المنتدى الصيني – الأفريقي محددات العلاقة ومستقبلها

انعقاد المنتدى الصيني الأفريقي هذا العام وما طرحه من مبادرات للتعاون المشترك يعني أن مستقبل العلاقات الصينية الأفريقية سيشهد تقارباً أكبر وأعمق.

  • الصين تتقدم صوب القارة الأفريقية على حساب النفوذ الأميركي والأوروبي.
    الصين تتقدم صوب القارة الأفريقية على حساب النفوذ الأميركي والأوروبي.

اختتم منتدى التعاون الصيني -الأفريقي (فوكاك) دورته التاسعة بالعاصمة الصينية بكين في 6 أيلول/سبتمبر 2024، بمشاركة نحو 53 دولة أفريقية، لتُطرح جملة تساؤلات مشروعة عن محددات العلاقات الصينية الأفريقية ومآلاتها ومعوقاتها وموقعها في تفاعلات النظام الدولي ومتغيراته، ولا سيما أن انعقاد المنتدى يأتي في مشهد دولي وإقليمي غاية في التعقيد، وتحديداً ما يتعلق بصراع النفوذ في القارة السمراء الحاصل بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

تأسس المنتدى الصيني - الأفريقي قبل 24 عاماً، وتحديداً عام 2000، كمنصة متعددة الأطراف للحوار والتعاون، ليبدأ كبوابة سياسية واقتصادية وعسكرية تمر من خلالها الصين للقارة الأفريقية، ليصل إلى التجارة والاستثمار والبنية التحتية والنقل وبناء القدرات والقروض المالية.

 ويُعقد المؤتمر كل ثلاث سنوات لتحديد أفضل السبل للعمل والتعاون بين الصين والدول الأفريقية. ويعد المنتدى تتويجاً لتوجه الصين صوب القارة الأفريقية منذ عام 1999، عندما تبنت استراتيجية "الخروج" في سياستها الخارجية.

انعقد المنتدى الصيني - الأفريقي هذا العام تحت شعار "العمل معاً لتعزيز التحديث وبناء مجتمع المستقبل المشترك الصيني الأفريقي رفيع المستوى". وكان اللافت في افتتاح القمة الصينية الأفريقية محددات الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ. وقد استهل خطابه بمثل صيني يقول: "إن الزهور في الربيع تتحول إلى الثمار في الخريف، والحصاد الوافر بمنزلة مكافأة للعمل الجاد". وكان هذا المثل انعكاساً للمرحلة التاريخية التي تمر بها العلاقات الصينية – الأفريقية، والتي وصفها الرئيس الصيني بأنها الفترة الأكثر قوةً وازدهاراً، وبأنه الوقت المناسب لجني ثمار التعاون الذي استمر لقرابة 70 عاماً، والذي تعزز بشكل أكبر خلال العقد الماضي. 

وتعهد الرئيس الصيني في كلمته بدعم أفريقيا بقيمة 50 مليار دولار على مدار السنوات الثلاث المقبلة، وتعزيز التعاون العسكري في جهود شاملة لتعميق العلاقات الصينية الأفريقية. وأضاف أن مساعدة بكين سوف تشمل خط ائتمان بقيمة 30 مليار دولار، إضافة إلى 11 مليار دولار مساعدات مختلفة، واستثمارات من جانب الشركات الصينية بقيمة 10 مليارات دولار.

وكان الرئيس الصيني أقلّ تحفظاً في خطابه، عندما قال: "إن عملية التحديث التي يقودها الغرب في أفريقيا تسببت بمعاناة كبيرة لشعوب المنطقة". وأضاف: "بدءاً من منتصف القرن العشرين، حاربت الصين والدول الأفريقية معا ضد الإمبريالية والاستعمار، ويجب علينا أن نواصل طريق التحديث والنمو معاً".

وأصدرت الأطراف المشاركة في قمة المنتدى الصيني -الأفريقي بياناً مشتركاً بشأن تعميق التعاون في إطار مبادرات التنمية العالمية، وأشار البيان المشترك إلى أنه في الوقت الذي تدخل التنمية العالمية فترة حرجة، وتواجه البلدان النامية تحديات شديدة، فإنّ "مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تتوافق مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وأجندة الاتحاد الأفريقي 2063، إضافة إلى استراتيجيات التنمية للدول الأفريقية".

تبنَّت قمة المنتدى مخطط عمل بكين 2024 – 2027، الذي يضع محاور العمل والتعاون الواجب متابعتها وتنفيذها خلال الفترة الفاصلة بين قمة بيجين 2024 والقمة المقبلة لعام 2027، والتي تعتبر خريطة طريق يمكن من خلالها للصين وأفريقيا توضيح الأولويات والمحددات ووضع الانشغالات الأساسية ومتابعة ما تم تنفيذه ما بين قمة 2024 والقمة المقبلة في 2027.

وتتويجاً لأشغال القمة، خلص المجتمعون إلى وضع أسس ومواثيق التعاون الصيني الأفريقي، المبنية على مجموعة من المرجعيات، وهي مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، والتعاون الجيد في إطار مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، وأجندة 2063 للاتحاد الأفريقي.

إضافة إلى ما سبق، تمثل قمة المنتدى الصيني-الأفريقي (فوكاك) لعام 2024 دفعة كبيرة للعلاقات والتعاون العملي بين الصين وأفريقيا في مختلف المجالات. ويعد انعقاد القمة الصينية الأفريقية التاسعة للمنتدى بشكل منتظم على مدار 24 عاماً نجاحاً لمسار علاقات تنمو وتتطور، مقارنة بالقمة الأميركية الأفريقية التي تعطلت على مدار 4 سنوات، وقد تحول المنتدى الصيني - الأفريقي إلى نموذج سعت روسيا والولايات المتحدة الأميركية إلى تقليده في علاقاتهما بالقارة الأفريقية. 

