التحديات التي تواجه الاستثمارات الصينية في أفريقيا

مع تطور العلاقات الصينية الأفريقية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين، خلال العام الماضي، نحو 282 مليار دولار، لتكون الصين أكبر شريك تجاري للقارة منذ 15 عاماً.

0:00
  • الصين لن تتخلى عن تعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية نظراً إلى حاجة بكين إليها.
    الصين لن تتخلى عن تعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية نظراً إلى حاجة بكين إليها.

انعقد في العاصمة الصينية بكين، من الـ4 إلى الـ6 من الشهر الحالي، منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، بحضور أكثر من 50 ممثلاً عن الدول الأفريقية. وتعهّد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال كلمة ألقاها في افتتاح المنتدى، تقديم دعم مالي بقيمة 51 مليار دولار أميركي على هيئة استثمارات وقروض ودعم 30 مشروعاً للبنى التحتية، و30 مشروعاً أخر للطاقة النظيفة، وخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل ومساعدات عسكرية بقيمة 140 مليون دولار.

إن اهتمام الصين بالقارة الأفريقية ليس وليد اللحظة، بل صبت الصين تركيزها على القارة منذ أعوام طويلة، نظراً إلى غناها بالموارد المعدنية التي تحتاج إليها بكين من أجل تنمية اقتصادها والتحول نحو الطاقة النظيفة، فضلاً عن رغبتها في قيادة الجنوب العالمي.

مع تطور العلاقات الصينية الأفريقية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين، خلال العام الماضي، نحو 282 مليار دولار، لتكون الصين أكبر شريك تجاري للقارة منذ 15 عاماً.

وخلال الأعوام الأخيرة، ازداد الاستثمار الصيني المباشر في القارة الأفريقية، ولاسيما في مجال النفط والتعدين. ففي عام 2022، بلغ حجم الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا 5 مليارات دولار، وبلغ عدد الشركات الصينية التي تستثمر في أفريقيا أكثر من 3000 شركة. كما أن الصين تستورد أكثر من 25% من وارداتها النفطية من أفريقيا، لتكون القارة ثاني أكبر مصدّر للنفط إلى الصين بعد الشرق الأوسط.

مع تزايد الاستثمارات الصينية في أفريقيا، ارتفعت المخاطر والتحديات التي تواجه الشركات الصينية في القارة. من هذه التحديات مثلاً:

- التهديدات الأمنية للمصالح الصينية: تتعرض الصين لتهديدات أمنية تطال أغلبيتها العمال الصينيين، الذين يعملون في المناجم الأفريقية. فمثلاً، تعرض خلال هذا العام عمال صينيون للقتل على أيدي جماعات مسلّحة. ففي أفريقيا الوسطى، قتلت جماعة مسلّحة تسعة من العمال الصينيين، الذين يعملون في مناجم الذهب. وفي الكونغو، هاجم مقاتلون موقعاً للتعدين تستثمر فيه الصين، الأمر الذي أسفر عن مقتل ستة صينيين. وفي عام 2022، هاجم مسلّحون في نيجيريا منجماً واختطفوا 4 عمال صينيين.

أمام تزايد تعرض العمال الصينيين لهجمات خطف وقتل، وجدت الصين نفسها أمام مشكلة توفير حماية لمواطنيها، فوقّعت، خلال الأعوام الأخيرة، على العشرات من الاتفاقيات الأمنية مع الدول الأفريقية، من أجل حماية المواطنين الصينيين.

 كما استعانت بشركات الأمن الخاصة الصينية من أجل حماية شركاتها ومواطنيها. فمثلاً، توظف شركة الأمن الصينية الخاصة Beijing DeWe Security في كينيا نحو 2000 مقاول أمني لحماية سكك الحديد التي بنتها الصين بقيمة 3.6 مليارات دولار أميركي، كما تحمي الشركة مشروعاً للغاز الطبيعي في إثيوبيا.

في إطار أخر، يشهد بعض الدول الأفريقية مظاهرات ضد الشركات الصينية لأسباب بيئية، أو ضد التجار الصينيين. فمثلاً في كينيا، احتج التجار المحليون ضد التجار الصينيين بعد الجدل الذي أثاره افتتاح متجر China square، والذي تقل أسعاره بنسبة 45% عن الأسعار السائدة في الشركات المحلية.

- الانقلابات العسكرية وغياب الاستقرار السياسي: تشهد القارة الأفريقية، بين الحين والآخر، انقلابات عسكرية من شأنها أن تؤدي إلى عدم استقرار سياسي وأمني. فخلال السنوات الأخيرة، حدثت انقلابات في بوركينا فاسو، تشاد، السودان، مالي، غينيا، النيجر، الغابون. ومن المحتمل أن يؤخر عدم الاستقرار السياسي، وما يرافقه من أوضاع أمنية سيئة، تنفيذ المشاريع الصينية في البلاد. 

- التنافس الصيني الأميركي: في ظل التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة الأميركية والصين على شكل النظام العالمي، برزت القارة الأفريقية كأحد أوجه التنافس بين أكبر اقتصادَين في العالم. فبعد أن غابت الولايات المتحدة الأميركية عن الساحة الأفريقية، خلال الأعوام الماضية، عادت مرة أخرى لتصب اهتمامها على القارة الأفريقية بهدف إضعاف النفوذ الصيني في القارة والسيطرة على مواردها المعدنية.

 وتسعى واشنطن لوقف تدفق المعادن الأفريقية في الصين، ولاسيما الليثيوم والكوبالت، وهما مكونان أساسيان في بطاريات أيونات الليثيوم، لمواجهة سيطرة بكين على إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. ولهذه الغاية، وقعت الولايات المتحدة مع الكونغو وزامبيا، على هامش قمة الولايات المتحدة وأفريقيا، والتي عُقدت عام 2022، مذكرة تفاهم تعهدت فيها الولايات المتحدة المساعدة على بناء سلسلة توريد لبطاريات السيارات الكهربائية في الكونغو وزامبيا. فالشركات الصينية تقوم باستخراج هذه المعادن وتصدّرها إلى الصين، بحيث تتم معالجتها لاحقاً وتصنيعها وتجميعها في بطاريات هناك. لذلك، تسعى الولايات المتحدة لمساعدة الكونغو وزامبيا على استخراج المعادن ومعالجتها وتجميعها محلياً، وبذلك تقف عقبة أمام الصين.

من جهة أخرى، ضغطت الولايات المتحدة على الكونغو من أجل مراجعة عقود التعدين مع الصين. وبالفعل، صرّح الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، في خطاب تنصيبه لفترة رئاسية ثانية، أوائل العام الحالي، بأن الكونغو والصين تُجريان محدثات بشأن حصول بلاده على تمويل قيمته 7 مليارات دولار، كجزء من اتفاق إعادة التفاوض بشأن المعادن في مقابل البنى التحتية.

وفي إطار الجهود الأميركية والأوروبية لمواجهة مشروع الحزام والطريق، تم تفعيل ممر لوبيتو وتوسيعه، بحيث اتجهت أول شحنة من النحاس من مناجم الكونغو إلى الولايات المتحدة، عبر الممر الذي يربط بين ثلاث دول أفريقية غنية بالمعادن اللازمة لتكنولوجيا الطاقة النظيفة، هي الكونغو وزامبيا وأنغولا.

ومن أجل إبعاد الدول الأفريقية عن الصين، يتهمها الغرب بأنها تُغرق الدول الأفريقية بالديون (فخ الديون)، وهو ما ترفضه بكين بشدة، وتقول إنها مشاركة نشطة في مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين التي أطلقتها مجموعة العشرين، كما أنها وقّعت اتفاقيات مع بعض الدول الأفريقية من أجل تخفيف الديون.

تعمل الدول الأفريقية على الاستفادة من التنافس العالمي على ثرواتها من أجل الحصول على أفضل الصفقات. وبدأت عدة من دول أفريقية تفرض حظراً على تصدير خام الليثيوم قبل معالجته محلياً، وحظراً على عدد من الموارد المعدنية، كالكوبالت والغرافيت والنحاس.

 وفي هذا الإطار، فرضت زيمبابوي حظراً على تصدير خام الليثيوم عام 2022. لذلك، بدأت مجموعة من الشركات الصينية بناء مصانع لمعالجة الليثيوم، الأمر الذي يخدم الدولة الأفريقية، وتلتها في الحظر نامبيا وغانا.

لا شكّ في أن الصين، على الرغم من الصعوبات والمعوّقات التي تواجه استثماراتها في القارة الأفريقية، لن تتخلى عن تعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية نظراً إلى حاجة بكين إليها. كما أن دول القارة ستعمل على الاستفادة من التنافس الصيني الأميركي على مواردها، لكن تبقى مسألة الموازنة في علاقاتها ببكين وواشنطن أمراً ليس سهلاً.