتواصلة وتداعياتها وتطوراتها الإقليمية، وأشاد بالرئيس إبراهيم رئيسي ورفاقه الذين استشهدوا في حادثة المروحية، وختم بالاستحقاق الانتخابي المقرّر في 28 حزيران/يونيو الجاري لملء الشغور الرئاسي. تسلسل الملفات في كلمة المرشد أظهرت أهميتها بالنسبة للسياسة الإيرانية المقبلة.

أهمية القضية الفلسطينية

يأتي خطاب المرشد في ضوء المتغيّرات الداخلية والإقليمية، اعتبر أن عملية "طوفان الأقصى" جاءت في اللحظة المناسبة، وأفشلت خطة كانت ترمي إلى تغيير المعادلات في المنطقة، وأكّد أن القضية الفلسطينية ستبقى الأهم في سلّم سياسات الجمهورية الإسلامية، وأن زوال الاحتلال حقيقة ماثلة أمام الرأي العام، وقد رسم الخطاب صورة واضحة للرأي العام عن تطورات القضية الفلسطينية، وكيف حاصرت المقاومة الفلسطينية الاحتلال وحشرته من خلال عملية طوفان الأقصى، حيث لم يعد لديه مخرج، وكيف تمت إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وجرى إفشال مشاريع التطبيع مع الاحتلال. 

ركّز على كتابات مفكّري الغرب وصحافيّيه وعلى حلفاء "إسرائيل" حول أزمة "تل أبيب" ووقوعها في مستنقع غزة من دون تحقيق أي من أهداف هجومها عليها. وهي رسالة قوة عن طاقات محور المقاومة التي لم تدخل المعركة بعد. كلمة المرشد الإيراني حملت رسالة إلى المقاومة الفلسطينية بعدم الانجرار وراء وعود وقف إطلاق النار، وعدم السماح بإنقاذ كيان الاحتلال من مأزقه في رد على المفاوضات الجارية. 

وفي إشارة واضحة الى أداء الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، أيّد السيد خامنئي سياسة رئيسي وأوضح للشعب الإيراني أهمية السياسة المتبعة، ركّز على أهمية مواصلتها فهي تعبّر عن خط الثورة الإسلامية التي تؤدي إلى تقليص الهوة بين الشعب والسلطات الحاكمة عبر تعزيز الدعم الشعبي للنظام الإيراني، والمشاركة بكثافة في الانتخابات المقبلة، وفي الوقت نفسه حذّر المرشحين من شحن الأجواء الانتخابية بالاتهامات المتبادلة.

صناعة القرار الإيراني ومصادره 

يحتلّ آية الله علي خامنئي، منصب التوجيه على أساس ولاية الفقيه، هو المرجع الذي له الكلمة الأخيرة.  ويعدّ مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، والسلطة القضائية، الركائز الأساسية للنظام مع التنسيق القوي مع هيئة التوجيه، مما يجعل النظام فعّالاً. وفي ظل قوة المحافظين في مجلس الشورى والحضور في مجلس الخبراء تحقّقت الصورة الأكثر انسجاماً بين القوى المحافظة منذ عام 1979.

وفيما يتساءل الغربيون حول مآل السياسة الخارجية الإيرانية بعد رئيسي ومن هو الرئيس، برزت أسماء كثيرة إلى الواجهة، من المفاوض النووي السابق سعيد جليلي، إلى رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وآخرين، ولكن بغض النظر عمن سيأتي، فمن غير المتوقّع أن يتغيّر المسار الحالي في السياسة الخارجية. السياسة لا تعتمد   فقط على الرؤساء إنما على خارطة طريق تحدّدها العناصر الأساسية للنظام.

المفاوضات التي تجري مثلاً مع إدارة بايدن عبر عمان لن تتراجع في مجالات معيّنة ولا يراد لها أن تؤدي إلى التوترات بين واشنطن وطهران. السياسة الخارجية في إيران ليست شخصية والمكان الذي تتشكّل فيه السياسة الخارجية هو المجلس الأعلى للأمن القومي، ومن الناحية النظرية، فهي تحت سيطرة الرئيس. واجب المجلس المناقشة والتوصّل إلى توافق في الآراء حول القضايا الحاسمة. 

ويضمّ المجلس، بالإضافة إلى وزراء الخارجية والداخلية والمخابرات، رئيس مجلس النواب، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس الأركان العامة، والقائد العام للجيش، والقائد العام من الحرس الثوري واثنين من ممثلي خامنئي. ويمكن لمجلس الخبراء ولجنة الشؤون الخارجية في البرلمان أيضاً التأثير على عمليات صنع السياسات. 

لا تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية 

التغيير الأساسي في السياسة الخارجية العام 2021 كان التوجّه الإيراني نحو الشرق. لقد فقد نهج "لا شرق ولا غرب" الذي تبنّته إيران في عام 1979 قيمته العملية بسبب انهيار الاتفاق النووي 5+1 والعقوبات والانقسامات الجيواستراتيجية الجديدة. كما أن الاستراتيجية الأميركية الرامية إلى احتواء الصين وروسيا غيّرت طبيعة علاقات هذين البلدين مع طهران.

ووقّعت بكين اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 25 عاماً مع طهران في عام 2021. أتيحت لإيران الفرصة لتنويع علاقاتها من خلال قبولها عضواً في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2023 وفي البريكس. ولعل الحافز الرئيسي لانضمام إيران إلى شنغهاي للتعاون، هو وجود (روسيا والصين والهند) في المنظّمة وما تتمتع به هذه الدول من مكانة على شتی الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، مما يسهم في التخفيف من آثار العقوبات المفروضة عليها.

 أما تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية بوساطة الصين في عام 2023 وما نتج عنه من فتح صفحات جديدة مع دول الخليج وزيادة حجم التجارة بين الإمارات وإيران 24 مليار دولار، 4.3 أضعاف حجم التجارة التركية الإيرانية.

أما المنامة فهي ترى تحسّناً كبيراً في العلاقة، ويحتاج السعوديون، إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار مع أنصار الله من أجل تحقيق أهدافهم التنموية لعام 2030.

علاقات الجوار الخالية من التوتر مع إيران تشكّل ضرورة أساسية بعد أن تمّ حلّ العلاقات مع أذربيجان، وأفسحت الأزمات بين البلدين منذ حرب كاراباخ المجال أمام التعاون في حوض آراس. وبطبيعة الحال، فإن رياح حسن الجوار لا تبدّد المخاوف من تآمر "تل أبيب" ضدّ إيران.

أما التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران فسيستمرّ كالعادة وتتجه العلاقات نحو المدّ والجزر، وكان هناك تحسّن نسبي خلال فترة رئيسي.

ويعتمد تسارع هذا الوضع على النهج الذي تتبنّاه إيران في التعامل مع الجهود التي تبذلها تركيا لفتح صفحة جديدة مع العراق، وما إذا كانت عملية عسكرية جديدة ستتطوّر في سوريا، أو ستظهر تعقيدات في جنوب القوقاز.