نجح المنتدى الصيني -الأفريقي منذ انطلاقته عام 2000 إلى تحقيق نتائج مُرضية ومثمرة، وأضفى ديناميكية مؤسساتية جماعية على العلاقات الأفريقية الصينية، وارتفع حجم التجارة الثنائية خلال 24 عاماً من 10.5 مليار دولار أميركي إلى 282.1 مليار دولار أميركي، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا.

يُشير عقد المنتدى الصيني الأفريقي في قمته التاسعة المنتظمة إلى أن الصين باتت منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين في إحدى أهم مناطق التنافس على النفوذ، وهي القارة الأفريقية التي تعد كنزاً للموارد والمعادن ومدخلاً لا بد منه، ولا يمكن الاستغناء عنه لأي قوة دولية تسعى لتأكيد نفوذها في النظام الدولي. 

وبالتالي، فإن عقد القمة الصينية الأفريقية في ظل الظروف الدولية والإقليمية وحالة الاستقطاب الحاصلة يعدّ انتصاراً للصين وفق ما تقوله نظرية المباريات كإحدى أهم النظريات السياسية في العلاقات الدولية. 

إن انتظام انعقاد قمة المنتدى الصيني الأفريقي كمؤسسة تدير وتنظم وتستشرف العلاقات الصينية الأفريقية يعكس من بين جملة محددات حرص الطرفين -الصين وأفريقيا- على تقوية العلاقة بينهما، ويدل على حالة من التوافق على وحدة المصير المشترك بينهما، ما يعني أن مآلات ومستقبل العلاقة سيشهد مزيداً من التقارب والتوافق وتحقيق المصالح المتبادلة.

والملاحظ في مسار ومحددات ومآلات المنتدى الصيني الأفريقي هو تصاعد منحنى العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاتفاقيات الجماعية والثنائية ما بين الصين والدول الأفريقية واختلاف محددات السياسة الصينية الخارجية تجاه القارة الأفريقية عن نظيرتها الغربية، إذ إن محددات الصين أكثر فائدة، ونتائجها ملموسة على الأرض، وهي تركز على البنية التحتية والتنمية الصناعية والتجارة والمنفعة المتبادلة من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية، وهي أكثر احتراماً لخصوصية الدول الأفريقية، في حين تعتمد السياسات الأميركية والغربية في محدداتها تجاه أفريقيا على الانتقائية والمعايير السياسية المختلفة بين الدول، إضافة إلى التدخل في الشؤون السياسية وتقويض السيادة الوطنية وتقيد الاستقلال الاقتصادي والسياسي للدول الأفريقية.

إن استمرار انعقاد المنتدى الصيني –الأفريقي ومخرجاته المتعددة في القمة التاسعة 6 أيلول/سبتمبر 2024 يعني أن الصين تتقدم صوب القارة الأفريقية على حساب النفوذ الأميركي والأوروبي، وأن تمدد الصين يمر بانسيابية وأريحية، ما يعني مزيداً من التمدد الأفقي والعمودي في العلاقة، وأن نفوذ الصين لا يتوقف عند حدود القارة الأفريقية، بل إن أحد أهم محددات علاقتها بأفريقيا أن الصين تريد من خلال العلاقة بالقارة الأفريقية توسعة دورها ونفوذها وحضورها في النظام العالمي، وهذا ما تلتقي فيه مع الدول الأفريقية، إذ يسعى كل من الطرفين لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب يتسم بالمساوة واحترام الشرعية الدولية ومؤسساتها، بدلاً من الاستفراد والاستغلال الأميركي، وهذا يعني أن مستقبل العلاقة بين الصين والقارة الأفريقية لن يتوقف عند حدود منتدى التعاون الصيني الأفريقي، وأنه بينما تدعم الدول الأفريقية نفوذ الصين في النظام العالمي ستدعم الصين استقلالية الدول الأفريقية وتعمق دورها في النظام العالمي، من خلال دعم حصول دول القارة الأفريقية على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. 

إن حدود العلاقة بين الصين والقارة الأفريقية ومحدداتها لن تقف عند انعقاد قمة المنتدى الصيني الأفريقي، بل تتجاوزه إلى حدود التنافس على النفوذ في القارة الأفريقية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ومستقبل ذلك مرتبط بمصالح متبادلة يتطلع إلى تحقيقها كل من الصين والدول الأفريقية؛ ففي محددات الصين، إن القارة الأفريقية مدخل وبوابة مهمة لا لنفوذ الصين في أفريقيا، ولكن لتمدد نفوذ الصين في النظام العالمي. وفي محددات دول القارة الأفريقية، فإن الصين توفر لهذه الدول طوق نجاة بديلاً ومساحة أخرى مختلفة وأكثر أريحية وأقل ابتزازاً مما تفعله الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

إن انعقاد المنتدى الصيني الأفريقي هذا العام وما طرحه من مبادرات للتعاون المشترك يعني أن مستقبل العلاقات الصينية الأفريقية سيشهد تقارباً أكبر وأعمق، ولا سيما في ظل البيئة الأفريقية والمزاج الشعبي الرافض والمعادي للغرب في مقابل انفتاح أكبر على الصين، ويعني أيضاً تمدد حضور الصين في أفريقيا مقابل انحسار نفوذ الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية.