التطبيع التركي مع الجامعة العربية لا يلغي الطاولة الرباعية

الأجواء الإيجابية مع العواصم العربية لن تضمن تلقائياً تغيراً في دمشق، فمن يعتمد على نفوذ القاهرة والرياض وأبو ظبي في تغيير موقف دمشق من إيران سيكون مخطئاً.

0:00
  • ماذا يعني التطبيع التركي مع الجامعة العربية؟
    ماذا يعني التطبيع التركي مع الجامعة العربية؟

هل يمكن أن يكون إنشاء جبهة مشتركة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سوريا ولبنان بعد غزة، بحسب توقعات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الركيزة الجديدة لهدف تطبيع العلاقات التركية مع سوريا بعد التطبيع مع مصر أم أن هذه التصريحات هي محاولة للابتعاد عن الطاولة الرباعية وإحلال اتفاقيات عربية بين دمشق وأنقرة؟

بعد استضافة إردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أنقرة مطلع شهر أيلول، أرسل وزير الخارجية هاكان فيدان إلى القاهرة لحضور اجتماع الجامعة العربية بصفة مراقب بعد غياب 13 عاماً.

أطلق إردوغان في مؤتمر مدارس الإمام الخطيب في 7 سبتمبر دعوة مفادها أن "إسرائيل" لن تتوقف في غزة، وادعى أنها، بعد احتلال رام الله في الضفة الغربية، ستضع نصب عينيها لبنان وسوريا، وحتى الوطن العربي بين نهري دجلة والفرات. ولهذا السبب، اعتبر أن حماس كانت تدافع عن تركيا أيضاً، وليس عن غزة فحسب، ثم اقترح محوراً جديداً، واعتبر أن الخطوات الجديدة التي يتخذها مع مصر وسوريا تهدف إلى خلق خط تضامن ضد التهديد المتزايد للتوسعية الإسرائيلية.

كرر وزير الخارجية التركي فيدان في اجتماع الجامعة العربية ماهية الأفعال التي يجب على العالم العربي والإسلامي العمل عليها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وذكر أن الانقسامات في العالم العربي والإسلامي فتحت الباب أمام التدخلات الخارجية، وأنه لم يعد من الممكن السماح بذلك بعد الآن. 

ما السياسة التي تكمن وراء ذلك؟

عملت تركيا على طي صفحات العداء مع السعودية والإمارات ومصر، وتلقت دعوة من الجامعة العربية. التطبيع مع الدول العربية سيشمل جميع الدول الأعضاء، وتعتقد تركيا أنه حتماً سيشمل سوريا.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد غادر القاعة بمجرد دعوة وزير الخارجية التركي فيدان إلى المنصة، ما أثر في التفاؤل الذي كان سائداً في بعض الأوساط العربية. أما وزارة الخارجية التركية، فلم تعتبر الأمر احتجاجاً، ولا سيما أن القرارات في الجامعة العربية تتخذ بالتوافق. الأساس بالنسبة إليها هو التركيز على الوجود التركي في الجامعة العربية، واعتبرت بعض وسائل الإعلام أن الأمر كان رد فعل. 

ماذا يعني التطبيع التركي مع الجامعة العربية بالنسبة إلى سوريا؟

هل يشكل التطبيع مع الجامعة العربية ضمانة للتطبيع مع سوريا؟ لا تزال الدول العربية الأعضاء في الجمعة تراقب من كثب سياسات أنقرة التي اكتسبت بعداً عسكرياً في أماكن مثل سوريا وليبيا والعراق والصومال.

الوضع في دمشق لا يزال محفوفاً بالمخاطر، فالرئيس السوري بشار الأسد لم يلقِ خطاباً في قمة المنامة التي ركزت على غزة في شهر مايو/أيار الماضي، كما أن بعض الحساسيات ما زالت موجودة بين سوريا وبعض الدول الأعضاء في الجامعة العربية.

إن حقيقة أن سوريا وافقت على دعوة تركيا كانت من أجل تجنب الصراع مع الأعضاء الآخرين، ويعود الأمر إلى حساسية وضعها.

ثمة أسئلة حول أمل بعض الدبلوماسيين العرب الذين عادوا مع سفاراتهم إلى سوريا بابتعاد دمشق التدريجي عن إيران لكي تعود إلى "قلب العالم العربي". وبالمثل، يتوقعون أن تكون علاقات حسن الجوار مع تركيا طريقاً إلى التصالح معها، لكن موقف سوريا من تركيا لا يتغير بانتقالها من دمشق إلى القاهرة.

لا يمكن القول إنّ وجهة النظر العربية تغيرت بالنسبة إلى الوجود العسكري التركي. من شأن إعادة تركيا كمراقب دائم في جامعة الدول العربية أن تغيير الأجواء نحو تطور العلاقات يعد حل اللجنة الوزارية المعنية بالتدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهي خطوة طبيعية يأمل العرب من خلالها التوصل إلى نتيجة من خلال الدبلوماسية. إذا حدث التطبيع بين سوريا وتركيا بفضل مبادرة عربية، فقد يؤثر ذلك في سياسات كل من دمشق وأنقرة.

الأجواء الإيجابية مع العواصم العربية لن تضمن تلقائياً تغيراً في دمشق، فمن يعتمد على نفوذ القاهرة والرياض وأبو ظبي في تغيير موقف دمشق من إيران سيكون مخطئاً.

الرئيس الأسد لم يسحب الشروط المسبقة التي تشترطها سوريا من أجل علاقات طبيعية مع تركيا. 

وكان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد واضحاً في تصريح من القاهرة، إذ حدد شرط التطبيع، وهو الانسحاب من الأراضي العربية التي تحتلها تركيا في شمال سوريا وغرب العراق، وأن عليها التخلي عن سياساتها الحالية من أجل خلق جبهة موحدة ضد التحديات المشتركة.

مشكلة الثقة تعتمل في العلاقة مع إردوغان الذي يقترح محوراً ثلاثياً ضد "إسرائيل"، في حين لا يقطع تدفق النفط ويحافظ على العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي. حتى لو استعان إردوغان بالعلاقات العربية من أجل تطبيع العلاقة مع سوريا، فإن الطاولة الرباعية في موسكو ستطغى عليها، فالمبادرة العربية لا يمكنها إخراج ثنائي موسكو – إيران من المعادلة. 

ترى روسيا أن دور الدول العربية يمكن أن يكون دوراً مساعداً، لكنها هي الدولة الضامنة بالنسبة إلى دمشق في ما يتعلق بالانسحاب. وكان لافروف واضحاً في تصريحه حول استعداد تركيا لمناقشة انسحابها، لكن لم يتم الاتفاق على المعايير، وأكَّد أن هناك اجتماعاً رباعياً جديداً، وأن دمشق تتوقع قراراً واضحاً بشأن عملية سحب الجنود الأتراك من أجل إقرار التطبيع.

يتم الحديث عن أجندة تدريجية روسية، إذ سيتم تحديد الإرهابيين وآلية التعاون لمكافحة الإرهاب وحماية الحدود المشتركة. وفي هذا السياق، سيتم العمل على تحديث اتفاقية أضنة، وسيتم تحديد الجدول الزمني لانسحاب الجيش التركي من سوريا.

الهدف الأساسي والنهائي بالنسبة إلى سوريا وروسيا هو وحدة أراضي سوريا وسيادتها. الجانب السوري يتحدث عن هذا الشرط الذي سيتم تحقيقه في نهاية المفاوضات. تظهر سوريا المرونة من حيث الحث على ضرورة الالتزام الكتابي والضمان الدولي وعملية الانسحاب، إلا أن سلوك تركيا يثير الشكوك والارتياب في جدية السعي إلى التطبيع من دون مكتسبات. وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد كرر شروطاً حول ضرورة لقاء المعارضة والنظام وضرورة الاجتماع لإيجاد حل سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وتهيئة الظروف اللازمة للعودة مع استمرار المساعدات الإنسانية دون انقطاع.

لكن بفرض القرار 2254، سوف تصل المحادثات إلى طريق مسدود وعدم إعطاء الرئيس الأسد الضمانات التي يتوقعها في ما يتعلق بالسيادة ووحدة الأراضي، ما يعني أن المفاوضات سوف تقف، ولا يمكن لإردوغان الاعتقاد أن العلاقة التبادلية والنفعية الاقتصادية والوساطة التي يقودها بين إثيوبيا ومصر يمكنها أن تفضي إلى تنازل من سوريا والدخول في القرار الأممي 2254 ومحاولة كسب العرب إلى جانب شروطه. لذلك، ستبقى الطاولة الرباعية جوهر المحادثات من دون إلغاء التأثير العربي الذي يسعى إلى التطبيع.